إذا كنا نستقبل عاماً جديداً(2019م) ونطوي عاماً(2018م) دموي وحشي آخر ومازالت الضربات تتوالى على الكورد في روج آفا كوردستان من جميع الأعداء.
فكثير من الأوضاع السياسية في روج آفا كوردستان يحتاج إلى استقرار، وكثير من الأمور تحتاج إلى إدارة.
الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والأدبية والصحية لعموم روج آفا كوردستان منهارة، بل يكتبون التقارير على مزاجهم وعن أصحاب الفرامانات هم أنفسهم فكان بعض هؤلاء المنصرين على صلة ببعض الأنظمة التي تنكر حقوق الكورد لضمان مواقفهم المنسجمة مع المصالح الذاتية وتلبية رغبات أصحاب النفوذ بل وصل الأمر إلى أن هؤلاء يلعبون دور مخلصي الشعب الكوردي على مستوى الكوردستان الكبرى كشياطين لا كبشر وكانوا وما زالوا يقدمون دم الشباب من الجنسين وخيرات البلاد لبعض أمرائهم ضد البعض الأخر في خلافاتهم الداخلية فيما بينهم فهم يدركون أن شعور أي نظام ما بأنها جزيرة في وسط بحر يناصبها العداء سيجعلها أكبر قابلية للانهماك في موالاتهم وإقامة الأحلاف المصلحية الكاذبة معهم بما يُسمى اليوم بمواثيق الدفاع المشترك أو الوحدة وهذه أمور واضحة للعيان.
وأياً كانت الدوافع، وبفرض أن المضارب لا يصنع الفرصة وإنما يغتنمها فإن عينيه هي عين الصقر في أفق السماء يترصد فرائسه منقضاً على الفريسة السهلة الثمينة، إنه يراقب الأوضاع السياسية والأوضاع الاجتماعية والأوضاع الاقتصادية مراقبة وثيقة، فإذا ما كانت دلالات هذه الأوضاع إيجابية أقبل على شراء الذمم، متوقعاً المزيد من الازدهار، وإن كانت سلبية أقبل على البيع الذمم متوقعاً المزيد من الضغوط.
تتحدث السياسات والأفكار المغروزة في الجسد الكوردي المسكين والمطروحة على الساحة الكوردية من خلال الإعلام الخاص وعبر أبواق شيوخ الجبل عن المساواة والحقوق والعلمانية وفصل الدين عن المجتمع الكوردي وما شابه ولكن ممارساتهم فعلية في واقع الأوضاع السياسية التي تعيشها المنطقة، وأكاذيبهم تشير إلى أن شيوخ الجبل ينطلقون في هذه الممارسات من موقف يكرّس خلق الطائفية والمذهبية والعنصرية في أشد صورها تخلفاً.
والتصدع التي أصيبت المنطقة الكوردية في روج أفا كوردستان بسبب التدهور الاقتصادي الذي حدث في هذا العهد وارتباك الأوضاع السياسية واضطراب الأمن وانتشار المرتزقة والشبيحة من فلتان الأمني في كل قرية ومدينة عفرينية وتدخل الغريب في شؤون البلد فتصدع قسم كبير منه، ولم يهتم أحد بالأمر من الأحزاب الكوردية في إعادته إلى أصله بإصلاحه وترميمه، وتحولت بذلك الذهب الأرضي الخصبة التي كانت تروى بماء نهر عفرين ونهر الاسود والينابيع والأقنية الاصطناعية والآبار الارتوازية والتي كانت واسعة واليوم مكسورة الجناحين، إذ كستها الطبيعة بطبقة من الرمال والأتربة وفي القامشلي وكوباني ألبستها أكسية الصحراء الحزينة، حداداً على الوعود الكاذبة.
متى نحن الكورد نكون من أصحاب القرارات، الجواب سريعاً عندما نتخلص من العداوة الكوردية الكوردية القابع على أجسامنا وأقول: إن القضية عندنا منوطة أولاً، بتخلصنا مما يستغله عدونا الداخلي أولاً في أنفسنا، من استعداد لخدمته، من حيث نشعر أو لا نشعر، وما دام له سلطة خفية على توجيه الطاقة الاجتماعية عندنا، وتشتيتها على أيدينا، فلا رجاء في نيل أي حق من الحقوق المنكرة، ولا أمل في حرية، مهما كانت الأوضاع السياسية.
وإذا أراد أي كادر ثقافي أو سياسي أن يكتسب الحكمة من التجارب، فلا بد له، لِإصلاح نفسه أولاً وما حوله ثانية، وأن يعيش معهم، وبين مجتمعاتهم، ومجالسهم، وإذا أراد إرشاد الفلاحين والعمال عاشرهم في قراهم وأماكن وجودهم بين الحقول، وإذا أراد أن يصحح المعاملات (عامة) بين الناس، فعليه أن يختلط بهم، في مكاتبهم، وأنديتهم، ومجالسهم، وإذا أراد أن ينقذ الأوضاع السياسية، عليه أن يختلط بهم، ويتعرف إلى تنظيماتهم عن القرب، ويستمع إليهم في ندواتهم، ويطلع على برامجهم، ويتعرف بيئتهم التي يعيشون فيها، وعلى ثقافتهم، والاتجاه الذي يندفعون نحوه، ليعرف كيف يخاطبهم بما لا تنفر منه نفوسهم، وكيف يسلك في إصلاحهم بما لا يدعوهم إلى محاربته عن كره نفس واندفاع عاطفي، سوف يحرم الناس من علمه ونصائحه، وهذا يؤهله إلى أن يخاطب الناس عن قرب ولمستواهم بما يعرفون، ولا يحدثهم حديثاً فوق طاقة عقولهم، قال علي رضي الله عنه: (حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يُكذَّبَ الله ورسوله)، وغيره قال: (ما أنت بِمُحدِّثٍ قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة).
