الأحد, نوفمبر 24, 2024
Homeابحاثموجز تاريخ الامارات الايزيدية الحلقة الأولى : خليل جندي

موجز تاريخ الامارات الايزيدية الحلقة الأولى : خليل جندي

سأتناول في هذه الدراسة من خلال مصادر موثقة ومعتمدة موجز تاريخ الامارات الايزيدية؛ نشوئها، تبعيتها، دورها واضمحلالها دون الدخول في التفاصيل. سأحاول قدر الامكان المحافظة على التسلسل الزمني لتلك الامارات قبل مجئ الشيخ آدي بن مسافر، مع الاعتذار من عدم ذكر أسماء إمارات ايزيدية أخرى تعذر عليّ الوصول إلى مصادرهم:

 

  • إمارة جارجوم: يقول الدكتور فيليب حتي في كتابه: (تاريخ سورية ولبنان وفلسطين، الجزء الثاني، ص52-54) ما مختصره؛ انه في زمن الخلافة الأموية (القرن السابع الميلادي) كان هنالك قوم ذوي تاريخ غامض يقيمون في المنطقة الجبلية الوعرة في شمالي سورية، ويتمتعون بقسط وافر من الحكم الذاتي. وكان هؤلاء المردة(1) يمدون الروم من معاقلهم في جبال اللكام وطورس بالرجال، والجنود غير النظاميين، فكانوا شوكة في جانب العرب. ويضيف د. حتي بعد صفحة: “وأخيراً تقرر في عهد الوليد بن عبدالملك (705-715م) أن يقضي نهائياً على خطر المردة. فهاجم مسلمة ( هو مسلمة بن عبدالملك أخ الخليفة- خليل ج.) هؤلاء العابثين بالأمن في عقر دارهم ودمر عاصمتهم الجرجومة، فهلك بعضهم وهاجر البعض الآخر الى أناطوليا، وانضمت جماعة ممن بقي منهم الى الجيش السوري، وقاتلوا تحت لواء الاسلام. وفي عهد يزيد الثاني، ساهموا في اخضاع الفتن التي نشبت في العراق”(2). جارجوم(3)، هي منطقة واسعة تقع الى الشمال والشمال الغربي من حلب وجبل كورداغ، وهي نفس المناطق التي أسس عليها الايزيديون إمارة حلب أو قصير وكذلك كليس. وما زال الايزيديون يسكنون بكثرة في تلك المناطق.

 

  • إمارة داسن (620هجرية-1236م): كان مركزها دهوك وتمتد من زاخو وشنكال غرباً حتى تصل الى نهر زاب بالقرب من أربيل. للعلم أن كل من البلاذري (توفي829 م)، وابن الأثير(1160م-1232م)، يتحدثان عن داسن ولكن ليس كإمارة، حيث يذكرون أنه في زمن الخليفة عمر بن الخطاب، أرسل قائد الجيش الاسلامي (عتبة بن فرقد السلمي) سنة عشرين للهجرة فقاتله أهل نينوى، فأخذ حصنها وهو الشرقي عنوة وعبر دجلة فصالحه أهل الحصن الآخر على الجزية(…) ثم فتح المرج ( أي مه ركه أو ميركه مكان الامارة-الكاتب) وقراه وأرض باهذرى وباعذري وحبتون والحيانة والمعلة ( مالطا اليوم-الكاتب) ودامير وداسن وجميع معاقل الاكراد.(4)

 

  • وفي عام (148هجرية-763م) تمكن الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور من صدّ وإيقاف انتفاضة الايزيديين في جبل داسن في كوردستان، أولئك الذين كانوا يحاولون الخروج من سيطرة العباسيين(5).

