منذ فاجعة الثالث من آب 2014 حين اجتاح تنظيم داعش مناطق سنجار وبعشيقة وبحزاني وارتكب أبشع الجرائم بحق أبناء الديانة الإيزيدية، تركت تلك الأحداث بصمتها العميقة في ذاكرة المجتمع الإيزيدي. القتل الجماعي، سبي النساء، تهجير العوائل، وتدمير القرى والمجمعات، لم تكن مجرد ممارسات عابرة بل كانت حرباً نفسية هدفها سحق الهوية الدينية والثقافية للإيزيديين. ومن الطبيعي أن تظل آثار هذه الجراح حية حتى بعد مرور سنوات، إذ خلّفت هشاشة في الثقة بالنفس والخوف من أي خطاب أو تصرف سلبي يطال الديانة الإيزيدية.
اليوم كل تصريح أو موقف يمس الكرامة الدينية للإيزيديين يُقرأ على أنه تهديد جديد حتى وإن لم يكن بالضرورة مقصوداً. وهذا ما ظهر بوضوح في الأحداث الأخيرة مثل ما حصل مع محافظ نينوى في بعض تصريحاته التي اعتُبرت مستفزة أو متجاهلة لكرامة الإيزيديين وكذلك قضية علم نادي دهوك الرياضي التي أثارت جدلاً واسعاً عندما جرى التعامل معها بطريقة فسّرها الكثير من الإيزيديين على أنها إقصاء أو تهميش لهويتهم الدينية.
إلى جانب ذلك خرج بعض رجال الدين المسلمين بتصريحات غير منصفة تجاه الديانة الإيزيدية مما زاد من شعور الجرحى والناجين بأنهم ما زالوا غرباء في وطنهم وأن خطاب الكراهية لم يُمحَ من عقول البعض. هذه المواقف وإن بدت للبعض عابرة فإن وقعها على المجتمع الإيزيدي عميق لأنها تلامس الذاكرة المؤلمة التي خلفتها سنوات من الاضطهاد.
وفي هذا السياق تشكّل المؤتمرات التي تعُقد بأسم الاصلاح محطات جديدة تثير القلق بين صفوف الإيزيديين. وكثيرون يشعرون أن المؤتمرات هي أشبه بـ “قنابل موقوتة” لأن الخوف من تسييس الخطاب الإيزيدي ظل هاجساً حقيقياً. فالمجتمع الذي ما زال يعاني من تبعات الإبادة الجماعية يخشى أن تتحول قضيته إلى ورقة بيد أطراف سياسية، بدل أن تبقى قضية إنسانية وحقوقية خالصة. وهذا الخوف بحد ذاته انعكاس لجرح لم يلتئم بعد، جرح جعل أي محاولة خارجية تُقرأ كتهديد للهوية أو المتاجرة بالمأساة.
لكن في مقابل ذلك، من المهم أن ندرك أن جزءاً من ردود الأفعال الإيزيدية الحادة يعود إلى تلك “الصدمة الجماعية” التي زرعها الإرهاب.
إن الضعف الذي تركته التنظيمات الإرهابية في عقول وقلوب الناس جعل أي كلمة أو موقف سلبي يُستقبل بقلق مضاعف وكأنها إنذار بعودة الماضي المرير.