وتسير المخططات المدروسة للمنطقة بشكل دقيق وببطء وعلى وعي وإدراك تام من جانب الدول العظمى خاصة أمريكا وروسيا وبعض الأوربية بشكل خاص والإقليمية وبما فيها النظام السوري أيضاً، ولكن يظل البعد العربي غائباً عن تلك المعادلة بسبب طبيعة الأوضاع السياسية والتدهور الاقتصادية في بلادهم، ولا تزال أغلب الأحزاب الكوردية وخاصة المجلس الوطني الكوردي في سبات عميق، وفي حالة من النوم الإرادية أو الإجبارية، ولكنها لا تزال حالة سبات عميق، وتغافل تام عن أهم قضايا الأمن القومي الكوردي،(وخاصة وضع عفرين) وملاحقة للأهداف الشخصية الأنانية وتغليب الخلافات البينية على المصلحة العليا للشعب الكوردي، في ظل حالة من التصفيق الحاد والانحناء إعجاباً وإكباراً بسياسات هذه الدول التي تحرِّم سحب قواتهم من المنطقة بدعوى أن ذلك سيمثل خطراً على مصالحهم القومية لا مصالح شعوب المنطقة، وسيخلق حالة من الفوضى.
ومن دواعي إثارة الأفكار- في الوقت الحالي- وانكشاف الحالة الحضارية للكورد عن درجة عالية من الفشل في المشاريع السياسية(الحزبية)، وعن فساد كبير في ممارستها اليومية، وحالة متقدمة من خطورة الأوضاع الاقتصادية والثقافية في عالمنا الكوردي، وما يرتبط بذلك من فقر شديد وبطالة مرتفعة من الحرمان، والأمية وغياب الإنتاج العلمي، وضعف تدفق المعلومات، وإهدار كبير للثروات خاصة الطاقة الشبابية، ناهيك عن الأوضاع السياسية البائسة المرتبطة بالديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات العامة.
إذاً ما المطلوب من أبناء الكورد هل هو من خلال الأحزاب أم المجتمعات المدنية، أم المستقلين، والملاحظ أن مكتسبات الأحزاب في بعض الدول الغربية التي طبقته بصورة صحيحة, كثيرة لعل أهمها استقرار الأوضاع السياسية.
ووجود أساليب قانونية وسياسية لحسم الاختلافات, وإلغاء أو إضعاف النزعات الاستبدادية, وإبعاد القوة العسكرية عن السلطة, واختيار الشعب ممثليهم بكل حرية ونزاهة والحفاظ على حقوق الإنسان, ووجود حرية الصحافة والتعبير وغيرها, والابتعاد عن التطرف في العقائد والبرامج والأفكار, ويتم التنافس بناء على اختلاف البرامج الانتخابية المدعومة بدراسات وأرقام، هذه الفوائد وغيرها تجعلنا نقتنع بأن العمل الحزبي هو أحد الأعمدة المطلوبة لتحقيق النجاح السياسي لأي حزب أو دولة.
أعتقد أنه ظهرت بوادر كثيرة على مواجهة هذه الحالة ولكن مع الأسف أن الجوانب السياسية المهيمنة على الاحزاب الكوردية خاصة في روج آفا كوردستان هي التي تكرس التبعية والإحساس بالدونية وحتى التي تعوق أية إمكانية للنهضة وإحياء مشروع كوردي مستقل(مؤتمر شامل لتكون كمرجعية)عن المشروع تعدد الأحزاب.
أما الحالة السلبية التي ألمت بشارع روج آفا كوردستان إزاء الاعتداءات على المنطقة الكوردية خاصة سببها يعود إلى الأنظمة والحكام(والأمر الواقع) المستبدين على روج آفا كوردستان فضلاً عن الأوضاع السياسية المتدهورة، إلا أنه يمكن تحريك الشعب وإن كان ذلك غير مؤكد حيث يحتاج إلى قوة كبيرة يجب أن تقوم بها الطليعة الشبابية التي تأخذ على عاتقها مسئولية القيام بهذه المهمة الصعبة.
وأمام حالة الانهيار الجماهيري خاصة في منطقة عفرين وباقي مدن روج آفا كوردستان إزاء الأفكار المغلفة نجد الكثير ممن يدعون تبنيهم للفكر ومشروع الانصهار يحاولون من خلال أطروحاتهم أن يكون النسخة الكوردية لهذه الأفكار الهدامة بمعنى أوضح ضياع البوصلة الحقيقية، هل تعتبرون مثل هذه المحاولات شكل من أشكال الاختراق أو الغزوا الثقافي أم حُسن النوايا؟ ثم هل يمكن أن نعتبر أن الثقافة الكوردية الحالية(التشرذم)هي النموذج؟.
أما آن أن يعود كل الكوادر المخلصة إلى الشعب؟.
أما يحق للمخلص من الكوادر المثقفة أن يدعوا من قلبه الملتهب.
نوروا شعبكم وخاصة أنصاركم يا فلاسفة خمس عقود من خراب صفوف الحركة التحررية الكوردية في روج آفا كوردستان.
12-2-2019م