في حدود منتصف القرن الرابع عشر، عاشت البشرية على وقع واحدة من أتعس فتراتها حيث كان الإنسان على موعد مع أسوأ موجة وباء على مر تاريخه.
وما بين عامي 1347 و1351، بلغ هذا الوباء، والذي عرف بالطاعون الأسود (Black Plague) والموت الأسود (Black Death)، القارة الأوروبية ليتسبب في سقوط المزيد من الضحايا.
وعلى حسب التقديرات المعاصرة، أدت موجة وباء الطاعون الأسود إلى وفاة ما لا يقل عن 50 مليون أوروبي، أي ما يعادل ثلث سكان القارة الأوروبية حينها، بينما تراوح عدد الضحايا على الصعيد العالمي بين 150 و220 مليون شخص أثناء فترة قدّر خلالها عدد سكان العالم بنحو 500 مليون نسمة.
وفي الأثناء، حلّ وباء الطاعون الأسود بأنجلترا في حدود شهر حزيران/يونيو سنة 1348. فعلى حسب أغلب المؤرخين، ظهرت أول إصابة بهذا المرض بمنطقة ملكومب ريجيس (Melcombe Regis) الواقعة ببلدة وايمث (Weymouth) بمحافظة دورست (Dorset) بالجنوب الغربي لأنجلترا حيث حلت إحدى السفن بهذه المنطقة وكان على متنها بحار مصاب بالمرض. فضلا عن ذلك، لعبت الفئران، والتي كانت منتشرة حينها، دورا هاما في نشر الوباء نحو مختلف أرجاء أنجلترا.
وبحلول خريف سنة 1348، بلغ الطاعون الأسود مدينة لندن ليتسبب خلال فترة وجيزة في وفاة ما لا يقل عن ثلث سكانها.
وبناء على عدد من مؤرخي تلك الفترة، كانت الوفيات يومية بلندن وبلغت أرقاما قياسية خلال شهر شباط/فبراير سنة 1349 حيث فارق حينها ما لا يقل عن 200 شخص من أهالي لندن الحياة بشكل يومي وهو ما أدى لانتشار الجثث في الشوارع.
وفي الأثناء، تزامن تفشي وباء الطاعون الأسود بإنجلترا مع ظهور موجة أنفلونزا وانتشار المجاعة وبسبب ذلك ارتفعت أعداد الوفيات بشكل سريع فعلى حسب إحصائيات حديثة فارق ما لا يقل عن ثلث سكان أنجلترا الحياة بسبب الطاعون الأسود.
بشمال أنجلترا، عاشت العديد من المدن، مثل دورهام (Durham)، على وقع حالة من الفوضى. فإضافة للطاعون الأسود والذي تسبب في سقوط أعداد كبيرة من القتلى، تخوّف الجميع من غزو عسكري اسكتلندي محتمل خلال هذا الظرف الصعب الذي تمر به البلاد.
وتزامنا مع ذلك، اتجه الإسكتلنديون لاتخاذ واحدا من أسوأ قراراتهم التاريخية. فمع سماعهم لخبر انتشار الطاعون الأسود بالمدن الإنجليزية وارتفاع عدد الوفيات، آمن الإسكتلنديون أن أنجلترا تتعرض لعقاب إلهي فما كان منهم إلا أن نظموا حملة عسكرية ضدّها للرد على الإهانات التي تعرضوا إليها على يد الإنجليز طيلة السنوات الماضية خاصة خلال معركة صليب نيفيل (Neville’s Cross) سنة 1346 والتي انتهت بوقوع ملك أسكتلندا ديفيد الثاني (David II) في الأسر.
وتنفيذا للخطة العسكرية، تجمّعت القوات الاسكتلندية عند غابات سيلكيرك (Selkirk) قرب الحدود الإنجليزية في انتظار إشارة بداية عملية الغزو. وفي غضون ذلك، سجّل الطاعون الأسود انتشاره بين هؤلاء الجنود الاسكتلنديين المتجمعين بالمنطقة متسببا في وفاة نحو 5000 فرد منهم خلال فترة وجيزة. وبسبب ذلك، أجبرت اسكتلندا على التخلي عن عملية غزو أنجلترا لتسمح بذلك لقواتها بالعودة أدراجها نحو المدن.
وخلال تراجعهم نحو المدن خريف سنة 1349، نقل الجنود الاسكتلنديون وباء الطاعون الأسود معهم والذي سرعان ما انتشر في كامل أرجاء اسكتلندا خلال ربيع سنة 1350 متسببا في مقتل ما لا يقل عن ربع سكانها.