مترجم: «نساء.. حياة.. حرية».. تعرف إلى الوجه الآخر للمقاتلات الكرديات
الكاتب: Sarah Lazarus
المصدر: Women. Life. Freedom. Female fighters of Kurdistan
لا توجد إحصاءات رسميّة فعلا لعدد النساء المقاتلات في كردستان، لكن يُعتقد أن نسبتهنّ تتراوح ما بين 30% إلى 40% من المقاتلين هناك. وبينما تنتشر صورهنّ في وسائل الإعلام العربية والغربية على حدّ سواء، تبقى قصصهن الحقيقية وتفاصيل حيواتهنّ في وسط هذه المعارك والتحديات مختفية ضمن ركام المعاناة والأحداث المتتالية.
تحاول الكاتبة سارة لازوراس الاقتراب من الأمر أكثر في مادتها المنشورة على شبكة سي إن إن الأمريكية، عبر تتبعها للأعمال الفنية للمصورة الفوتوغرافية سونجا حمد ومشاهداتها على أرض الواقع.
ﮊن-جيان-آزادي!
من دمشق حيث وُلِدت لأبوين كرديّين يزيديين، إلى شمال الراين-وستفاليا في ألمانيا وهي بعدُ في الثالثة من عمرها، إلى برلين حيث تُقيم حاليًا.. خلال نشأتها وتنقلاتها هذه لاقت المصورة الفوتوغرافية سونجا حمد صعوبةً في التحدث عن خلفيتها مع الأصدقاء، ووجدت دائمًا أن إيصال الفكرة بشكلٍ بصري -وخصوصًا بالصورة- أسهل بكثير.
بعد أن بدأت الحرب السورية في عام 2011، شاهدت حمد صور المقاتلات الكرديات، لكنها شعرت أن تلك الصور لم تُنصِفهنّ، وكما تنقل عنها الكاتبة قولها: «كانت الصور مدهشة للغاية. عُرِضَت النساء بنفس طريقة الرجال-دومًا يحملن السلاح. لم تقل الصور أيّ شيء عن النساء كأفراد».
بعد ذلك قامت حمد ما بين مارس (آذار) 2015 وديسمبر (كانون الأول) 2016 بثلاث رحلاتٍ إلى كردستان العراق ومنطقة «روج آفا» في سوريا للقاءِ وتصوير النساء اللواتي تحملن السلاح، وجمعت صورها للمقاتلات تحت عنوان « ﮊن-جيان-آزادي» وهي المرادفات الكردية لـ«نساء-حياة-حرية».
طعم الحرية والحرب
كانت كلّ من ديجلن وزيلان في عمر التاسعة عشر فقط حين التقت بهما المصورة عام 2015. تقاتل ديجلن مع وحدات حماية المرأة، وهو تنظيم عسكري نسائي نظير لوحدات حماية الشعب الكردية، ويخوضان سوية معركة ضد تنظيم داعش الذي سبق وشنّ هجمات متكررة على المناطق الكردية السورية منذ 2013.
حين التقتها حمد كانت ديجلن قد أمضت ثلاث سنوات بالقتال، نصفها على خط الجبهة، وهي عازمة على مواصلة القتال رغم إصابتها ورغم معارضة عائلتها.
الكثير من المقاتلات يكنّ مراهقات حين ينضممن إلى الوحدات كما توضّح الكاتبة، وتقول حمد إن بعضهنّ يسجلّن بدعمٍ من أهاليهنّ، فيما تهب الأخريات من منازلهنّ لأن عوائلهنّ لم تسمح لهن بالقتال.
تقول حمد إنها بَنت «علاقة عميقة وصادقة» مع المقاتلات، وتعاملنَ مع بعضهن البعض «مثل الأخوات».
في جبال شمال العراق، التقت حمد بأعضاء وحدات المرأة الحرة-ستار، وهو الفرع النسائي المقاتل لحزب العمال الكردستاني (بي كي كي)، المتزعم للمشاركة العسكرية للمرأة الكردية. تلقّت زيلان ستة أشهر فقط من التعليم النظري وشهرًا من التدريب العملي قبل أن تبدأ العمل طبيبة طوارئ لتعتني بالمقاتلين المصابين بجروحٍ قاتلة كما تنقل الكاتبة عن حمد. شاهدت زيلان المئات من الرفاق يموتون وحاولت تزويدهم جميعًا بجنازة مناسبة.
تناضل ديلجن من أجل حقوق المرأة وفقًا لما تنقله المصورة عنها، إذ تشنّ الكثير من المقاتلات الكرديات حربًا على نظام الوصاية الذكورية، فضلًا عن حربهنّ مع المقاتلين الأعداء.
تتزوج النساء الكرديات عادة في سن مبكرة و«حتى إن أردن الذهاب في نزهة، عليهنّ أن يطلبن الإذن». تناضل هذه النساء من أجل المساواة في أدوارٍ رُهِنت تقليديًا للذكور ومن أجل قلب المفاهيم. بالنسبة للكثيرات من المقاتلات، كان الانضمام إلى الميليشيا هو تذوقهم الأول لطعم الحرية.