 

  • وفي زمن العباسيين أيضاً عام (224هجرية-839 م) تمكن الخليفة المعتصم من إخماد انتفاضة أخرى للايزيديين للمرة الثانية في جبل داسن ومنطقة الموصل بقيادة (الأمير جعفر بن الأمير حسن الداسني).(6) (أغلب الظن أن هذا الأمير يعود الى عائلة الأمير بير حسن ممان وعائلة خانزاد أمراء سهل حرير- الكاتب)

 

  • أما الأمير (عيسى 479هجرية) الشهير بصلاح الدين الكوردي وبعد وفاة والده الأمير يحيى أصبح أميراً للقبيلة الدونبلية ونقل نحو مائة ألف أسرة من الأكراد من فرع اليزدانية الى آذربيجان والى (كوهستان) وكان يمضي أغلب أيامه في تبريز.وصار بعد ذلك وزيراً للخليفة هارون الرشيد.(7)

 

  • وعند قدوم الشيخ آدي بن مسافر (القرن الحادي عشر) الى لالش، الواقعة في الشيخان أو ما يسمى اليوم بـ (وه لات شيخ) أو ( ايزيدخانه)، أصبحت عين سفني مركزاً للامارة، علماً في زمن الشيخ آدي وأخيه وأولادهم من بعدهم – خاصة الشيخ حسن- كان كل شئ تقريباً باسمهم. لا أريد هنا التوقف على تاريخ هذا الشيخ الجليل وحفيده الشيخ حسن (ابن أخيه) وغيرهم، لأنه معروف لجميع الايزيديين تقريباً، وكيف قاوم الأخير بدرالدين لؤلؤ والي الموصل أنذاك، وكيف اعتقل عام (644هجرية-1246م).

 

  • يقوم شخص باسم شمس الدين أحمد الجردقلي (1414م) بشن هجوم على إمارة الشيخان وجبال هكار وإبادة الايزيديين.(8)

أما في القرون المظلمة وبعد انهيار الامبراطوية المغولية في القرن الرابع عشر، فأن معلوماتنا قليلة عن الامارات الايزيدية.

يعتبر كتاب (شرفنامه) الذي وضعه الأميرشرفخان البدليسي عام 1597م من بين المصادر القديمة التي تتحدث بشكل واضح- رغم سقوط الفصول :(السابع، الثامن، التاسع) المخصص للامارة الداسنية/الايزيدية من الأصل الفارسي- عن الامارات، ويقول بأن القبيلة الرئيسية آنذاك كانت تسمى (داسني) وتسكن شمال وشرق الموصل وصولاً الى معبد لالش حيث مزار الشيخ عدي(9). وقال عنهم (ابن فضل الله العمري) في مسحه لكوردستان بأنهم فرع من البوط.(10). وداسني كانت تمتد الى آديابين وهي منطقة تقع بين الزاب الأكبر والأصغر، وكانت لهم عداوة مع أعدائهم التقليديين في سوران. وفي حصنكيف حافظ خلفاء صلاح الدين الأيوبي على دينهم الاسلامي، ولكن مناطقهم شمال دجلة قدمت المراعي الصيفية لقبائل البدو الايزيدية الـ (خالتي) شرق باطمان وبازيان حول ميافارقين (سليفان الحالية).

وفي تقرير ابن فضل الله يأتي على ذكر قبيلتين ايزيديتين، قبيلة (المحمودي) التي شغلت حامية هوساب جنوب شرق بحيرة وان، وقبيلة (دونبلي/ دوملي) التي انتقلت الى غرب بحيرة أورميه(11). وفي مكان آخر من كتاب (شرفنامه) يأتي على وصف ايزيدية الغرب (شمال سوريا) ويقول بأنهم جماعة تعود الى أفواج الهكارية التي عملت تحت قيادة صلاح الدين الايوبي، وبعد طرد الصليبيين تم منح زعيم هكاري اسمه (مند) في قصير غرب حلب وإقطاعية أخرى- ربما كليس- فأصبح ذات سلطة على الكورد. ويذكر شرفخان شنكال دون إعطاء تفاصيل عنها.

