أولاً: حرب الناقلات، وتأثيرها على إمدادات النفط:
عمل الطرفان المتحاربان العراق وإيران على منع كل طرف للطرف الآخر من تصدير نفطه، بالنظر إلى اعتماد كلا البلدين على واردات النفط لتمويل الحرب ولكون اقتصاد البلدين يعتمد اعتماداً كلياً على تلك الواردات، ولذلك وجدنا قوات البلدين تقوم بقصف المنشآت النفطية لكل منهما، واستمر القصف طيلة أمد الحرب.
كما قامت القوات الإيرانية بلغم رأس الخليج لمنع الناقلات من الوصول إلى ميناء البكر النفطي، مما اضطر العراق كما أسلفنا، إلى مد أنابيب لنقل النفط عبر الأراضي التركية والسعودية، فيما كانت سوريا قد أوقفت مرور النفط العراقي في الخط المار عبر أراضيها إلى ميناء بانياس، وميناء طرابلس اللبناني، منذُ نشوب الحرب.
كما قامت الكويت ببيع النفط لحساب العراق، ونقله على ناقلاتها، مما دفع إيران إلى مهاجمة الناقلات الخليجية، حيث أصيب أكثر من 160 ناقلة منها 48 ناقلة كويتية، واضطر حكام الكويت إلى شراء الحماية لناقلاتها من الولايات المتحدة وقامت برفع العلم الأمريكي عليها لمنع إيران من مهاجمتها، كما قامت حكومة الكويت بتأجير 11 ناقلة سوفيتية لضمان عدم الاعتداء عليها، وحاولت شراء الحماية من الصين كذلك، لكن الولايات المتحدة عارضت ذلك خوفاً على مصالحها في الخليج.
أما حكام العراق فقد سعوا أيضاً إلى منع إيران من تصدير نفطها، وقامت طائرات من طراز [سوخوي 23]، وطائرات من طراز [ميراج] الفرنسية التي استأجرها العراق ، والمحملة بصواريخ [أكزوزسيت] والتي استطاع بواسطتها من الوصول إلى ابعد نقطة في الخليج لملاحقة الناقلات التي تنقل النفط الإيراني، وتدمير المرافئ التي تستخدمها إيران لتصدير النفط.
وهكذا اشتعلت حرب الناقلات بين البلدين المتحاربين، وأصبحت عملية نقل النفط خطيرة وصعبة، ورفعت شركات التأمين رسومها على الناقلات إلى مستوى عالٍ جداً مما سبب في رفع أسعار النفط في الأسواق العالمية.
وفي تلك الأيام قامت طائرة عراقية بضرب طراد أمريكي، في 18 أيار 1987، حيث اعتقد الطيار أنه طراد إيراني، وأدى قصفه إلى مقتل 28 فرداً من القوات الأمريكية، واعترفت الحكومة العراقية بقصف الطراد وقدمت اعتذاراً للحكومة الأمريكية، وتم دفع تعويضات لأسر العسكريين القتلى بمقدار 800 ألف دولار لكل قتيل، ولم يصدر أي رد فعل أمريكي ضد العراق فقد كانت العلاقات بينهما على خير ما يرام!!.
استمرت حرب الناقلات، بل وتصاعدت في السنوات الأخيرة من الحرب وأصبحت تمثل خطراً حقيقياً على تدفق النفط الذي من أجله أٌشعلت نيران الحرب وأصبح الخليج مملوء بالألغام، وأصبح استمرار الحرب يعطي نتائج عكسية، مما دفع الولايات المتحدة وحلفائها إلى التحرك لإنهائها بعد تلك السنين الطويلة من الدماء والدموع، والخراب والدمار الذي عم البلدين، وكان إنهاءها يتطلب دعماً كبيراً للعراق لأخذ المبادرة، وقلب موازين القوى لصالح العراق، وطرد القوات الإيرانية من الأراضي العراقية، وتوجيه الضربات الموجعة لإيران لتركيعها وإجبارها على القبول بوقف الحرب .
وقد جرى ذلك الدعم بمختلف السبل، من تقديم المعلومات العسكرية إلى تقديم شتى أنواع الأسلحة، وتقديم الخبرات، ومشاركة ضباط مصريين كبار، بالإضافة إلى القوات المصرية، والأردنية، واليمانية، وغيرها من السبل والوسائل، وبدأ العراق يعد العدة لشن الهجوم تلو الهجوم لطرد القوات الإيرانية من أراضيه.