قِتالٌ على جبهاتٍ عدّة
تبدو الكثير من المقاتلات أكبر من عمرهنّ بكثير كما تراهنّ حمد، إذ «يُعانين من مستوياتٍ عالية من التوتر. هنالك دومًا حالة طوارئ وتشعر بخوفهنّ». وتقول حمد إن الأحداث المأساوية تحصل بتتابعٍ سريع في حيواتهنّ لدرجةٍ لا يجدن أي وقتٍ كاف لمعالجة تجاربهن، مضيفةً: «هؤلاء الشابات أكثر نضجًا بكثير من نظيراتهنّ في أوروبا، لأنهن عِشن وخضن الكثير بالفعل».
تتبع العديد من النساء المقاتلات عبد الله أوجلان، زعيم حزب العمال الكردستاني المسجون. وتشيع رؤية ملصقاته في كردستان العراق. تقول حمد أن تحرير المرأة متجذر بعمق في أيديولوجية حزب العمال الكردستاني، إذ أن «أوجلان أعلن أن (الأرض لا يمكن أن تكون حرة عندما لا تكون المرأة حرة)، وحتى من زنزانته في تركيا يُرسل للنساء ذخيرة عقلية لتنعتِقن».
تتخذ وحدات حماية المرأة البيوت المهجورة ملاجئ لها، بعد أن يفرّ أهلها وسكانها الأصليون من المعارك. لا تحصل المنتميات لهذه الوحدات على أيّ رواتب لكونها قوة متطوّعين، وتعتمدن على السكان المحليين وعلى القوات العسكرية لتأمين طعامهنّ وإمداداتهنّ. توضح حمد هنا أن: «المجتمع الكردي المحليّ داعمٌ للغاية».
تقول شيرين البالغة من العمر 21 عامًا لحمد أنها ورغم تعرضها لإصاباتٍ بالغة، تريدُ البقاء في الميليشيا بعد الحرب. هي ابنة والديها الوحيدة وهما قلقان عليها للغاية.
حطامٌ وركام
في يناير (كانون الثاني) عام 2015، ساهمت مقاتلات وحدات حماية المرأة في تحرير كوباني، وهي مدينة في شمال سوريا حاصرتها داعش منذ سبتمبر 2014. عندما سيطر داعش على المدينة، فرّ معظم سكانها البالغ عددهم 40 ألف جهة الحدود التركية ودُمّر جزءٌ كبير من المدينة.
زارت حمد المدينة في شهر سبتمبر (أيلول) عام 2015، حينما بدأ السكان بالعودة إلى مدينتهم. وتستذكر حمد تلك اللحظات: «بدت كما لو أنها موقع تصوير فيلم.. وكأنها لم تكن حقيقية فعلًا».
في ضوء الشمس الهادئ صباحًا، تألقت المدينة المحطمة بجمالٍ غريب، لكن كان على حمد التجول بحذرٍ شديد لتجنب القنابل غير المنفجرة.
تل حميس- شمال سوريا
في ربيع عام 2015، ساعد المقاتلون الأكراد في استعادة مدينة تل حميس في شمال سوريا من قوات داعش. كان لتل حميس أهمية استراتيجية بالنسبة لداعش لموقعها الرابط بين مناطق داعش آنذاك في سوريا وفي العراق.
زارت حمد موقع خط المواجهة الأول للمعركة بالقرب من الحدود العراقية، حيث تمركز المقاتلون أثناء دفاعهم عن المدينة. واستكشفت المنازل المدمرة بنوافذها المحطمة وجدرانها المثقّبة بفوّهات الرصاص.
يعيش أكثر من 10 آلاف لاجئٍ كردي في مخيم مخمور للاجئين في شمال العراق، بعد أن فرّوا من تركيا في التسعينات عندما أحرقت القوات الحكومية قراهم وفقًا للكاتبة. وحين تعرض المخيم لهجومٍ من قبل داعش في 2014، تمركز المقاتلون الأكراد حول التلال المحيطة لتأمين الحماية.
تقول حمد إنه بالرغم من فرزِ النساء والرجال إلى معسكرين مختلفين في الليل، إلا أنهم غالبًا ما يتدربون معًا ويقاتلون جنبًا إلى جنب. وهذا يصبّ في صالح إبقاء مجتمع المقاتلين على اتصالٍ وثيق ويعزز المساواة.
وتختتم الكاتبة بتصريحٍ أخير للمصورة وصاحبة المشروع الفني يفيد بأنه كان للنساء المقاتلات الكرديات «أثرٌ واضح على الجانب الذكوريّ من المجتمع الكردي»، مضيفةً أنهم «عندما يرون النساء يحملن السلاح ويقاتلن، يتعلمون احترامهنّ».