وبعد موت تيمورلنك ظهرت على الساحة السياسية آنذاك قوتان أخريتان هما قوة (اسماعيل الصفوي) كأول شاه في ايران بمنطقة (أردبيل) أو مدينة آذربيجان، وكان يدين بالمذهب الشيعي ونودي كملك الملوك عام 1501م. أما القوة الثانية فكانت الدولة العثمانية في الطرف الغربي.

تمكن الشاه اسماعيل الصفوي خلال سنوات قليلة من الاستيلاء على بلاد فارس والعراق وجميع مناطق الأناضول والقسم الشرقي من نهر الفرات، واحتلال ديار بكر عام (1507م) وبغداد في السنة التالية.

 

  • وفي ذلك الوقت كانت قبيلتي ( الدنبلي والمحمودي) الايزيديتان هما الأقرب الى بلاد فارس، وأظهرتا ولائهما للشاه اسماعيل وكذلك الى أمير العمادية اعتماداً على الشيعة بعد أن استولى على الحامية الايزيدية بدهوك على بعد 18 ميلاً غرب لالش(12).

 

  • وفي زمن السلطان العثماني سليم الأول (السنّي) الذي ألحق هزيمة بالشاه في معركة جالديران شمال بحيرة وان آب 1514م، وبذلك أصبحت كل من ديار بكر، اورفه، ماردين، الموصل، شنكال، واقعة تحت الحكم العثماني. وعندما احتل هذا السلطان نفسه (سليم) سوريا ملحقاً الهزيمة بالجيش المصري، أعلن الأمير قاسم بك الكوردي المسلم ولائه للسلطان، ولكن في طريق عودته من احتلال مصر 1516م استطاع الشيخ عزالدين بن يوسف الكوردي الايزيدي من الايقاع بالأمير قاسم بك لدى السلطان وعين هو أميراً على الكورد في حلب وجبل سمعان. ودام حكمه من (1520-1566م)، يقال أن منطقة شنكال كانت تابعة لحكمه وهو كما يقال، من سلالة الشيخ شرف الدين بن الشيخ حسن. وفي ذلك الوقت كانت إمارة كليس ومرعش بيد الأمير محمد باشا من سلالة الشيخ مند(13).
  • وفي عام 1534م عندما شنّ السلطان سليمان القانوني حملة ضد الخليفة اسماعيل الصفوي، أتت قبيلة محمودي لتعلن ولائها للسلطان المنتصر فقبلها.

 

  • وحينما احتل السلطان سليمان نفسه بغداد، وأثناء عودته قام باعدام أمير سوران (الذي كان موالياً للشيعة الصفويين) وعين ايزيدياً وهو (حسين بك الداسني) ليكون حاكم أربيل وكذلك سوران بعد موت أميرها(14). بتشجيع ودعم من الدولة العثمانية نفسها تم قتل الأمير الايزيدي وقاموا بتسليم ولاية الموصل وأربيل عام (1585م) الى أمير بوطان (علي سيدي بك) الذي كان في الأصل ايزيدياً، وقام بحملة كبيرة ضد ايزيدية جبل شنكال فقتل حوالي 600 شخصاً منهم وأسر العديد من النساء والأطفال(15).

 

  • أصبحت قبيلة (الدونبلي)على الجانب الفارسي من الحدود الذي رتب بين الامبراطورتين الصفوية والعثمانية عام 1555م فقد تحول الزعماء وأكثر رجالها الى المذهب السنّي، لكن أقلية منهم تشبثت بالعقيدة الايزيدية. وهاجر بعضهم لاحقاً الى الأناضول(16). أما أعدائهم التقليديون من قبيلة (المحمودي) فقد سكنوا في الطرف العثماني من الحدود جنوب شرق بحيرة وان، وقام السلطان سليمان بعد عدة سنوات باعدام أميرهم، وغالبية هذه القبيلة اعتنقت الاسلام فيما بعد بدعوة من زعيمها(17). وبذلك أفل نجم هاتين الامارتين الايزيديتين الى يومنا هذا.