ثانياً:المعارك التي خاضها العراق في العام الأخير للحرب:
1ـ معركة تحرير الفاو:
في عام 1988، العام الأخير للحرب، تحول ميزان القوى مرة أخرى لصالح العراق، وبدأ النظام العراقي يعد العدة لتحرير أراضيه من الاحتلال الإيراني وكان في مقدمة أهدافه تحرير الفاو، التي مضى على احتلالها 21 شهراً، فقد حشد النظام العراقي قوات كبيرة من الحرس الجمهوري، ومعدات لا حصر لها، كان من بينها 2000 مدفع، ومئات الدبابات والمدرعات، وبدأ الهجوم يوم 17 نيسان 988 واستطاعت القوات العراقية تحقيق انتصار ساحق على القوات الإيرانية بعد أن حولت المنطقة إلى كتلة من لهيب، ودفع العراق حياة خمسين الفاً من أبنائه ثمناً لتحرير الفاو !!.
2 ـ تحرير المناطق المحيطة بمدينة البصرة:
كان الهدف الثاني للنظام العراقي هو تحرير المناطق المحيطة بمدينة البصرة وإبعاد القوات الإيرانية عن المدينة التي كانت طيلة الحرب هدفاً لقصف المدفعية الإيرانية، والهجمات المتتالية عليها بغية احتلالها، ولذلك فقد ركز النظام العراقي جهد قواته إلى تلك المنطقة، وخاض مع القوات الإيرانية معارك شرسة دامت ثلاثة أسابيع، وتمكنت القوات العراقية بعدها من تحرير كافة المناطق المحيطة بالبصرة، بعد أن قدم التضحيات الجسام.
3 ـ تحرير جزر مجنون:
بعد أن فرغت القوات العراقية من تحرير الفاو، كان أمامها الهدف الثالث، الذي لا يقل أهمية عن الهدفين الأولين، جزر مجنون، التي تعتبر من أغنى المناطق التي تحتوي على احتياطات نفطية هائلة، وقد تمكنت القوات العراقية بعد معارك عنيفة من تحريرها من أيدي الإيرانيين، وإلحاق الهزيمة بالجيش الإيراني.
4 ـ تحرير المناطق الحدودية الممتدة من البصرة إلى مندلي:
انتقلت القوات العراقية بعد تحرير جزر مجنون إلى ملاحقة القوات الإيرانية التي كانت قد احتلت فيما مضى مناطق على طول الحدود الممتدة بين البصرة في الجنوب ومندلي في القاطع الأوسط، واستمرت في توجيه الضربات للقوات الإيرانية التي أخذت معنوياتها تتراجع يوماً بعد يوم، واستطاعت القوات العراقية طردها من تلك المناطق، ودفعها إلى داخل الحدود الإيرانية.
5 ـ اختراق الحدود الإيرانية من جديد:
لم تكتفِ القوات العراقية من إزاحة القوات الإيرانية من الأراضي العراقية، وإنما طورت هجماتها، وأخذت تلاحق القوات الإيرانية إلى داخل الحدود، واستمر تقدم القوات العراقية في العمق الإيراني إلى مسافة 60 كم، مما جعل القوات الإيرانية في موقف صعب للغاية، وتنفس النظام الصدامي الصعداء، واستمر في ضغطه على القوات الإيرانية لإجبارها على القبول بوقف الحرب التي عجزت كل الوساطات عن إقناع حكام إيران بوقفها.
ثالثاً:النظام العراقي يهاجم مدينة حلبجة بالأسلحة الكيماوية:
في ليلة 13 آذار 1988، بادرت القوات الإيرانية بالهجوم على مدينة حلبجة الواقعة في القسم الشمالي الشرقي من كردستان، في سهل شهر زور، بمساعدة قوات البيشمركة العائدة للحزب الديمقراطي الكردستاني، وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني، وكان النظام الإيراني يرمي من هجومه على المدينة التعويض عن هزائمه أمام القوات العراقية في القاطعين الجنوبي والأوسط، ولرفع معنويات جنوده المنهارة بعد تلك الهزائم.
