الإثنين, نوفمبر 25, 2024
Homeاراءالمجتمع الايزيدي.. ماذا بعد رحيل الفقير والمير ؟ صباح كنجي

المجتمع الايزيدي.. ماذا بعد رحيل الفقير والمير ؟ صباح كنجي

 

قبل أيام رحل عن عمر تجاوز 97 واقترب من القرن الفقير حجي شمو.. الذي كان موسوعة ايزيدية ميثولوجية.. وشكل رحيله فقدان لمدرسة في الأدب الشفاهي لن تعوض.. وبالرغم من عدم الانتباه لهذه الخسارة الكبيرة لشخصية محورية في الديانة والمجتمع.. الا من عدد محدود من الكتاب.. فإن الفقير شمو سيبقى رمزاً من رموز المجتمع الايزيدي.. يذكرنا بمعالم الادب الشفاهي من جهة.. وبسلوك رجل الدين المتحضر .. الذي لم يرضخ لأخطبوط السياسة والضغوطات التي كانت تمارس بحق رجال الدين في مختلف العهود.. خاصة في العهد الإجرامي لدكتاتورية حزب البعث ..

الذي شهد جملة اجراءات فاشية بحق الايزيديين.. تمثلت بتهجيرهم من قراهم في سهل نينوى ومناطق تلكيف في الستينات .. ومن ثم تبعها في المرحلة الثانية بعد عام 1975 وما شهده من حالة انهيار للثورة الكردية .. حيث اعقبها حملة تهجير وتدمير لقرى الايزيدية في سنجار وسهل نينوى.. ترافقت مع نقل المئات من العوائل وتهجيرها الى مدن في وسط العراق وجنوبه.. بالاضافة الى نقل المئات من العوائل الايزيدية من مناطق زاخو وسنجار الى مجمعلت باعذرة وسينا وشيخ خدر وشاريا وخانكي  ومدينة دهوك ..

واستكمل البعث مشروعه الدموي بعد الثمانينات اثناء الحرب العراقية الايرانية.. حينما قام بتجير عدد كبير من عوائل الايزيدية من مناطق بعشيقة وبحزاني ودوغات وايسيان الى مناطق الانصار نهاية عام 1986 الذين تم تغيبهم في مرحلة الانفال لاحقا ..

اسرد هذه التفاصيل الآن وأنا اتذكر فيما اتذكره الفقير شمو.. الوحيد من بين رجال الدين أنذاك من غامر بحياته في ذلك الزمن لمرتين.. ووصل الينا في مسعى لانقاذ ابنه خديدا المعتقل بالخطأ من قبل بيشمركة الحزب الديمقراطي الكردستاني.. واستغلّ وجوده للسعي حينها لانقاذ اطفال ونساء تم تهجيرهم من قبل اجهزة القمع البعثية .. وكان رغم خطورة هذه الخطوة هادئاً وغير منفعلا قد قرر تقبل اجراءات السلطة الدموية في حالة كشف خطوته ولقاءه بالعوائل والانصار ومبيته عندنا في قرية صوصيا .. خاصة وانه لم يكن خارج نطاق المراقبة الامنية ..

واذكر من بين المئات من الملفات التي حصلنا عليها من دوائر الأمن في عهد الانتفاضة.. بما فيها دائرة أمن الشيخان.. العديد من الملفات الخاصة بالايزيديين.. بينهم من كان يتعاون وانخرط لهذا السبب او ذلك في نطاق برنامج المؤسسات الامنية.. وقبل انْ يكون له دوراً في التجسس على المواطنين والثوار ..

ومن بين الملفات التي كان قد هيأها مدير امن الشيخان في حينها ما يتعلق بالفقير شمو .. واعتقد ما زال الملف متواجداً كوثيقة من وثائق دوائر القمع في الملفات التي سلمتها لأرشيف الحزب الشيوعي للاحتفاظ بها .. كان الملف مع الصورة الخاصة بالفقير شمو قد كتبت عليه في واجهة الغلاف العبارة التالية: ..

( فقير شمو مواليد 1922.. رجل دين يزيدي يتعاطف مع الثورة الكردية و الشيوعيين ) ..

أذكر هذا ونحن في غمرة الحزن على فقدانه الذي استكمل برحيل المير تحسين ـ ابو سعيد.. الذي شكل رحيله منعطفاً هو الآخر في تاريخ المجتمع الايزيدي ينبغي التوقف عنده .. وإن كانت وفاة المير قد ترافقت مع اهتمام كبير من لدن اجهزة الدولة والكتاب والمؤسسات الدينية في العراق وكردستان.

دون أن نغفل.. إن البعض من المساعي جاء لاستغلال الحدث من قبل جهات في حكومة اقليم كردستان للمتاجرة السياسية والتزلف للإيزيديين وعائلة المير في هذا الظرف الدقيق.. ومهما قيل بحق الامير فانه هو الآخر قد رحل وترك فيما ترك تقيمات متباينة عن عهده ..