 

  • حوالي عام 1623م الذي كان يعتبر عهداً مضطرباً للدولة العثمانية، انقطعت سلسلة نسب حكم داسني المنحدرين من الشهيد الشيخ حسن وذلك بازاحته من قبل زعيم في جبال سوران وراء الزاب الكبير والذي أرجع نسبه الى الشيخ أبي بكر، أحد أبناء عمومة الشيخ آدي. وبعد قتل الأمير الداسني وثمانين من أتباعه أسس الشيخ محمد- المعروف بالكردي الأربيلي الباطني- عائلة حاكمة أميرية لا زالت تحكم الايزيديين وتقوم بحماية حرم لالش(18).
  • وفي زمن السلطان مراد الرابع نهاية كانون الأول من عام 1638-1639م إكتسحت مدينة بغداد، وسجل المؤرخون المعاصرون مآثر وبطولات فرقة داسنية تحت قيادة زعيم يدعى ميرزا بك (المعروف بايزدي ميرزا-الكاتب)(19) وعين عام 1649 والياً على الموصل برتبة باشا.

 

  • شبه إمارة أو حامية في منطقة كويسنجق بقيادة الزعيم الايزيدي (آس) الذي طالما شنّ غارات على المقاطعات الغربية لبلاد فارس. شنّ نادر شاه حملة عليه عام 1743م والحق به الهزيمة(20).

 

  • وفي القرن 18 أصبح أمراء الايزيدية في الشيخان من رعايا الامارة الكردية في العمادية. ففي ذلك الوقت ثار الأمير بداخ بك (1770-1771م) ضد اسماعيل باشا، أمير العمادية، فقام الأخير باخماد حركته وتم تعيين جولو بك ابن بداخ بك (1789-1790م)، وبعد ذلك أعيد تعيين حسن بك بن جولو بك (1791-1792) من قبل خنجر بك أمير العمادية، وقتل بعد ذلك الأمير حسن بك غيلة من قبل أمير العمادية(21). وخلف (صالح بك) أباه حسن بك ، لكنه قتل هو الآخر من قبل شخص في مدينة الموصل. وبعد تنافس وصراع داخلي على سلطة الامارة تبوء ( علي بك الكبير) الامارة.

 

  • قام علي بك الكبير بقتل (علي آغا البالطي) رئيس عشيرة الالكوشية المزورية في قصر باعذرة. ربما ندم الامير الايزيدي على ما فعل أو خشى عواقبه، لذا دعا اليه أربعين من أشراف ونبلاء الايزيدية، وأمر كل واحد منهم بطعن جثة علي آغا، ويعتقد بأنه كان لأمير العمادية الذي كان يمثل السلطلة الأعلى في المنطقة يد في المسألة(22). وكان لعلي آغا ولد عم يدعى الملا يحيى المزوري طالب علم في العمادية، سافر الى بغداد والتجأ الى واليها آنذاك (داؤد باشا) ونقل اليه شكوى قتل (علي آغا) من قبل أمير الايزدية، يقال أن الوالي زوده بكتاب الى أمير رواندوز( محمد باشا)، وفي رواية أخرى ذهب الملا يحيى مباشرة الى رواندوز واستنجد بالأمير محمد باشا، فأجابه وأخذ يعد العدة لغزو الايزيدية وحلت الكارثة عليهم حيث زحف بجيشه الجرار أول خريف 1832م على مركز الايزيدية في الشيخان، وفي طريقه قام بتصفية ايزيدية أربيل في قرية الكلك، وكانت تسمى حينها “كلك الدواسن” وفي طريقة بدأ يقتل أهالي القرى واحداً تلو الآخر ويعمل فيها سيف الانتقام ويقضي على كل ذي روح فيها..ومن نجوا من الابادة قصدوا الموصل للهروب الى شنكال/ سنجار وكان عددهم نحو العشرة آلاف شخص ( كما يذكرها الدملوجي، ص436) فأزاح والي الموصل (سعيد باشا) الجسر عن نهر دجلة خوفاً أن يتعقبهم جيش أمير رواندوز ويدخل مدينة الموصل ويعيث بها، فالتجأ الايزيديون الى ” تل قوينجق” فادركهم محمد باشا وذبحهم جميعاً ذبح النعاج ولم يترك واحداً يفلت من يده(23). ويضيف نفس هذا المصدر(ص463) من أن ” منطقة الشيخان كانت تمتد من نهر الزاب الأعلى الى نهر الخابور والذي يمر من زاخو وهي متراصة بالسكان اليزيدية ونفوسهم تزيد على المائة ألف نسمة. فأخذ الجيش الصوراني يهاجمها واحدة إثر واحدة ويبيد سكانها ولم يسلم من يده سوى النساء والفتيات اللاتي كن يجدن لهن شفيعاً من نضارتهن وطراوتهن، فقد كن يرسلن الى بلاد السهران (كذا) أي بلاد (سوران- رواندوز) وهكذا استمر سيف البغي والعدوان يلعب في رقاب هؤلاء التعساء ويزيلهم من الوجود ولم يسلم منهم إلاّ الذين اختفوا في الأدغال والأحراش وهربوا الى رؤوس الجبال وهم لا يتجاوزون خمسة بالمائة” (هذا شهادة مسلم سنيّ متعصب لدينه كيف يعطف على الضحايا!). أما الأمير “علي بك” الذي أعطى الذريعة لمثل هذه الابادة، ترك أبناء جلدته ونجى من سيف الانتقام الذي كان أحق به وذهب الى جبال العقر(العقرة) واختفى فيها. الا أن شبح النقمة ظلّ ملازماً له الى أن قبض على خناقه وقضى على أنفاسه بعد أن رأي بعين رأسه النكبة التي حلت بأهله وقومه جزاء غدره وخيانته(24).

 

  • تولى جاسم بك الامارة بعد أسر الأمير علي بك وهروب ابنه حسين بك الصغير الى شنكال. وانتهي عهد جاسم بك الى نهاية عنفية إذ تقدم حسين بك ابن علي بك (1843م) من شنكال الى قرية ايسيان التي تقع على بعد اربعة كيلومترات شرق باعذره، وانتخب أميراً تحت وصاية الشيخ ناصر الذي كان بابا شيخاً آنذاك.

 

  • وفي العام (1853م) قام والي الموصل حلمي باشا وبصورة فجائية (خلع) الأمير حسين بك وعين مكانه (جاسم بك) الشاب. وأخيراً أعيد ( حسين بك) الى موقعه، ورغم أن الأمير جاء لتقديم الطاعة والولاء لوالي الموصل الجديد (مدحت باشا) عام 1869م، إلاّ أنه أعتقل عام 1875 ووضع تحت الاقامة الجبرية في الموصل الى أن توفي عام 1879. وحلّ محله شقيقه الأصغر (عبدي بك). وخلف الأخير ابنه ( ميرزا بك) وقصته معروفه كيف غيّر هو وأخوه الصغير وأثنين من العامة عقيدتهم أمام الفريق وهبي باشا في (19/آب/1892) في مدينة الموصل عندما تلى عليهم قاضي المدينة آية التوحيد، ونتيجة لموقفه صرف له راتب قدره ألف قرش( ما يعادل 18 جنيهاً استرلينياً). أما البقية من الايزيديين الذين كانوا مع الأمير فلم ينطقوا باللعن ولم يشهروا اسلامهم، فأمر الباشا الجنود بضربهم، وأخذ الجنود يضربونهم ضرباً مبرحاً حتى مات ثلاثة منهم تحت الضرب ، وسقط الكثير منهم جرحى فحملوا الى المستشفيات للمعالجة.(…) وأبرق الباشا الى اسطنبول يقول بأن عشرين ألفاً من الايزيدية اهتدوا بهمته، وطلب أوسمة للأمير ميرزا بك وأخوته، وقد وصلت الأوسمة الى الموصل فسلمت لأصحابها، وأخذ الايزيديون يعودون الى قراهم تدريجياً(25). رغم تغييره لديانته، بقي ميرزا بك أميراً للايزيدية الى أن وافاه الأجل عام 1899م. لكن أخوه (علي بك) الذي رفض تغيير دينه بأن يصبح مسلماً، أودع السجن ونفي بعد ذلك الى سيواس مع زوجته ميان خاتون إبنة عبدي بك، ولم يسمح له العودة الى موطنه إلا بعد توسط من دائرة السفارة البريطانية عام 1898م. بعد موت ميرزا بك عيّن (علي بك) أميراً في نفس عام 1899، لكن العثمانيين حصروا صلاحياته في الأمور الدينية فقط تساعده زوجته ميان خاتون التي كانت قد شاركته منفاه(26). تم إغتيال هذا الأمير في قصره بباعذرة عام 1913 بعد حكم شبه صوري دام أربعة عشر عاماً.

 

  • تولى (سعيد بك ابن علي بك) منصب الامارة بع مقتل ابيه سنة 1913 وهو لم يتجاوز الثانية عشر من عمره في الوقت الذي كان هنالك رجال من هذه الاسرة أحق وأجدر منه لهذا المنصب. إلاّ أنهم آثروه على أنفسهم لما كانوا يحملونه من المحبة لأبيه والعطف على أمه وهي التي عرفت بفطنتها وامتلاكها القلوب بدهائها، وكانت وصية عليه(27). وبقي على رأس الامارة الى أن وافاه الأجل يوم الخميس 29/تموز/ 1943 في مدينة الموصل.

 

  • كما نجحت الأميرة ميان خاتون من قبل في تنصيب ابنها (سعيد بك) أميراً على الايزيدية بعد وفاة والده، تمكنت هذه المرة أيضاً بحنكتها وفطنتها من استمالة البعض من أفراد الاسرة الى جانبها واسكات آخرين وترشيح حفيدها (تحسين بك) أميراً للامارة وهو في سن الثالثة عشرة، وقد لاقى هذا الترشيح (كما يقول الدملوجي، ص20) قبولاً من السلطات الادارية الحكومية العليا، وتم تعيين (تحسين بك) أميراً عام 1944 ونصبت جدته ميان خاتون وصية عليه كما كانت على والده من قبل حتى مماتها عام 1957م.
  • رحل المغفور له الأمير تحسين بك بن سعيد بك من إحدى مستشفيات هانوفر/ألمانيا بتاريخ 28/كانون الثاني/2019 بعد أن بقي على رأس الإمارة (75) خمسة وسبعون عاماً ليشاهد في أواخر سنين حياته أعتى جريمة وإبادة الايزيديين في سنجار في الثالث من شهر آب/2014!!.

كما أشرت اليه في المقدمة، تطرق الى الامارات الايزيدية والأمراء الايزيديين بشكل مختصر، فالامارات والأمراء- خاصة بعد عهد الشيخ آدي بن مسافر والشيخ حسن بن الشيخ آدي الثاني- من الكثرة بحيث لا يتسع مقال كهذا على ذكرهم جميعاً(28).

باستثناء إمارات قليلة مثل: جارجوم (القرن السابع وبداية الثامن الميلادي)، وجعفر بن حسن الداسني، والأمير عيسى بن يحيى في العهد العباسي (القرن الثامن والتاسع الميلادي) ، وفترة الشيخ آدي والشيخ حسن ومن كانوا في عهديما، إضافة الى إمارة داسن التي لا نملك عنها التفاصيل الوافية، فان الامارات الأخرى التي تطرقنا الى تواريخها بشكل مختصر، لم يتمتعن بالاستقلال، بل كنّ خاضعات؛ إما الى الامبراطوية العثمانية أو الصفوية ولاحقاً الى سيطرة إمارة العمادية.

جاءت الحرب العالمية الأولى (1914-1918) وخسارة الامبراطورية العثمانية وحلفائها أمام بريطانيا وفرنسا وتقاسم ممتلكات (الرجل المريض) بموجب معاهدة سيفر1920 النهاية الفاصلة لزوال الإمارات الكوردية، بضمنهن إمارات الايزيديين، التابعات للدولة العثمانية المنهارة.

لم تبق من الإمارات الكوردية القوية ولا واحدة، ولم يبق لها أثر إلاّ في بطون كتب التاريخ وفي ذاكرة بعض الناس، إلاّ أن الملفت للنظر برزت للوجود إمارة كانت مريضة أكثر من الدولة العثمانية، بل وأحيت من قبرها بعد تشكيل الدولة العراقية الملكية عام 1923م!. ماهو سرّ ذلك؟

 

سقت هذه الفقرات بشكل مطول مع التركيز على أشرس وأبشع جريمة إبادة باسم (فرمانا ميرى كوره= إبادة أمير محمد الرواندزي الأعور)، تلك الإبادة التي حطمت وجود المجتمع الايزيدي، فلم يبق من مجموع مائة ألف في منطقة (ولات شيخ) الممتد آنذاك من منطقة آسكي كلك الى زاخو، غير خمسة بالمائة حسبما يذكره(صديق الدملوجي) في كتابه، هذا اضافة الى الأعداد التي أبيدت في منطقة شنكال؟! لأوجه انتباه الايزيدية الى السؤال الجوهري: هل كانت إبادة المجرم (ميرى كوره) قدر الايزيديين المحتوم، أم أن نزوة شخصية أعطت الذريعة وقادت إلى تلك المذابح الرهيبة بحق الأبرياء؟!! أليس الأولى اليوم، وبعد أن تكررت إبادة الايزيديين في سنجار/شنكال في 3/آب/2014 أن يقوم المثقفون الايزيديون والوجهاء وجميع شرائح الايزيدية أينما كانوا بإعادة دراسة تاريخهم لإستخلاص العبر منه أولاً ، وتزويد السفينة الايزيدية الآيلة للغرق بأكثر من شراع عصري لإنقاذها وليس تسليمها إلى إنسان مقيد؟!

 

(* هذا جزء من مقال مطول من 18 صفحة، مع بعض الاضافات والتعديلات، كتب في 6/6/2006)

 

  • تتبع الحقة الثانية وتتمحور حول: ملامح ومقومات بقاء “الإمارة” الجديدة.

 

مانيلا في 11/2/2019

 

المراجع والمصادر والهوامش

  1. بمعنى الانتقاض والمقاومة، كما فسره (قابل الدينوري)، ص 130 س3. لكن اللفظة هي من ( مرد= مروف) بمعنى الانسان أو الشجاع أو الكريم عكس البخيل.(خليل ج.)
  2. د.فيليب حتي: تاريخ سورية ولبنان وفلسطين، الجزء الأول والثاني، دار الثقافة- بيروت، ترجمة الدكتور جورج حداد و عبدالكريم رافق، ط3، سنة (1960)؟-  كذلك راجع مقالي: مجلة روز، ع.6، ص 21.
  3. جارجوم: ربما الجداول أو الأنهر الأربعة (خليل ج.)
  4. البلاذري، أحمد بن يحيى بن جابر، البلدان: وفتوحها وأحكامها، تحقيق د. سهيل زكار، دار الفكر/ بيروت، ط1، ص2890، انظر كذلك ابن الأثير، عزالدين أبي الحسن علي بن محمد، الكامل في التاريخ، ج2، دار صادر/بيروت، طبعة 1995، ص 524
  5. انظر مجلة لالش، العدد 5، لسنة 1995، ص114، مقال للسيد زرار صديق. انظر كذلك مجلة روز ، العدد 6 لسنة 1998 مقال للكاتب نفسه باللغة الكوريد بعنوان: إمارة الشيخان، شنكال وكليس، ص7-27
  6. نفس المصدرين السابقين، ص 115 و 10 على التوالي.
  7. محمد أمين زكي، خلاصة تاريخ الكرد وكردستان، تاريخ الدول والامارات الكردية في العهد الاسلامي، ج2، ترجمة محمد علي عوني، سنة الطبع 1945، ص 385،  وانظر أيضا مجلة روز، مصدر سابق، ص11)
  8. عباس العزاوي، اليزيدية، وأصل عقيدتهم، 1935
  9. شرفنامه، شرفخان البدليسي، ترجمة كرومي، مجلد1،ص38، وكذلك جون كيست، الحياة بين الكورد…تاريخ الايزيديين،  ترجمة عماد جميل مزوري،مطبعة سبيريز/ دهوك 2005، ص 106)
  10. شهاب الدين ابن فضل الله العمري، مسالك الأبصار، ترجمة كواتريمير، نقلاً عن جون كيست، مصدر سابق)
  11. نفس المصدر السابق، ج2، القسم الأول، ص158-177)
  12. شرفخان البدليسي، شرفنامه، الجزء الأول، ترجمة محمد علي عوني، تقديم يحيى الخشاب، دار احياء الكتب العربية/بيروت، 1987، ص104، وانظر كذلك : جون كيست، مصدر سابق، ص109
  13. انظر مقال للكاتب نفسه منشور في مجلة روز، العدد 6 لسنة 1998، ص14.
  14. جون كيست، مصدر سابق، ص111-113
  15. خليل جندي، مصدر سابق، ص16
  16. شرفخان البدليسي، مصدر سابق، ج2، القسم الأول، ص163.
  17. نفس المصدر السابق، ج2، قسم1، ص169. كذلك انظر جين اوتر: رحلة الى تركيا وبلاد فارس، ج1، ص 297-298. جون كيست، ص113
  18. جون كيست، مصدر سابق، ص 114.
  19. مصطفى نعيمة: تاريخ نعيمة، ج5، ص92-93. وانظر كذلك مقال للكاتب باللغة الكوردية :خليل جندي، إمارة الشيخان، شنكال وكليس، مجلة روز، العدد 6 لسنة 1998، ص18.
  20. جون كيست، مصدر سابق، 136
  21. الدملوجي، صديق: إمارة بهدينان، ص137) . وانظر كذلك : ج. بيرسي بادجر: النساطرة وطقوسهم، ج1، ص110.
  22. جون كيست، مصدر سابق، ص156.
  23. لمزيد من التفاصيل الدقيقة راجع: صديق الدملوجي، اليزيدية، بغداد 1949، ص 461-464
  24. الدملوجي، صديق: مصدر سابق، 464.
  25. راجع: الدكتور علي الوردي، لمحات إجتماعية من تاريخ العراق الحديث، الجزء الثالث، دار كوفان للنشر- لندن،1992، ص52-53. راجع كذلك: صديق الدملوجي: مصدر سابق، ص 506- 507 وجن كيست، مصدر سابق، ص 303
  26. جون كيست، مصدر سابق، 303 و 316
  27. الدملوجي، صديق، مصدر سابق، ص18.
  28. لمن لدية رغبة شديدة في الاطلاع على تلك الصفحات من تاريخ الامارات الايزيدية بإمكانه مراجعة المصادر والمراجع التالية: غرائب الآثار لياسين العمري- إمارة العمادية، صديق الدملوجي- زبدة الآثار الجلية- إمارة بهدينان، أنور المائي- محفوظ العباسي: إمارة بهدينان العباسية، موصل 1969 – إمارة سوران، حسين حزني موكرياني- شيخان و شيخان به كى، خدر سليمان و سعدوللا شيخانى باللغة الكوردية)- عبدوللا فارلى: ديروكا دوكه لين كوردان 600-1500م، سالا 1997 – د. التونجي: اليزيديون، كويت، 1988-  إضافة الى المصادر المثبتة في هوامش المقال نفسه.

 

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular