لا يمكن أن يستقر العراق وتعود عافيته إليه! وينتهي الإرهاب وجرائمه وتحل الميليشيات الطائفية المسلحة والتخلص من المحاصصة ومن التبعية والفساد، إذا بقيت الحكومة الحالية كسابقاتها تراوح في مكانها وتبقى وعودها حبر على الورق وعدم معالجة ظاهرة السلاح المنتشرة بيد التنظيمات الطائفية ومافيا الفساد والأفراد على حد سواء، إذ لا يكون القانون سيد الموقف يطبق بدون أي تحيز أو مساومة، فظاهرة الميليشيات وأسلحتها ومقراتها العلنية والسرية هي أًس البلاء في قضية السلاح وانفلات الوضع الأمني فضلاَ عن القوى الإرهابية وتنظيماتها وبالأخص داعش.
ليس اعتباطاً عندما نعود لبحث قضية السلاح المنتشر في كل مكان، وليس هي بدعة أو تجني على الواقع الأمني المضطرب والخروقات الأمنية والتجاوزات على حياة المواطنين وما لحقهم خلال أكثر من 15 عاماً من دمار وضحايا يعدون بالآلاف بين قتيل أو مصاب ومخطوف، ضحايا الانفجارات الإرهابية وجرائم الخطف والاغتيال التي قامت بها قوى الإرهاب وميليشيات طائفية مسلحة، حتى السيد على السيستاني المرجع الشيعي الأعلى بعد أن طفح الكيل أعلنها بشكل صريح ودعا إلى حصر السلاح بيد الدولة وذكر مكتبه في بيان نشر على موقعه الالكتروني ونشرته إيلاف إن السيد علي السيستاني المرجع الشيعي الأعلى شدد ” على ضرورة حصر السلاح بيد الدولة ومواجهة عمليات الخطف والاغتيال وإعادة النازحين ” .
مع احترامنا للمرجع الشيعي الأعلى السيد علي السيستاني منذ البداية طالبنا بضرورة وضع السلاح وحصره بيد الدولة وحينها وما زلنا نقول: أن الدولة التي تحترم مواطنيها وان تُحْترم في المحافل الدولية عليها أن تسعى لإنهاء حالة الإرهاب والميليشيات الطائفية المسلحة المنفلتة والتابعة لأجندة خارجية، وفي تحذيراتنا اشرنا أن هذه الميليشيات ستكون وبالاَ ليس على الدولة فحسب بل على الشعب برمته ومكوناته الدينية والاثنية ومشكلة دائمة على السلم الأهلي والاجتماعي وهذا ما أشار له السيد على السيستاني ” الالتزام العملي من قبل الجميع ، مسؤولين ومواطنين ـ بمقتضيات السلم الأهلي والتماسك المجتمعي وعدم التفريق بين أبناء البلد الواحد ورعاية الأقليات الدينية والاثنية”. ولم نكن نتكلم في الغيب لان الصدامات المسلحة والتهديد باستخدام السلاح ووجود عصابات ومافيات الحق أضراراَ لا تحصى بمصالح الدولة وبالمواطنين الأبرياء وأشاركاظم العقابي رئيس هيئة المنافذ الحدودية “أن عصابات مسلحة تفرض اتاوات في الكثير من المنافذ وليس في البصرة فقط”. ثم آخرها وليس أخيرها، الصدام المسلح من أجل المصالح في حي الوحدة ببغداد الذي نشرته ( شفق نيوز ) وأكده محافظ بغداد فلاح الجزائري مشيراً للاشتباك المسلح عبارة عن صراع بين مسؤولين في حي الوحدة حول ” حماية شركة صينية عاملة في المنطقة ” وقال الجزائري إن ” الحادثة وقعت في حي الوحدة، وذهب ضحيتها اثنان من الأبرياء الكسبة ” هذه واحدة من العديد من المشاكل التي تنتج من خلافات بين اطراف مسلحة وسلاح خارج نطاق الدولة. فهل يتعظ المسؤولين في الحكومة وعلى رأسهم السيد رئيس الوزراء عادل عبد المهدي ورئيس الجمهورية العراقية برهم صالح وكذلك قادة القوى التي عايشت فترة الإرهاب المتنوع وما قامت به وتقوم الميليشيات الطائفية المسلحة ؟ وكيف يفسرون رؤيا السيد علي السيستاني بخصوص السلاح وفتوى الجهاد الكفائي الذي استغل تحت راية الحشد الشعبي الذي جمع أطراف وتنظيمات وميليشيات مسلحة البعض منها يتصرف خارج نطاق الدستور والدولة ويحتمي في الوقت نفسه بالدولة وخير برهان اغتيال الكاتب الروائي الوطني الدكتور علاء مشذوب الذي كان عائداً لمنزله فباغته احد الملثمين المعروفين في الانتماء والجهة وهو أمر معروف وأطلق عليه 13 رصاصة وهو الأعزل وأنهى حياته معتقداً ومن خلفه من القوى الطائفية الرجعية أنهم قضوا على أفكاره النيرة ومعتقداته الوطنية حتى زعيم فصيل أبى الفضل العباس المنضوي للحشد الشعبي أوس الخفاجي صرح في حديث تلفزيوني ” ابن عمي علاء مشذوب كتب مقالا ضد إيران، فجاء البعض وقتله حبا في إيران” كما هاجم الخميني المرشد الإيراني الأعلى الراحل ومؤسس الجمهورية الإيرانية، كما هاجم اللواء قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني رافضاً أي تدخل في شؤون العراق ومنها التدخلات الإيرانية، هذا التصريح وحسب الأخبار التي انتشرت تم اعتقال أوس الخفاجي من قبل قوة امن الحشد الشعبي محملة على سيارات سوداء بدون أرقام مع العلم أن فصيل أبو الفضل العباس احد تشكيلات الحشد الشعبي وقاتل في سوريا
أما فيما يخص فتوى الجهاد الكفائي الذي أطلقها المرجع السيد علي السيستاني فهي واضحة كل الوضوح فالفتوة في 13 حزيران عام 2014 للمرجع الشيعي الأعلى السيد علي السيستاني تعني التطوع في القوات المسلحة دفاعاَ عن الوطن وليس تجمعاَ لفصائل وميليشيات مسلحة مثلما حدث للحشد الشعبي الذي ضم ( 67 ) فصيلاَ، وليتصور المواطن أو حتى أي محايد، الكم غير القليل من التنظيمات المسلحة ومقراتها الحقيقية والوهمية ومؤخراَ أغلقت حوالي ( 4 ) مقرات وهمية حسب بيانات من امن الحشد الشعبي ولا نعرف ماذا تعنى ” بالوهمية”وأكد أياد الربيعي من كتائب الأمام علي في حديث لـ ” ناس ” اليوم، (9 شباط 2019) ” إن مديرية الحشد أغلقت ( 4 ) مقار، بينها مقران يدّعي أحداهما الانتماء إلى اللواء ” 40″ قال الناطق باسم الحركة ” تلقينا اتصالاً من أمن الحشد للاستفسار عن مقر في منطقة الكرادة يدّعي تبعيته لكتائب الإمام علي، وعند التدقيق تبيّن أنها جهة مجهولة وليس لها أي علاقة بالكتائب”
ماذا يجري في بغداد لا بل العراق كله؟! من يرشدنا إلى حقيقة ما يجري على ارض الواقع السياسي والجغرافي؟، وهذا الانفلات بالسلاح والمقرات وآلاف من المسلحين خارج نطاق قوانين الدولة والأعداد غير القليلة من التنظيمات والميليشيات الطائفية المسلحة؟!
ــــ قل لنا يا سيد رئيس الوزراء ويا أيتها الحكومة من يرشدنا؟ وما هي القضية ؟ وقد كانت في البداية كما نعرف فصائل شيعية شكلت الحشد الشعبي هي كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق وقوات الشهيد الصدر ومنظمة بدر، وكان حيدر العبادي رئيس الوزراء السابق قد صرح مؤخراَ مثلما ذكرنا ” أن المرجع الديني علي السيستاني لم يصدر فتوى بتشكيل الحشد الشعبي، بل دعا إلى التطوع في صفوف القوات العراقية للدفاع عن الوطن من خطر الإرهاب”
في كل يوم يضع المواطن البريء يده على قلبه متوجساً من حرب بين الإخوة الأعداء تسحق الأخضر واليابس بدون تمييز، وإذا بقى السلاح بدون ضوابط وبعيداً عن أعين الدولة ومؤسساتها الأمنية فهذه هي الكارثة الأعظم ونتفق مع ما صرح به حيدر العبادي رئيس الوزراء السابق “إذا انفلتت الجماعات المسلحة ولم تنزع السلاح فان الوضع ينذر بمواجهات لا تحمد عقباها” لكننا في الوقت نفسه نسأله لقد كنت على راس السلطة التنفيذية وقائد عام للقوات المسلحة لأربع سنوات ولم تحرك ساكناً بل العكس اقر البرلمان بقانونية الحشد الشعبي على أساس يكون ضمن القوات المسلحة بعدما وضعتم تشكيله بعاتق السيد السيستاني وأصبح مقدساً!! واليوم تأتي لتقول لنا أن: علي السيستاني لم يصدر فتوى بتشكيل الحشد الشعبي…الخ” وتطالب الحشد الشعبي “ضرورة التزام الحشد الشعبي بمبدأ انه مؤسسة تابعة للقوات المسلحة العراقية” وليس خارجها أو فوقها” فمن هو الذي سيسمع كلامك وأكثرية القوى المتنفذة بما فيها حزب الدعوة تهيمن على السلطة ولها مصلحة حقيقية في بقاء الوضع على هذه الحالة المزرية، وهناك قوى خارجية تتدخل بدون أن تكترث ولديها مصلحة في الاضطراب الأمني وعدم الاستقرار وان يبقى السلاح منتشراً بدون رقابة أو محاسبة ينتظر الأوامر ومن يحمله بالانطلاق حتى لو كانت الانطلاقة تصل للحرب الأهلية الطائفية أو غير الطائفية ! ثم يبدأ التقسيم ليدفع الشعب العراقي ضريبته لأنهم يعتقدون إن المآسي التي ألمت بالشعب وبالوطن لم تكن كافية . السلاح المنتشر بهذا الإفراط هو جريمة القوى صاحبة القرار وهي التي شجعته والبعض منها قام بتزويد البعض من الميليشيات به وبعض القوى الخارجية أرسلته بدون حساب ولا كتاب والهدف معروف.
لا بد من كلمة أخيرة لعلها تُسمع..
ـــــ ما زال في الوقت إمكانية لإنقاذ العراق وحسم قضية السلاح والتنظيمات المسلحة التي خارج نطاق القوات المسلحة، وان تحسم قضية الحشد الشعبي بضمه إلى القوات المسلحة وان يأتمر بأمر الدولة والحكومة والقائد العام للقوات المسلحة وهذا هو الطريق والا سيدفع الثمن الجميع بدون استثناء والرابح الوحيد الإرهاب والميليشيات والقوى الخارجية المتربصة!