بدأت القوات المهاجمة بقصف المدينة بالمدفعية لمدة ثلاثة أيام، ثم أعقبتها بالهجوم البري الذي دام يومين، حيث استطاع الإيرانيون من احتلال المدينة في 15 آذار، وتقهقرت القوات العراقية التي كانت متواجدة هناك تاركة أسلحتها ومعداتها في ارض المعركة، وبدأ الإيرانيون يتحدثون عِبر وسائل إعلامهم عن انتصارات حققوها في منطقة حلبجة، وبدأ المصورون يصورون القوات الإيرانية وهي تحتل المدينة.
أدرك الأهالي أن الأخطار تحدق بهم، وأن النظام الصدامي سوف لن يدع القوات الإيرانية تحتل المدينة، وكان أكثر ما يقلقهم هو إمكانية تعرضهم للضرب بالأسلحة الكيماوية، ولذلك فقد حاولوا مغادرة المدينة وإخلائها، لكن الإيرانيين منعوهم من ذلك. لكن القوات الإيرانية لم تمكث في المدينة، وبدأت تنسحب منها تاركة الأهالي، وقوات البيشمركة فيها، فقد توقعوا أن يشن النظام الصدامي الهجوم عليها بالأسلحة الكيماوية.
وفي صباح يوم 16 آذار حلقت 8 طائرات حربية عراقية فوق المدينة، وبدأت بالقصف العشوائي مركزة على منطقتي [السراي] و[كاني قولكه].
وبعد الظهر جاءت موجة أخرى من الطائرات لتقصف المدينة بكل أحيائها وكانت تستهدف كسر زجاج النوافذ للدور تمهيداً لقصفها بالسلاح الكيماوي، لكي تنفذ الغازات السامة في كل مكان، ولكي تقتل أكبر عدد من المواطنين.
وفي الساعة الثالثة والربع من عصر ذلك اليوم جاءت موجة أخرى من الطائرات لتقصف المدينة بالسلاح الكيماوي، مركزة القصف على أحياء [بير محمد] و[جوله كان] و[كاني قولكه] [والسراي]، ثم تلتها موجة أخرى من الطائرات بعد ساعة لتقصف المدينة من جديد مركزة القصف على كل أنحاء المدينة.
وتحدث أحد الناجين من تلك المجزرة البشرية التي ذهب ضحيتها أكثر من 5000 مواطن كردي أغلبهم من النساء والأطفال والشيوخ، فقال:
{في البداية سمعنا صوت انفجارات مدوية تلاها بعد خمس دقائق انتشار ما يشبه الضباب الذي راح يقترب من الأرض شيئاً فشيئاً، وبدأت العيون تدمع وشعرنا بحرقة شديدة، وكانت الرائحة أشبه برائحة البارود، وتسرب الدخان الأبيض إلى كل المنازل، والمخابئ، وبدأ الناس يشعرون بالاختناق، وتدافعت جموعهم للخروج نحو الخارج لتشم الهواء، وكان الناس يصرخون كالمجانين، ويضعون أيديهم على عيونهم، وأنوفهم، ثم يسقطون على الأرض ويأتون بحركات متشنجة ويتقيئون، ويبصقون دماً، وأصيبت عيونهم بالعمى، وكانت أنوفهم وأفواههم تنزف دماً، وقد ازرقت بشرتهم، ثم بدأوا يفارقون الحياة، وكنت أرى الجثث في الشوارع والطرقات وفي كل مكان، وكان البعض منهم لا يزال ينازع الحياة، وقد شوهتهم الحروق، وبدت المدينة أشبه بمقبرة انتزعت الجثث فيها من قبورها، وتناثرت على الأرض، وقد استطاع البعض تصوير تلك المشاهد المرعبة التي تصف جرائم النظام الصدامي خير وصف}.
رابعاً:العراق يكثف حرب الصواريخ،ونهاية الحرب:
أخذ حكام العراق، بعد أن تسنى لهم دفع القوات الإيرانية إلى عمق أراضيهم يضغطون على حكام إيران من أجل القبول بوقف الحرب، وذلك عن طريق تكثيف حرب الصواريخ لإحداث حالة من الانهيار النفسي لدى الشعب الإيراني، فقد كانت الصواريخ تنهال على طهران والمدن الإيرانية الأخرى بشكل متواصل محدثة خسائر جسيمة في الأرواح والممتلكات، وخلقت حالة من الهلع لدى الشعب الإيراني.
