بين نظرية الاختراق الإسرائيلي لـ«حماس» وتحولات الإقليم في ظل صفقة القرن
منذ السابع من أكتوبر 2023، لم تهدأ الأسئلة حول مدى «مفاجأة» الهجوم الذي قادته كتائب القسام على المستوطنات المحاذية لقطاع غزة. كيف تمكنت حركة محاصَرة ومخترَقة أمنياً منذ سنوات، من تنفيذ أكبر عملية اختراق حدودي في تاريخ الصراع؟ ولماذا جاء الرد الإسرائيلي بهذه القوة الغير المسبوقة، التي وُصفت من قبل خبراء الأمن بأنها أقرب إلى “رد استراتيجي مبيّت” لا إلى ردّ انفعالي مفاجئ؟
هل كانت إسرائيل على علم؟
تقارير متعددة – أبرزها من صحيفة هآرتس الإسرائيلية ومجلة Foreign Affairs الأمريكية – نقلت عن مسؤولين استخباراتيين سابقين شكوكاً حول قدرة أجهزة الأمن الإسرائيلية على تفويت رصد استعدادات بهذا الحجم. بعضهم أشار إلى احتمال حدوث «سماح متعمد» للهجوم ضمن استراتيجية “دع العدو يتحرك كي تضربه شرعياً”؛ وهي عقيدة معروفة في أجهزة الاستخبارات الغربية تحت مسمى Controlled Ignorance.
الجنرال الأمريكي المتقاعد مارك كيميت، الخبير في الحرب غير المتكافئة، صرّح في ندوة لمعهد واشنطن بأن «الفشل الاستخباري الكلي في السابع من أكتوبر غير قابل للتصديق دون وجود خلل منهجي مقصود».
الأطراف العربية والإقليمية… شركاء صامتون أم بيادق في اللعبة؟
وفقاً لتحليلات مركز راند والمعهد الأوروبي لدراسات الأمن، فإن الهجوم جاء في لحظة كانت فيها اتفاقيات التطبيع الإسرائيلية – العربية تتوسع بصمت، وعلى رأسها مشروع “الناتو الشرق أوسطي” الذي رعته إدارة ترامب ضمن “صفقة القرن”.
بعد مجزرة غزة، توقفت كل هذه المسارات… ظاهرياً. لكن خلف الكواليس، جرى في القاهرة ما سُمّي بـ«الاتفاق الإنساني» بين إسرائيل والولايات المتحدة ومصر وقطر والسعودية، وهو في جوهره – كما ترى تقارير Brookings Institution – إعادة هندسة حكم غزة باتجاه نموذج “السلطة المعدّلة” بقيادة تكنوقراط مدعومين إقليمياً.
بمعنى آخر: هل جُرّت حماس إلى الفخ كي تكون الذريعة لإعادة تشكيل غزة والمنطقة؟
حماس… فاعل مستقل أم أداة جيوسياسية؟
الخبير الفرنسي في مكافحة الإرهاب أوليفييه لو ران يرى أن بعض الحركات المسلحة تقع – دون وعي – في «مصائد استراتيجية»، حيث تظن أنها تُهاجم العدو بينما هي تُنفّذ السيناريو الذي ينتظره العدو منذ زمن.
وبحسب دراسة صادرة عن مركز كارنيغي، فإن “حماس كانت تبحث عن تجديد شرعيتها الشعبية، بينما كانت قوى دولية تبحث عن ذريعة لإعادة هندسة الإقليم”… وهكذا التقت الأهداف دون تنسيق مباشر.
الخلاصة الاستقصائية
لا توجد أدلة قاطعة على «مسرحية كبرى» متفق عليها مسبقاً، لكن كل المسارات تشير إلى أن ما جرى لم يكن مجرد مواجهة غير محسوبة، بل محطة مفصلية أعادت رسم خريطة النفوذ في الشرق الأوسط.
هل نحن أمام تكرار لسيناريو 11 سبتمبر بنسخة شرق أوسطية؟
حيث يُترك العدو ليضرب… حتى تُشرعَن حرب كبرى تُعيد ترتيب الإقليم؟
السؤال ما يزال مفتوحاً.

