انتخابات 2025 ليست سباقاً على المقاعد بقدر ما هي معركة “ثأر سياسي”، تخوضها قوى الإطار لاستعادة ما خسرته في 2021. لكن رغم غياب الصدر وعودة قانون سانت ليغو، يبقى القلق مسيطراً على جمهور عراقي ناقم يتجاوز حجمه 19 مليون إنسان..

حين تراجعت “الدولة“ و“اللادولة“
فَقَد تحالف “الفتح” الذي يضم “قوى الحشد الشعبي”، مثل بدر برئاسة هادي العامري، وعصائب أهل الحق بقيادة قيس الخزعلي، فضلاً عن أحمد الأسدي، فقد 31 مقعداً، عندما انخفض عدد مقاعد التحالف من 48 مقعداً في 2018، إلى 17 مقعداً فقط في 2021.
أما تحالف “قوى الدولة” الذي يضم عمار الحكيم وحيدر العبادي، والذي “من المفترض” أنه تشكل ليمثل تياراً “مضاداً لقوى اللادولة”، التي تمثلها كتل سياسية تمتلك السلاح، متمثلة بـ”تحالف الفتح”، كان صاحب الخسارة الأكبر، فانخفضت مقاعد العبادي والحكيم، التي كان مجموعها في 2018 يبلغ 40 مقعداً، إلى أربعة مقاعد فقط في 2021، حيث فقد 36 مقعداً.

بالمقابل ارتفعت مقاعد التيار الصدري من 54 في انتخابات 2018، إلى 73 في التي تلتها، أي حصل على 19 مقعداً إضافياً. بالإضافة إلى ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي، فقد ارتفع عدد مقاعده من 25 في 2018، إلى 33 في 2021، أي كسب ثمانية مقاعد، وبذلك يكون مجموع المقاعد التي انتقلت من الأحزاب السياسية الشيعية الخاسرة إلى الأحزاب السياسية الشيعية الفائزة 27 مقعداً، من أصل نحو 70 مقعداً فقدها مجموع الإطار، أي أن أكثر من 40 مقعداً خرجت أساساً من القوى الشيعية الإسلامية الكلاسيكية إلى قوى مدنية ونواب مستقلين.
وأمام الخسارة المدوّية لقوى الإطار، وصعود التيار الصدري الذي جاء بمشروع يهدد وجود قوى الإطار وزعاماته في الحكم: يعزلهم عن إبداء الرأي، ويسلبهم خيار تحديد رئيس الحكومة والوزراء والمناصب الأخرى، ويدفعهم إلى ركن “المعارضة”، انتهت الأسماء الثانوية وتصنيفات “قوى الدولة وقوى اللادولة”، لتجتمع جميع الكتل السياسية الشيعية في دائرة واحدة اسمها “الإطار التنسيقي الشيعي”، كمشروع رافض لنتائج الانتخابات ومناهض لمشروع الصدر، قبل أن ينسحب الصدر ويستقيل نوابه، ليرفع عدد نواب الإطار ويتمكن من تشكيل الحكومة لاحقاً، بالشراكة مع القوى الكردية والسُنية.
ساحة خالية للإطار.. لكنها موحشة
رغم أن أسباب الخشية من المفترض أنها “منعدمة” هذه المرة بالنسبة للقوى السياسية الشيعية الكلاسيكية، فالساحة خالية من التيار الصدري الذي قاطع الانتخابات، وقانون الانتخابات عاد إلى نظام “سانت ليغو”، ولم يعد قانون “الفائز هو الأعلى أصواتاً”، الذي أنتجته تظاهرات تشرين، قائماً، كما أن أجواء تشرين والنقمة على القوى السياسية المرتبطة بالسلاح لم تعد مسيطرة كما كانت في انتخابات 2021.
لكن كل هذا البيض في سلة قوائم السلاح والفصائل، لا يكفي، فهذه القوائم باتت تواجه تحديات جديدة، من بينها النيات الخفية وغير الخفية للقوى الغربية، وتهديدات إسرائيل التي باتت شهيتها مفتوحة لتطال يدها كل أثر لما يُعرف بـ “محور المقاومة” في المنطقة، كما أن الإشارات القادمة من الولايات المتحدة الأمريكية متضاربة وغير واضحة، وقد جعلت كبار زعماء القوى السياسية ومستشاري الدولة يتحولون إلى “محللين سياسيين”، فالمستشارون يواجهون المخاوف بمحاولات طمأنة نابعة من “الاستدلال” لا المعلومة، وكلّما تصاعدت التكهنات والتحذيرات، ذكروا الشركات الأمريكية العاملة في العراق كدليل على عدم وجود نوايا أمريكية تضمر السوء للنظام السياسي في بغداد، حتى أصبحت شركة شيفرون، على سبيل المثال، “تميمة” الطمأنة والسكينة لقلوب الزعماء والنظام السياسي القلق.
ليست المتغيرات الإقليمية وحدها عاملَ قلق بالنسبة لقوى الإطار وكتل السلاح خلال الانتخابات المقبلة، بل إن الزعامات باتت تخشى من حلق لحيتها، من منطلق المثل الشعبي العراقي “إذا طلعت لحية ابنك زين لحيتك”، فابن الإطار وحزب الدعوة، محمد شياع السوداني، كبُر خارج الحزب مراهناً على ما صنعه لنفسه من مقبولية عبر الإعلام، أو الزبائنية، أو استثمار أموال النفط في مشاريع بنى تحتية وتوظيف، مستغلاً الاستقرار الأمني والسياسي بعد تراجع تهديد الإرهاب.
لا تنبع الخشية من السوداني من كونه مناوئاً لمبادئ الإطار وقوى السلاح أو يشكّل خطراً عليها، بل من كونه يستثمر في مساحة بعيدة عن أدبيات الإطار، ويقدّم سردية جديدة لم تعتد عليها جماهير الإطار التنسيقي، سردية عابرة قادرة على اقتناص أصوات تجعل منه زعيماً جديداً بين زعامات الإطار، بلغة لا تشبه لغتهم غالباً، لذلك فإن ظهور السوداني كـ”رأس جديد” سينغّص على زعماء الإطار نشوة التخلّص من الصدر، خصوصاً وأنه يحمل مشروعه بمفرده على طريقة الصدر كـ”رأس”، لا على الطريقة التي يريدها زعماء الإطار، بأن يكون فرداً متماهياً مع “الحزمة الإطارية” يقول ما تقول، فبات يتحدث عن ولاية ثانية دون “موافقة مسبقة من الإطار”، الذي يعتمد مبدأ “الشورى” لا التنصيص، على طريقة حادثة “سقيفة بني ساعدة”، أحد أبرز الأحداث التاريخية الخلافية بعد وفاة الرسول، والتي يقوم المذهب الشيعي على أساس رفضها.
انتخابات تحدد “هوية العراق”.. أجواء 2005 في 2025
يرى زعماء الإطار التنسيقي أن الانتخابات المقبلة توازي، بأهميتها، انتخابات عام 2005، ودائماً ما يصفونها بـ”الحاسمة والمصيرية”، وهي تكاد تكون بالأهمية نفسها لدى القوى السنية والكردية، الذين لا يشغلهم شيء أكثر من صراعاتهم الداخلية وتَزَعُّم المحافظات، وهي معادلات لا تتأثر كثيراً بالمتغيرات الإقليمية، ولا بالحجوم السياسية التي تشهد ثباتاً نسبياً، خلافاً للقوى الشيعية.
تشبه الانتخابات المقبلة انتخابات 2005، لكونها أول انتخابات يقاطعها التيار الصدري بعد انتخابات 2005، كما أنها ستكون اختباراً لحجوم قوى الإطار وقدرته على تصحيح معادلة الخسارة بعد 2021، إضافة إلى أنها تأتي في ظلّ محاولة إيران تعزيز نفوذها، وسط تزايد حاجتها إلى العراق بعد خسارة سوريا، وتراجع نفوذها بشكل كبير في لبنان، وعودة العقوبات الأممية عليها، التي رُفعت عام 2015، وتزايد الضغط العسكري الأمريكي-الإسرائيلي ضدها، ليصبح العراق “حبل النجاة الأخير”، كما أن الصمت الأمريكي النسبي، وعدم حسم شكل علاقة واشنطن ببغداد، جعلا العراق وكأنه يعيش في “عالم البرزخ” منتظراً اليوم الموعود لتحديد اصطفافه الإقليمي، وهي أجواء تشبه الانتخابات الأولى 2005، التي حدّدت هوية العراق حينها.
تزايد السكان وتناقص الناخبين
في ظلّ كلّ ما تقدّم، يتنامى الجدل حول واحدة من أكثر المسائل جدليةً أصلاً في ملف الانتخابات العراقية طوال سنوات، وهي نسبة المشاركة والمقاطعة، رغم أن المقاطعة، مهما كبرت، لا تؤثّر دستورياً وقانونياً على شرعية الانتخابات، لكن تبقى نسبة المشاركة وعدد المصوتين أداة يذكّر بها معارضو النظام القوى السياسيةَ المهيمنةَ بأنهم وجمهورَهم “أقلّية”، بالمقابل، يُعَدُ المقاطعون “خزان أصوات” يعيد تذكير “المتأرجحين” بأن الأغلبيةَ غير محسومة للقوى الحاكمة، وهناك أوساط شعبية أكبر يمكن أن تتحوّل إلى تهديد للطبقة الحاكمة بـ”انقلاب انتخابي” أو مظاهر احتجاجية أو عصيان مدني، فهذا الخزان المقاطع رغم صمته، إلّا أنّه يُقلِق القوى الحاكمة.
لعل لغة الأرقام أكثر فصاحةً لتبيان “أقلّيّة” القوى الحاكمة؛ ففي 2021، كان عدد من يحق لهم التصويت يبلغ 25 مليون شخص، وفق إعلان المفوضية حينها، لكنّ سجل الناخبين النهائي أظهر أن عدد الناخبين يبلغ 22 مليون شخص فقط، وعدد الناخبين يختلف عن “من يحق لهم التصويت”، فكل من تجاوز الـ18 من عمره يحق له التصويت، لكن الناخب النهائي الذي يتم احتسابه هو من تسلم بطاقته الانتخابية، أي مبدئياً هناك ثلاثة ملايين عراقي “شُطِبوا” من ساحة صناعة القرار السياسي.
ومن بين الـ22 مليون شخص الذين تسلموا بطاقاتهم الانتخابية، شارك تسعة ملايين شخص فقط في الانتخابات حينها، وعلى هذا الأساس احتسبت نسبة المشاركة، أي تسعة ملايين من أصل 22 مليون ناخب، لتكون نسبة المشاركة 41 بالمئة، بينما لو احتُسِبَت النسبة على أساس الـ25 مليون شخص، الذين يحق لهم التصويت، ستكون نسبة المشاركة 36 بالمئة فقط.

في الانتخابات المقبلة، من المفترض أن يبلغ عدد من يحق لهم التصويت 29 مليون شخص، حسب متحدثة باسم مفوضية الانتخابات، حيث أن مواليد السنوات 2004، و2005، و2006، و2007، تجاوزوا الـ18 من عمرهم منذ انتخابات 2021 حتى الآن، وأصبحوا يمتلكون حقّ المشاركة والتصويت، وبمعدل مليون ولادة سنوياً، سيكون مجموعهم التقديري هو أربعة ملايين، يُضافون إلى 25 مليون شخص من انتخابات 2021. لكنّ المفوضية، وعند مصادقتها على الانتشار النهائي للمحطات والمراكز وعدد الناخبين مؤخراً، أعلنت أنّ عدد الناخبين يبلغ 21.4 مليون ناخب فقط، أي أن هناك نحو ثمانية ملايين ناخب “اختفوا” فجأة، وتفسير ذلك يعود إلى أن القانون الانتخابي الجديد يحتسب أن الناخبين هم الذين يمتلكون بطاقات “بايومترية” طويلة الأمد، حيث أن انتخابات 2021، كانت آخر انتخابات سمحت بتصويت من لا يحمل البطاقة البايومترية أو الإلكترونية، لذلك هناك ثمانية ملايين ناخب لم يحدّثوا بياناتهم، ولم تصدر لهم بطاقات بايومترية، فاستُبعِدوا من سجل الناخبين، ولن يكون لهم أيّ أثر في الانتخابات المقبلة.
لكن الناخبين الـ 21.4 مليون، من المتوقع أن يتعرّض عددهم لتقليص جديد، وينضم بعضهم إلى الثمانية ملايين، فهناك 3.5 مليون ناخب منهم لم يتسلموا بطاقاتهم البايومترية حتى قبل شهر من الاقتراع، وإذا جاء موعد الانتخابات ولم يتسلموها، فمن المتوقع أن ينخفض عدد الناخبين إلى 18 مليون ناخب.
وعلى طريقة انتخابات 2021، التي كان فيها عدد الناخبين 22 مليون ناخب، ولم يصوت منهم سوى تسعة ملايين، ليس من المتوقع أن يتغير عدد المصوّتين كثيراً في الانتخابات المقبلة، فعدد المصوّتين منذ انتخابات 2018 وإلى الآن يتراوح ما بين 9 و11 مليون شخص فقط، لذلك فإن من بين 21 أو 18 مليون ناخب خلال الانتخابات المقبلة، من المتوقع ألّا يشارك أكثر من تسعة ملايين شخص في أحسن الأحوال، بل سيكون ذلك نجاحاً نسبياً في ظل مقاطعة نحو مليون ناخب من الصدريين للانتخابات، الذين شكّلوا في انتخابات 2021 850 ألف صوت من أصل الملايين التسعة، هذا يعني أنه من المتوقع أن تكون نسبة المشاركة في الانتخابات المقبلة ما بين 42 إلى 50 بالمئة، وهو ما سيُقرأ حينها على أنه ارتفاع بنسبة المشاركة، رغم أن عدد المصوتين بقي نفسه رغم ارتفاع عدد الذين يحقّ لهم التصويت، لكن الفرق أن نسبة المشاركين ستُحتَسب على أساس عدد من يطلق عليهم مصطلح “ناخبين”، وهم الذين يمتلكون بطاقات بايومترية واستلموها، أما إذا تم احتساب نسبة المشاركة على أساس من يحق لهم التصويت، فسيكون هناك تسعة ملايين مشارك من أصل 29 مليون عراقي يحق له التصويت، وتكون نسبة المشاركة الحقيقية حينها 31% فقط.
الأقلية تحكم الأكثرية
في 2021، وفي أوج الاستقطاب القائم على أساس تحشيد الجماهير التابعة لقوى الفصائل “نكاية بتشرين”، حصلت أحزاب “الإطار التنسيقي” على مليون و650 ألف صوت، من أصل تسعة ملايين مشارك، وإذا ما احتُسبت هذه الأصوات من إجمالي من يحقّ لهم التصويت، الذين يبلغ عددهم 25 مليون شخص، هذا يعني أن جمهور الإطار، بجميع قواه السياسية، التي تضم دولة القانون، وتيار الحكمة، وصادقون، وجميع القوى السياسية الشيعية، باستثناء الصدريين، يشكّل ستة بالمئة فقط من إجمالي العراقيين البالغين الذين يحق لهم التصويت، بينما يشكل الجمهور الصدري وفقاً لعدد الأصوات ثلاثة بالمئة من العراقيين.
وتكشف هذه النسبة كيف أن “الأقلية تحكم الأكثرية”، وعلى صعيد جميع القوى السياسية، معروف أن من يشارك بالتصويت بالترغيب والترهيب والمصلحة والزبائنية من مختلف المكونات يمثل جمهور القوى السياسية الموجودة في العملية السياسية، وبالتالي يشكّل اليوم 10 ملايين في أحسن الأحوال، مقابل 19 مليون شخص آخر ناقم على القوى السياسية، ولا يمتلك مشتركات أيديولوجية مع القوى السياسية الحاكمة، وهذا العدد “مغرٍ” جداً وقادرٌ على قلب العملية السياسية كاملة إذا ما اجتمع على هوية وفكرة واحدة.

بالمقابل، حصلت حركة امتداد الناشئة المرتبطة باحتجاجات تشرين 2019، والتي لم يسبق لها العمل السياسي، حصلت على 300 ألف صوت، أي نحو ثلث أصوات التيار الصدري، وعموماً بلغت أصوات الأحزاب والتيارات السياسية التي انبثقت من تلك الاحتجاجات المفصلية -امتداد وإشراقة كانون والمستقلون- أكثر من 560 ألف صوت.
ثلاثة متغيرات ستلعب بخارطة الأصوات ونسبة المشاركة يُعد رقم الـ10 ملايين ناخب المتوقع مشاركتهم في الانتخابات المقبلة، رقماً متفائلاً، فهناك نحو مليون ناخب صدري لن يشارك بالانتخابات، رغم تحديث بياناتهم البايومترية، حيث جاء التحديث بحملة أطلقها زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، كاستراتيجية مقصودة لضمان إظهار أثر مقاطعة الصدريين للانتخابات.
ومع الثبات المتوقع لجمهور القوى التقليدية وشبه التقليدية الأخرى، ستتعرّض الأحزاب “التشرينية” لعاصفة؛ بعد التجربة الفاشلة لحركة امتداد، وانتهاء أغلب نوابها بالانتقال إلى كُتل إطارية، مثل نيسان الزاير التي انتقلت إلى دولة القانون، وهو انتقال “قاتل” لجماهير تشرين، فيما توزّع آخرون بين كتلة السوداني وكتلة المندلاوي، وانتقل حيدر السلامي إلى إشراقة كانون، وبقي علاء الركابي وحيداً، لذلك من المتوقع أن تعود جماهير تشرين، أو جزء كبير منها، إلى المقاطعة، أو قد تذهب إلى تحالف البديل بزعامة عدنان الزرفي، خصوصاً مع وجود حسين الغرابي والنائب الحالي سجاد سالم في التحالف، أبرز وجهين مناهضين بشكل صريح لقوى الإطار والفصائل.
المتغير الآخر، هو ائتلاف الإعمار والتنمية بقيادة السوداني، الذي من المتوقع أن يأكل من جرف قوى الإطار بعد انتقال شخصيات بارزة من دولة القانون إليه، وانضمام العديد من حركات الإطار إلى الائتلاف، فضلاً عن ائتلاف الوطنية بقيادة السياسي المخضرم رئيس الوزراء السابق إياد علاوي، وبعض قوى تشرين مثل حركة “نازل آخذ حقي”.
“موت” فكرة المستقل
كانت عبارة “المرشح المستقل” برّاقة في السنوات الماضية، إلّا أن انضمام عشرات المستقلين إلى الكتل السياسية الكلاسيكية بعد فوزهم، أثبت أن “المرشّح المستقل” كذبة، وحتى مع صدقها ستكون فاشلة، فالنائب المستقل فرد لا يمتلك أيديولوجيا أو مشروعاً سياسياً.
عملية الانتقالات والانضواء تحت أجنحة الأحزاب الحاكمة وفشل المرشحين المستقلين في تجربتهم، قتلت فكرة المرشّح المستقل معنوياً، كما أن المرشّحين المستقلين أنفسهم -من الذين يمتلكون مشروعاً سياسياً- اكتشفوا أن فكرة الترشُّح المنفرد لا تجدي نفعاً، ويجب تأسيس حزب يجمع الأفراد الذين يتشاركون الرؤية والفكر السياسي، وهو ما ذهب إليه سجاد سالم، الذي رُشح كنائب مستقل في 2021، ليؤسس حزب الاستقلال ويندمج في تحالف البديل.

وبعد مَرَضِ فكرة المرشح المستقل، جاء قانون الانتخابات الجديد ليقضي عليها تقريباً، فبعد قانون 2021، الذي كان يمنح الفوز للمرشح المنفرد الحاصل على أعلى الأصوات في الدائرة الانتخابية، فإن قانون انتخابات 2025، الذي تم تعديله عام 2023، وفقا لنظام سانت ليغو، يجعل المستقبل للأحزاب والتحالفات، التي ستكون مثل وعاء كبير يجمع كل صوت يدخل إلى الكتلة من خلال مرشحيها المنتشرين في مختلف المحافظات والدوائر الانتخابية.
انعكس تأثير تعديل قانون الانتخابات و”القتل المعنوي/المادي” لفكرة المرشّح المستقل انعكاساً واضحاً على أعداد المرشحين المنفردين في الانتخابات المقبلة مقارنة بانتخابات 2021، التي كان عدد مرشّحيها الكلّي يبلغ 3249 مرشحاً، من بينهم 789 مرشحاً مستقلاً بشكل منفرد، أي أكثر من 24 بالمئة من المرشحين منفردون/ مستقلّون، و76 بالمئة رُشّحوا ضمن أحزاب وكتل وتحالفات.
أما في الانتخابات المقبلة، في تشرين الثاني 2025، التي يبلغ عدد مرشحيها الكلي 7768 مرشحاً، هنالك 76 مرشحاً منفرداً/مستقلّاً فقط، ما يعني أن نسبة المرشحين المنفردين بلغوا 0.9 بالمئة من إجمالي المرشحين، أي أن الترشح الفردي انخفض بنسبة 96 بالمئة.
كلها بلون “الاستثناء“
رغم استهلاك القوى السياسية أدواتها المتكررة في تسويق كلّ انتخابات على أنها “استثنائية” ومصيرية، تبقى هذه العملية، رغم تكرارها ومراكمتها للخبرات والتجارب، استثنائيةً حقاً، لا بذاتها، بل بفعل الظروف التي تصنعها وتحيط بها، وهي متولّدة من هشاشة النظام السياسي، وفي هذه الجولة من الانتخابات البرلمانية، ستتحرّك الأرقام بفعل القوانين والآليات مرّة، والقوى السياسية ذات السطوة والنفوذ مرة أخرى، والشارع نفسه مرّات، لكن النظام نفسه، ورغم بعض النجاحات، مازال هشّاً، يولّد “الاستثناء” ويجعل من كلّ الأشياء “مصيرية”، وهذه المرّة بالتحديد، سيساهم في الأمر التيار الصدري، أو غيابه، مع غياب الرقم الصعب الدائم -الأغلبية المقاطعة أو المتكاسلة أو اليائسة- و”استثنائية” الوضع العالمي والإقليمي.
علي الاعرجي