وفي ظل تلك الظروف صدر قرار مجلس الأمن رقم 579، والذي دعا إلى وقف القتال بين الطرفين وانسحاب القوات العسكرية إلى داخل حدودها الوطنية، ووجد حكام إيران أنهم قد أصبحوا عاجزين عن مواصلة الحرب، واضطر الزعيم الديني [آية الله الخميني] إلى إصدار أوامره بوقف الحرب في 18 تموز 1988، والقبول بقرار مجلس الأمن على مضض، حيث أعلن الخميني أنه يشعر وهو يصدر أمره بوقف الحرب، بأنه يشرب السم.
وهكذا توقفت الحرب بين العراق وإيران، بعد مجازر رهيبة استمرت طيلة ثمان سنوات، وذهب ضحيتها أكثر من مليون إنسان، من كلا البلدين، إضافة إلى آلاف المعوقين والأرامل واليتامى، وتدمير اقتصاد البلدين، وتخريب مرافقهما الاقتصادية، والأعظم من كل ذلك هو التأثير النفسي الذي تركته تلك الحرب المجرمة على أبناء الشعبين المغلوبين على أمرهما، والتي لم يجنيا منها سوى الدماء والدموع .
خامساً:النظام الصدامي يشن حملة الأنفال على الأكراد:
لم يكد النظام الصدامي ينتهي من معاركه الخمسة مع إيران، وتضع الحرب أوزارها، حتى التفت إلى منطقة كردستان، وقد امتلأ قلب صدام حسين حقداً على الأكراد فأصدر أوامره إلى قوات الحرس الجمهوري بقيادة المجرم العريق [علي حسن المجيد] الملقب [علي كيماوي] حيث ارتبط أسمه باستخدام السلاح الكيماوي ضد أبناء الشعب الكردي.
ففي 20 آب 1988، اليوم الذي جرى فيه إيقاف الحرب بين العراق وإيران اندفعت قطعان الفاشيين نحو كردستان مستخدمة في بداية هجومها السلاح الكيماوي في منطقة واسعة جاوزت 6000كم مربع أصابت معظم القرى الكردية في المنطقة الممتدة من كركوك وحتى أقصى حدود كردستان.
كما قامت الطائرات صباح يوم 26 آب ب24 غارة بالأسلحة الكيماوية على مدن وقرى عديدة في كردستان، منها بابير،وكه ركو، وبليت ، وباروك، وزيوه وزيريج، وبازيان، ودهوك، والشيخان، والعمادية، وكانت الطائرات تتعقب الهاربين من جحيم الحرب، كما شاركت الطائرات المروحية في مطاردتهم، وبلغ عدد الفارين نحو الحدود التركية أكثر من 90 ألفا، وكان قسم منهم مصاباً بحروق جراء تعرضهم للأسلحة الكيماوية.
أعقب الهجوم البربري بالأسلحة الكيماوية اجتياح الحرس الجمهوري لكردستان، حيث أكتسحت القوات الفاشية المنطقة مبتدئة بالقرى المحيطة بكركوك لتمسحها من الوجود، وتتركها أكواما من الحجارة، ولتفتك بأبناء الشعب الكردي بأسلوب رهيب لم تشهد له كردستان من قبل، حيث لم يسلم من بطش القوات الغازية حتى الأطفال، ولم تنجوا الجوامع والكنائس من همجية الفاشيين البعثيين.
لقد التُقِطتْ مكالمة هاتفية من علي حسن المجيد إلى قائد الفيلق الذي قاد الهجوم يقول له بالحرف الواحد: {لا تدع حتى الأطفال، لأنهم سيكبرون غداً ويحملون السلاح ضدنا}.
وهكذا أباد الفاشيون ما يناهز على 180 ألف مواطن كردي دفنتهم الجرافات العسكرية في قبور جماعية مجهولة، وبأسلوب وحشي يندى له جبين الإنسانية.
كما تم نقل أعداد كبيرة من الأكراد إلى المناطق الصحراوية في جنوب العراق بسيارات الحمل، إمعاناً بإذلالهم، ونُهبت ممتلكاتهم ومواشيهم.
ورغم كل الجرائم التي أقترفها نظام صدام باستخدامه السلاح الكيماوي، ليس ضد القوات الإيرانية فحسب، بل وضد الشعب الكردي كذلك فإن تلك الجرائم لم تحرك مجلس الأمن، ولا حكومات الدول الغربية التي تتشدق بحقوق الإنسان، وشجع موقفهم حاكم بغداد على الإيغال بجرائمه ضد الإنسانية.
وبإلحاح من حكومة إيران وشكواها بأن العراق قد استخدم السلاح الكيماوي المحرم دولياً، اضطرت الأمم المتحدة إلى إرسال بعثة خبراء إلى طهران في 26 شباط 1986 للتحقيق في الشكوى، وقد مكثت البعثة مدة أسبوع في طهران، ثم رفعت تقريرها الذي أكد على أن العراق قد استخدم الغاز السام في الحرب واضطر مجلس الأمن إلى أن يصدر قراراً يدين العراق لأول مرة !!!.
لكن ذلك القرار كان قد صيغ بشكل مائع ولم يؤدِ إلى إيقاف تلك الجرائم، بل استمر النظام العراقي في استخدامها حتى نهاية الحرب.
غير أن الغرب صحا فجأة، بعد عام 1989، بعد أن انتهت الحرب مع إيران، وبدأ يتحدث عن تسلح النظام العراقي بأسلحة الدمار الشامل، الكيماوية والبيولوجية والجرثومية والنووية، فلقد تغيرت الحال بعد الحرب!، وخرج العراق منها يمتلك جيشاً جراراً، واقتصاداً منهاراً، ولديه ترسانة ضخمة من الأسلحة تجعله خطراً داهماً على مصالحهم في الخليج!، ووجد الغرب أن من الضروري نزع أسلحة العراق ذات الدمار الشامل من أجل ضمان أمن واستقرار الخليج!، ووجد إن الوقت قد حان لنزع هذه الترسانة الخطيرة من الأسلحة الكيماوية والبيولوجية والجرثومية، والصواريخ البعيدة المدى، والقادرة على حمل تلك الأسلحة إلى مسافات شاسعة.
كان لابد وان يجد الغرب الوسيلة والمبرر لذلك، فكان توريط صدام بغزوه الكويت لاتخاذ تلك الجريمة مبرراً لتدمير القوة العسكرية والاقتصادية للعراق، وتدمير البنية الاجتماعية للشعب العراقي، نتيجة للحصار الظالم الذي تم فرضه على الشعب العراقي، دون صدام وزمرته المجرمة، والذي تسبب في تلك الكارثة المفجعة حيث الجوع والفقر والأمراض التي أزهقت أرواح 4 ملايين من أطفال العراق، ومحت الطبقة الوسطى، وحولتها إلى ما دون خط الفقر، وتسببت في هجرة الملايين من العراقيين نحو بلدان اللجوء الغربية، وفقد العراق خيرة كوادره العلمية في مختلف المجالات، والتي تعتبر ثروة عراقية كبرى لا تعوض.
لقد كانت الحرب العراقية ضد إيران بالوكالة عن الولايات المحتدة، هي العامل المباشر لغزو صدام للكويت، وحرب الخليج الثانية عام 1991، والانتفاضة التي تلتها مباشرة، ومن ثم حرب الخليج الثالثة التي قادها بوش الأبن لإسقاط نظام صدام، واحتلال العراق، وما سببه الاحتلال من الويلات والمصائب والمآسي التي أوصلت الشعب للحرب الأهلية ما بين عامي 2006 و 2007 ، وما زال الشعب العراقي حتى يومنا هذا يعاني اشد المعانات من فقدان الأمن، والتفجيرات المستمرة التي تحصد كل يوم بالعشرات بل المئات من المواطنين الأبرياء، إضافة للفقر والبطالة والأمراض التي عمت المجتمع العراقي جراء حروب صدام الكارثية .
إن خير من وصف ما تسببه الحروب في تدمير البنية الاجتماعية هو [ليون تلستوي] حيث يقول في كتابه المشهور [ الحرب والسلام ] :
{ إن سنة واحدة من الحروب تفسد المجتمع أكثر ما تفسده ملايين الجرائم لعشرات السنين}، ولنا بعد ذلك أن ندرك ما فعلته حروب صدام المجرمة منذ عام أن استولى حزب البعث على السلطة في انقلاب 17 تموز 1968 وحتى عام 2003 بالمجتمع العراقي الذي كان بالإمكان لو تهيأت لو حكومة رشيدة مسالمة، نظيفة اليد، وذات كفاءة عالية، ان يعيش اليوم حياة رغيدة، في ظل بلد يرقى إلى مصاف بلدان العالم المتطورة، حيث يمتلك العراق كل المقومات المادية والبشرية والكفاءات العلمية لبلوغ هذا الهدف الكبير.