هذا العهد الذي بدأ عام 1944 بطفولة تحسين قبل تتويجه أميراً ليصبح عبر هذا الزمن المتواصل لغاية وفاته عام 2019 شاهداً على تقلبات العصر.. التي لم تجلب لذويه واتباعه الا الخيبات والكوارث والمحن .. وكان افدحها الفرمان الأخير الذي لحق بالايزيدية على يد دولة الخلافة الاسلامية الاجرامية ـ داعش .. التي محقت قرى ومدن الايزيدية في سنجار وسهل نينوى.. وسبتْ نسائهم واستعبدت اطفالهم وقتلت رجالهم.. في ظل معادلات سياسية بائسة في العراق وكردستان.. كانت نتائجها شناعات ترافقت مع احتلال المدن وتدميرها.. ولم تكن المؤسسة العسكرية والامنية العراقية والكردستانية بريئة منها.. وساهمت في خلق الاجواء لنمو داعش وتقدمها لتستلم سنجار وبعشيقة وبحزاني دون مقاومة بعد انسحاب القوات العسكرية واجهزة الامن والاحزاب الكردية منها دون مقاومة ..

هذا الانسحاب الذي خلق محنة سنجار وكارثة الايزيدية.. تجسدت في تفاصيل الفرمان الاخير.. الذي عاصره المير تحسين ومن معه من رجال دين واولاد وبنات واحفاد واقرباء لهم.. ما زالوا يغصون من هول الكارثة التي تتجسد أمامهم في كل لحظة.. في مخيمات العار والذل التي يتواجد فيها النازحون.. وفي القائمة الطويلة العريضة من المغتصبات والسبايا من الفتياة والنساء الايزيديات.. ناهيك عن طوابير المهاجرين ممن غادروا الى بلدان اللجوء حاملين جراحاتهم التي لن تندمل ..

بين هذا التاريخ المحمل بالدم.. وهذا الواقع المر الذي جبل بالقهر .. قهر الانسان المضطهد الذي لا يستطيع ان يقوام قوى الشر التي اتحدت لتصنع الكارثة.. كان المنعطف الاخير للمير الذي قرر اللحاق  بالفقير شمو حاملا معه ليس صوراً ميثولوجية من تلك التي حفظها الفقير شمو في صدره.. بل قائمة طويلة وفصولاً دامية من حكايا الفرمان الاخير مشفوعة بالوثائق والادلة والاسماء المسجلة بضياء من سراجات لالش التي مازالت تضيء الكون ..

رحل ليترك وصية بدفنه في مسكنه في قلب الشيخان .. قال من خلالها.. من خلال موته.. ما لم يكن باستطاعه أن يقوله في حياته .. هذه ارضي وأرض اجدادي.. لن ابرحها .. سأتمسك بها في مماتي .. ليكن فيها قبري مزاراً لتاريخ قادم آتٍ.. وشاهد على تواجد تاريخي معرض للزوال ..

قالها المير منبهاً لمخاطر قادمة وفصول آتية..

اياكم والارض إنْ استباحها الضباء ..

وخطط لاغتصابها بالسر الفقهاء ..

اياكم ان تنسوا انكم مستهدفون من السفهاء..

اودعكمْ و ادرك انكم اصبحتم في بلدكم كالغرباء..

والبعض منكم يتامى بلا آباء..

احذروا .. تيقضوا .. اتحدوا لستم ضعفاء..

التطرف مرض يتفشى كالوباء..

ابو هريرة سلم الراية للخبثاء..

من عشاق الدماء..

رهط البغدادي يتربص من جوف الصحراء ..

ليفتكوا بالمزيد من النساء و الابرياء..

ـــــــــــــــــــــــــ

صباح كنجي

9 شباط 2019

RELATED ARTICLES

1 COMMENT

  1. الفقير لم يمت تقريباً فقد دوّنت كل نصوصه الدينية , لكني أعتقد أن كثيراً من القصص الدينية والإجتماعية كانت تضم أخطر الأسرار التاريخية لم تدوّن كلها فقد كان المهم في نظرنا هي الاقوال فقط وأهملنا القصص الإجتماعية, لذلك أعتقد أن جزءاً من الفقير المبجل قد ضاع كما أن المحتفظين بتلك القصص التاريخية قد إنقرضوا من بيننا سلفاً والبركة في الجيل المثقف الحالي والقادم ومن الممكن التقصي حتى قاع البحر , ففي إيران معظم تلك الخفايا , رحم الله الفقير رحمةً واسعة
    أما المير فقد خلف جيلاً أكثر علماً وسياسةً ودهاء ، وعليهم بالجديّة والتعلم من العبر , الذي يقود يجب أن يكون أهلاً لذلك . رحم الله المير رحمةً واسعة

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular