الإثنين, نوفمبر 25, 2024
Homeمقالاتعصام الياسري:ماذا يختبىء وراء الأكمة في مؤتمرات حول الشأن العراقي في الخارج

عصام الياسري:ماذا يختبىء وراء الأكمة في مؤتمرات حول الشأن العراقي في الخارج

بلا شك نحن أمام موضوعة عراقية معقدة يشوبها الكثير من المخاطر، إذ ثمة حقيقة نواجهها، ليس هناك قيادة “حكومة” أتت منذ 2003، قادرة تجنيب البلاد من الإنزلاق نحو الاسوء. وإن اللاعب الاقوى في المعادلة العراقية، قوى داخلية وخارجية متنفذة تمتلك الكثير من الوسائل والإرادات ولا تريد الخير للعراق وشعبه. وبالتأكيد أن ما نشاهده من لقاءات يطلق عليها “مؤتمرات” تعقد هنا وهناك تحت شعارات ومسميات كثيرة لها أهداف وغايات ليس بالضرورة لا تلامس أو تتصدى للمأساة العراقية وتحمل وجدانيات وطنية تبحث عن حلول بكل إخلاص وجدية.

تابعت على مدى الاسابيع الأخيرة المنصرمة ولغاية 27 كانون الثاني 2019، الضجة المتواصلة على مواقع التواصل الاجتماعي حول ما سمي بالمؤتمر الشعبي الأول من أجل عراق موحد، والذي يحمل شعار “العراق مكّون واحد”. وكان كل من راقب السجالات التي سبقت إنعقاد هذا اللقاء والمتعلقة بشخوصه وأدواته، تمنى أن يكون هذا المؤتمر؟. فصلاً إستثنائياً في ظرف استبيحت فيه القيّم وطأطأ الظلم قامة مجتمع بكامله وأستأثر الدخلاء بالسلطة. وحيثما إننا نقترب من الذكرى السادسة والستون على انقلاب حزب البعث الفاشي في 1963 وحلول الذكرى المشؤومة السادسة عشر على غزو العراق واحتلاله. والجدير بالذكر أن كلا الحدثين خططت لهما دوائر أجنبية استعمارية، ولم يجني منهما المجتمع العراقي سوى الموت والدمار.

في ديباجة الدعوة التي وصلتني جاء: تتشرف الهيئة التحضيرية لمؤتمر برلين بدعوتكم لحضور مؤتمرها الأول تحت شعار “العراق مكّون واحد” لتبادل الآراء والمقترحات حول تحسين الوضع الراهن في العراق ومناقشة الآفاق المستقبلية فيه. نتطلع لمشاركتكم الفاعلة في المؤتمر.. لكن ومن وجهة نظري ومفهوم علم السياسة، لا يمكن تعريف المؤتمر بأكثر من “لقاء عام” متواضع، لغياب المهنية السياسية واللجوء الى ردود فعل إرتجالية قائمة على الفعل ورد الفعل في المسائل البالغة الحساسية. ناهيك عن إفتقاره العديد من المقومات الفكرية والإدارية وخلوه من الرموز والعناصر الفاعلة المعروفة في الأوساط السياسية التي تستطيع حقاً الكشف عن هدف اللقاء وخطابه السياسي كمشروع بشكل واضح وصريح. وكان القائمون على إدارة المؤتمر ومنسقه العام الاستاذ مصطفى الصافي قد روج في مواقع التواصل قبل أسابيع، بأن اكاديميين من أصحاب الإختصاص يحضرون ليقدموا الدراسات العلمية والتقارير والوثائق المتعلقة بالشأن العراقي في مجالات هامة عدة ووضع الحلول لها، لكننا تفاجئنا بمشاركة الاستاذ ليث يوسف فقط .

لم تأت مطالعات رئيس “المؤتمر” الاستاذ مصطفى الصافي والاستاذ ليث يوسف، الرنانة، على بساطتها وإحتوائها الكثير من المغالطات والتناقضات، بشيء جديد. غير تكرار من أنه لا يملك مشروعاً بعينه، إنما أفكارأً أساسية سبعة، يعتبرها مدخلاً هاما لضمان إنقاذ البلد والبدء في عملية التغيير السياسي في العراق: أولا تقييم ودراسة الانتفاضة الشعبية القائمة حاليا في العراق. ثانيأ التدخلات الخارجية والسافرة في العراق وانتهاك سيادته بشكل ملفت للنظر. ثالثاً تهجير متعمد وممنهج للكثير من الاقليات العراقية ومن قبل بعض المكونات والاحزاب. رابعاً الدعوة لدولة مدنية علمانية تعزل الدين عن الدولة بالكامل. خامسأ فتح علاقات متوازنة مع دول العالم المختلفة وايجاد ارضيات مشتركة. سادساً دعوة المجتمع الدولي الحر على مستوى الحكومات والشعوب للوقوف مع ابناء الشعب العراقي للخروج من محنته هذه وانهاء دور الاحزاب الفاسدة الحالية ومحاكمتها. وسابعاً وهو المهم مطالبة اشراف الامم المتحدة ومجلس الامن للمساهمة باستقرار العراق وتامين حمايته بالتعاون مع ابناء الشعب العراقي الذي سيكون لهم مشروعا عراقيا قويا ينبثق من خلال (مؤتمر برلين) ويختتم بالقول، وهو بوابة لعقد مؤتمرات كثيرة بنفس المنهج والنقاط اعلاه حتى يتبلور مشروعا عراقيا خالصا يساهم جميع العراقيين ببنائه واعداده دون مؤثرات خارجية نعم لابأس الاستفادة من تجارب الاخرين لمصلحة شعبنا العراقي.. ( يمكن مراجعة هذه الأفكار وتفاصيلها على صفحات التواصل) ولا لي أي تعليق عليها او مناقشتها!!.

وإذا كانت هذه الأفكار هي مشروع الصافي وحسب، فلماذا كلف نفسه كل هذا الجهد وحمل الآخرين أعباء السفر والتكاليف المادية والجسدية والنفسية. وكان بإمكانه الترويج لأفكاره عبر وسائل التواصل وجزاه الله خيراً !!. وليسمح لي الاستاذ الصافي أن أقتبس هنا رأياً أخر له، مناقضاً لما ردده بأن لا مشروع لديه: [علينا جميعا النهوض كما ويحق للجميع اعادة صياغة الافكار وتنقيحها وارسالها لنا وطرحها بشكل علني ومباشر والهدف هو الوصول لمشروع عراقي حقيقي] …. أتساءل كيف لنا أن نستوعب توجه كهذا يشوبه الكثير من الغموض والشكوك، ونقتع بأن القائمين على “المؤتمر” ليس لديهم أي مشروع سياسي ؟. أنه أمر في غاية الغرابة!!..

الأمر الغريب الآخر، ماذا يريد الصافي إيصاله عندما يؤكد: بأن لدى الآمريكان رغبة جادة بالتفاوض وتحمل المسؤولية بإتجاه التغيير وانهم يبحثون عن البديل وألافكار والمقترحات. وعليه يناشد الحاضرين لأن يتحركوا للكتابة له عن آرائهم كما اشرنا سلفاً..ومما لا حاجة لتوضيحه، لا أستغرب قول الاستاذ ليث يوسف وهو بصدد الدفاع عن رأي الاستاذ الصافي المتعلق بتفسيرالمصالح: من أننا نريد الامريكان وبحاجة للتعامل معهم، وأنه لا يجد غضاضة من التعامل مع جميع الدول بما في ذلك إسرائيل. فما هو الهدف من هكذا تنويه وفي هذا الوقت؟. ألا هو تمهيد لشيء ما !!.

تقدمت بجملة تساؤلات للمؤتمر مشيراً بأن هناك في الآونة الأخيرة توجه لبعض القوى الوطنية العراقية يستهدف توحيد الجهود وإحداث تغيير سياسي جذري في نظام الحكم، ربما يمكن الاستفادة من ذلك بدل تبذير الطاقات والجهود. وتساءلت عن مدى نجاح هذا الحراك مستقبلا، وهل يعتقدون بأنه سيجد استجابة.. وما هي الضمانات؟. قلت أيضاً، أنني لا اتصور إن التنسيق مع قوى خارجية لتبني مشروعاً بديلاً، تسنده وتموله ومن ثم تستثمر أتباعه لحاجتها كما فعلت مع رموز النظام الحالي، سيعود بالفائدة!.. وسألت عما إذا هناك قوى وشخصيات داخل العراق داعمة لهم.. وما هي صحة ما يشاع عن دخول البعثيين على الخط؟.

لم أكن أتصور بأن الرد على هذه التساؤلات سيكون الى هذه الدرجة من السذاجة وعدم النضج السياسي. وكان يفترض أن يكون منفصلاً عن المناظرات الشخصية، وينتهج الموضوعية والمنطق لحل الخلاف في وجهات النظر بعيداً عن التفسير والتأويل. في ظل غياب تام للإدارة المنضبطة وتناوب الرئاسة على مقاطعة المتحدثين في أكثر من موقع دون إكمال فكرتهم. مما أدى الى الفوضى وإنهاء أعمال “المؤتمر” وفضه من قبل الصافي بشكل عشوائي دون الخروج بأي نتائج. وإكتفى بالقول: لقد فوضنا ” أي مصطفى الصافي و ليث يوسف” المجتمعون، لقيادة العمل ومتابعة تشكيل اللجان والتواصل مع الهيئات والمنظمات العالمية وغيرها؟.. ولا أعرف من فوضهم، اذ لم يبقى في القاعة سوى بضعة أشخاص لا يتجاوز عددهم العشرين، علما من أن معدل الحاضرين كان بحدود الستين.

في تسعينات القرن الماضي كتبت مقالاً تحت عنوان “زورق المعارضة العراقية الى أين” تطرقت فيه ضمناً، بأن أمريكا خصصت مبالغ طائلة للمعارضة العراقية لتستعين بها لاسقاط صدام، وكتبت أيضاً ان جميع أطراف ما تسمى بالمعارضة أخذت حصصها بإستثناء الحزب الشيوعي، الذي أبى ذلك وإبتعد عن المشاركة مع الوفود لزيارة الولايات المتحدة للتفاوض معها، وبات ذلك آنذاك معروفاً.. انكر الجميع، وعاتبني البعض الآخر، على الرغم من أن الأمريكان ووسائل الإعلام العالمية قد نشرت اسماء القوى والشخصيات المستفيدة. أكدت تلك الأطراف صحة ذلك بعد سنوات دون اي تبرير او إعتذار.. ما أود قوله، أن المعارضة تلك آنذاك لم يكن في وارد ذهنها أن تستعمل الأموال لهدف وطني حقاً، إنما هدفها كان مصالحها وملء الجيوب ولا تزال كذلك، نقضت العهود لأجل الاستحواذ على السلطة.. أن الإتكال على الخارج تحت أي ذريعة، لا يكفي التلويح والتبرير، إنما يجب الإعلان عن ما يختبىء وراء الاكمة بكل أمانة. وإلا سيكون اي توجه لها عرضة للشكوك والاتهامات، وسيمس بشكل مباشر الشأن الوطني والمصلحة الوطنية العامة بالصميم.

إتخذ الاستاذ الصافي من حديثي وما سبقه من تساؤلات ومداخلات وآراء موضوعية بهذه الصراحة، ومن ضمنه التعريف بشخصي كما هو متعارف عليه، لاقطع دابر اي سوء فهم حول موضوع حضوري هذا اللقاء الذي دارت حوله الكثير من الشكوك والسجالات. حيث أعلنت عن إنتمائي السابق للحزب الشيوعي، قائلاً بأنني أتشرف بذلك.. أقول إتخذ منها ذريعة لاتهامي بتخريب المؤتمر، وسبباً لعدم جلوسه معي كوني شيوعياً!!. لا أريد مناقشة الرجل على خطيئته، لأنه يدرك تماماً بأن مؤتمره فضفاض لا هوية له ولا تعريف، ويعلم أنه إرتكب خلال جلسة يوم واحد أخطاءً ومغالطات وتناقضات لم يستطع تلافيها، وأدت إلى إفشال مؤتمره بنفسه دون أن يعترف..خاتمة أتساءل: هل يستطيع الرجل تحقيق مشروع سياسي وهو لا يستطيع إدارة “إجتماع بسيط” ولا يملك سعة صدر وسماحة نفس؟. لا أتخيّل ذلك!!.

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular