تقدم العديد من المواقع الاخبارية الالكترونية الكردية في اقليم كردستان، في السنوات الأخيرة، عناوين مثيرة وخادعة تخالف احيانا بشكل كامل مضمون المادة الصحفية المنشورة بقصد جذب القارئ الكردي اليها وكسب عدد أكبر من القراء، وهو ما يعتبره صحفيون تضليلا إعلاميا.
وتلجأ العديد من المواقع الاخبارية الكردية، التي ظهرت مؤخرا، للعناوين الجاذبة والخادعة والترويجية لكسب الشهرة وتحقيق معدلات متابعة أكبر، خاصة على صفحاتها في مواقع التواصل الاجتماعي، ويحدث ذلك سواء على مستوى أشخاص يقدمون مواد اعلامية مضللة أو مؤسسات وقنوات إعلامية.
ورغم ان بعض المواقع والصفحات الاخبارية الكردية، تلقت الكثير من الانتقادات والشكاوى ضدها، انها ماتزال مستمرة في نشر عناوين مخادعة ومضللة ولم تغيّر هذا الأسلوب الذي يخالف قواعد العمل المهني واخلاقيات العمل الصحفي
وتعتمد هذه المواقع والصفحات على هكذا عناوين بالدرجة الاولى في الأخبار الاقتصادية والاجتماعية التي تهم او تلفت انتباه شرائح واسعة من الناس، كتلك التي تتعلق برواتب الموظفين في كردستان وكذلك فيما يخص الأخبار الفنية والحوادث الاجتماعية التي تقع بشكل يومي.
“عاجل: الكشف عن خطر كبير يهدد رواتب الموظفين“
“عاجل: في هذا الموعد، الموظفون سيستلمون ثلاثة رواتب“
“وباء ينتشر في اقليم كردستان“
“البيشمركة تنتشر في كركوك“
“الأمريكيون ينتشرون في عدة قواعد جديدة“
مثل هذه العناوين، تكاد تتكرر كل يوم في بعض المواقع الاخبارية الكردية وعلى صفحاتها في مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تحاول من خلالها كسب أكبر عدد من القراء، والحصول على أكبر عدد من النقرات، إلا أنها تقدم محتوى خبريا مخالفا للعنوان وتفاصيلا لا تتوافق بل احيانا تخالف مع العنوان المنشور.
وتتناسى تلك المواقع أن مثل هذه العناوين تفقدها المصداقية المهنية في العمل الإعلامي بعد فترة، وتساهم في نشر معلومات غير دقيقة بما تحمله من ضرر، وتضع القارئ الكردي في حالة نفسية مضطربة تسبب له الإرباك، وهو يعيش اساسا في قلق مع تأخر الرواتب وعدم معرفة مصير الموازنة ومستقبل العمل بنظام الإدخار فضلا عن المشاكل الاجتماعية الأخرى.
الفبركة والتضليل الاعلامي
يقول الصحفي الكردي سوران علي، ان “وضع العناوين المثيرة والمتناقضة والمخالفة لمضمون المواد الاخبارية في الصحافة الكردية والتي انتشرت في هذه الأيام، تمثل نوعاً بارزاً من الفبركة والتضليل الاعلامي الذي تمارسه بعض القنوات الاعلامية او يتبعه بعض الصحفيين“.
ويؤكد علي في حديث لـ”صباح كوردستان” انه “مهما كانت الأهداف التي تقف وراء هذا الاسلوب في العمل فانه يمثل اخلالا بمباديء واخلاقيات العمل الصحفي”، مبينا أن ما يدعو للقلق هو “معرفة القنوات والصحفيين أنفسهم بأن ما يقومون به هو مخالف لما تتطلبه مباديء وقواعد العملي الصحفي المهني الحيادي المتزن“.
ويرى صحفيون كرد ان عنوانا مثل “الآن: الكشف عن خبر مفرح يخص الرواتب” والذي يتكرر نشره كل يوم في العديد من المواقع الكردية، علاوة على كونه محاولة لاستقطاب عشرات آلاف القراء من الموظفين الذين يعيشون في اوضاع مالية صعبة، بعناوين غير موفقة، فانه لا يمكن بأي شكل اعتباره نوعا من الابداع الاعلامي أو لمسة جديدة من اللمسات الحديثة في الكتابة والوصول الى القارئ والتي ظهرت على يد العديد من الصحفيين المبدعين في الصحافة مع اختلاف التسميات والتوجهات.
ويلفت صحفيون محترفون، الى ان المضمون احيانا لا يتوافق مع العنوان، ويكون خاليا من اي مصدر رسمي او مصدر مُعرف لنقل المعلومة التي يتضمنها الخبر، بل يعتمد على تسريبات وترجيحات من مصادر مجهولة، او يكون مجرد تصريحات وآراء لشخصية برلمانية او سياسية غير مستندة على معلومات ومعطيات.
العزوف عن القراءة
وبحسب الصحفي سوران علي، فان “السبب الرئيس وراء لجوء بعض الأشخاص والمؤسسات الى هكذا اساليب يعود الى عزوف القراءة ومن طبقات المجتمع المختلفة عن قراءة ومتابعة تلك المواقع وتراجع الثقة بالأخبار المنشورة”، لافتا الى ان الصحفيين ووسائل الاعلام “تحاول جذب القراء الى مواضيعها عبر خداعهم وترغيبهم في المادة الصحفية حتى وان اضطروا للكذب عليهم“.
ويضيف علي: “المعروف ان الصحافة هي اداة لتقويم المجتمع وايصال المعلومات الدقيقة له والكشف عن الحقيقة الا ان مانراه اليوم في الصحافة الكردية ولاسيما الالكترونية هو عكس ذلك تماماً”، مبيناً انه “من جهة هي لا تساهم في تصحيح المعلومات وتقويم المفاهيم المغلوطة لدى المجتمع بل تحاول ترسيخ مفاهيم أخرى خاطئة، ومن جهة أخرى يفتقر هذا النوع من الصحافة الى المصداقية عند المتلقي فان انطلت بعض اخبارها المضللة على بعض القراء وتمكنت القناة الاعلامية من تحقيق بعض المكاسب المعنوية فانها لن تدوم وستكلف في المستقبل الوسيلة الصحفية ثقتها ومصداقيتها لدى القراء والمتابعين“.
“عاجل: وقوع حادث خطير باحدى مناطق كردستان“
هذا العنوان وغيره الكثير من العناوين المشابهة تتكرر ايضا في بعض المواقع الكردية وبشكل يومي، فالعنوان مضلل وغير واضح ولا يقدم معلومة دقيقة لا عن طبيعة الحادث واضراره، ولا عن المنطقة التي وقع فيها. وعند النقر على الخبر، يتبين انه حادث مروري وقع في أحد الطرق الرئيسية باربيل، أو حريق نشب في أحد المنازل في السليمانية.
وترى المراسلة الصحفية سارة كمال، ان “بعض المواقع تحاول ان تحقق جماهيرية أكبر من خلال هذه العناوين دون أن تأخذ بالحسبان الضرر الذي يقع على نفسية القارئ الكردي، ولا على مهنية العمل الصحفي“.
وتضيف كمال في حديث لـ”صباح كوردستان”، ان “هذه الاخبار تستخدم بالدرجة الأولى في المواضيع المتعلقة بالرواتب وكذلك في الحوادث الاجتماعية والاخبار المتعلقة بالصحة وفي الاخبار المتعلقة بالأنواء الجوية وغيرها من القضايا التي تتعلق بالحياة اليومية للفرد الكردي“.
ونظمت العديد من منظمات المجتمع المدني والمؤسسات والمراكز المعنية بتطوير الصحافة، العديد من الورش والمؤتمرات حول الانعكاسات السلبية للأخبار والعناوين المفبركة والتي تتعمد من اجل كسب جمهور اكبر، تضليل القارئ من خلال أخبارها ومنشوراتها اليومية لاسيما على مواقع التواصل الاجتماعي.
ويؤكد العديد من المراقبين والمختصين بالشأن الصحفي، ان استمرار هذا النوع من الكتابة غير المهنية واللجوء الى عناوين مفبركة وخلق مضامين خبرية ملفقة، سيزيد من نسبة الإضطراب النفسي لدى القارئ الكردي ويؤدي الى مزيد من تراجع ثقته بمحتوى المواقع الخبرية الكردية، وسيعمل على تشويه الصورة الحقيقية لمهنة الصحافة.