تجري حاليا وزارة العدل الأميركية تحقيقات حول شركة مقاولات عسكرية، تدعى شركة “ساليبورت Sallyport Global Services” للخدمات العالمية، لمعرفة ما إذا كانت قد لعبت دوراً في مزاعم تقديم الرشوة إلى مسؤولين عراقيين مقابل الفوز بعقود حصرية تكلفت مليارات الدولارات من أموال دافعي الضرائب الأميركيين، وإن كان من غير المحتمل أن يتوصل المحققون الفيدراليون إلى كشف مدى عمق فساد المشتبه بهم، بحسب موقع صحيفة “The Daily Beast”.
نوري المالكي وأسرته
وبحسب التقرير، يرتبط أشخاص نافذون، بمن فيهم رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي بشركة كويتية تدعى “آفاق Afaq”، والتي يُزعم أنها اشترت من الباطن عدداً كبيراً من العقود العسكرية الأميركية.
وتكشفت خيوط القصة الأولى عندما أدلى شاهدان، في مخاطرة كبيرة على المستوى الشخصي، بتأكيدات حول العديد من التفاصيل المدعومة بالوثائق، وتم أيضاً الاستماع إلى أقوال أكثر من 30 مصدراً، طلبوا جميعاً عدم الكشف عن هويتهم خوفاً من الانتقام المحتمل.
المقاول الرئيسي
تدير “ساليبورت” منشآت عسكرية في جميع أنحاء الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، لكن جوهرة تاج شركة “ساليبورت” تقبع في قاعدة “بلد” الجوية، التي تبعد 64 كلم عن بغداد وهي قاعدة كبيرة للمقاتلات طراز F-16.
وقاعدة “بلد” الجوية عراقية، ولكن تقوم الحكومة الأميركية بتمويل عقود الخدمات بها. وبما أنها قاعدة جوية عراقية، فإن الحكومة العراقية لديها بعض التداخلات فيما يتعلق بالتعاقد مع المقاولين الذين يعملون هناك.
وفي يناير 2014، حصلت شركة “ساليبورت” على عقد من سلاح الجو الأميركي لتوفير الحراسات الأمنية والتدريب والدعم اللوجيستي، بما يشمل توفير الضروريات مثل الطعام والكهرباء، وتلقت الشركة مبلغ 1.1 مليار دولار لعملها في قاعدة “بلد” الجوية.
وقبل الحصول على عقد قاعدة “بلد” الجوية، كانت شركة “ساليبورت” قد أبرمت صفقة مع شركة تدعى “آفاق أم قصر للخدمات البحرية”. ولفتت الأنشطة المزعومة لشركة “آفاق” المقاول من الباطن، بالنيابة عن شركة “ساليبورت”، انتباه وزارة العدل الأميركية. إذ تبين أنه يتم التحكم في “ساليبورت” بواسطة شركة قابضة تُسمى Caliburn International، والتي تملكها شركة خاصة للأسهم، باسم D.C. Capital Partners.
وفي نهاية المطاف، تخضع شركة “آفاق” لسيطرة رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي، وفقاً لما ذكرته 10 مصادر.
وأضافت المصادر أن نجل المالكي، أحمد المالكي، وأيضاً زوج ابنته ياسر سخيلي المالكي، كانا أيضاً متورطين في شركة “آفاق”.
انتهاكات للقوانين الأميركية
وتتناول تحقيقات وزارة العدل الأميركية حالياً الانتهاكات المحتملة لقانون الممارسات الأجنبية الفاسدة وقوانين الولايات المتحدة الأخرى الناشئة عن علاقة “آفاق” مع شركة “ساليبورت” التي تزعم أنها قامت بإنهاء علاقاتها مع “آفاق” بعدما علمت بما يثار حول علاقة الأخيرة بمسؤولين حكوميين عراقيين.
وتم رصد أن أول صفقة بين “آفاق” و”ساليبورت”، تم عقدها في عام 2012، عندما حصلت شركة “ساليبورت” على عقد لتقديم خدمات لوجيستية وخدمات طبية وأمنية في قاعدة أخرى، وهي قاعدة “كامب سبايكر” بالعراق، التي سميت نسبة إلى الطيار الأميركي سكوت سبايكر الذي قضى إثر سقوط مقاتلته خلال حرب الخليج الثانية هناك، والتي وقعت في أيدي تنظيم “داعش” الإرهابي في عام 2014.
المنافس وممارسات فوضوية
إلا أن الوضع يعتبر أكثر فوضوية فيما يتعلق بعقد قاعدة “بلد” الجوية. فبحسب ما أدلى به مصدران، بدأت قصة عقد تكريت بشركة مختلفة، هي SOSi، والتي تشملها حالياً التحقيقات الفيدرالية بشأن صفقات أخرى مع شركة “آفاق” في توفير الخدمات اللوجستية لقواعد عسكرية أخرى.
وكان من المفترض أن تفوز شركة SOSi بعقد قاعدة “بلد” الجوية. وبحلول مايو 2013، اعتقدت شركة SOSi أنها حازت على الصفقة لعدة سنوات مقبلة، وأعلنت عن فوزها على 22 شركة منافسة أخرى، بعقد لمدة عام واحد قيمته 84 مليون دولار، لتوفير الدعم اللوجيستي والأمن في قاعدة “بلد” ومواقع أخرى.
وبدأ العقد في سبتمبر 2013، وتحقق مثل هذه العقود أكثر بكثير من قيمتها الأولية، حيث إن مهام الحراسات الأمنية لا تتضمن تواريخ انتهاء ثابتة؛ لذا توقعت شركة SOSi أن يتم تجديد عقودها بمليارات الدولارات.
ومن ثم قضى موظفو SOSi 5 أشهر في إنشاءات بقاعدة “بلد” الجوية إلى أن فقدوا السيطرة على القاعدة. وتم تخفيض عقدهم إلى عقد بقيمة 79 مليون دولار لإعادة بناء مدارج القاعدة، دون أي فرصة للتجديد، لأنه فيما يبدو، سيتم بناء المدرجات مرة واحدة فقط. وبالتالي خسرت SOSi أرباحاً متوقعة تقارب 2 مليار دولار.
أقوال متضاربة
ثم تولت شركة “ساليبورت” المسؤولية، غير أن عددا من المتعاقدين من الباطن مع شركة “ساليبورت” زعموا أن شركة SOSi خسرت العقد بسبب ضعف الأداء، حيث قال أحد المصادر: “تم منح شركة ساليبورت عقد قاعدة بلد بسبب عجز SOSi عن توصيل دعم بمستلزمات الحياة الأساسية”.
فيما قال آخرون إن تلك ليست الرواية الكاملة بشأن ما حدث، إذ ذكر أحد المصادر أن شركة “آفاق” كانت لديها مطالب لم توافق عليها شركة SOSi مما أثر سلباً على تنفيذ العقد.
وفيما تؤكد مصادر تابعة لشركة “ساليبورت” بأن SOSi وافقت على مطالب “آفاق” ودفعت لها الأموال المطلوبة. وفي الخلاصة ذكر مصدر من شركة “ساليبورت”: “أنهم (SOSi) لم يستطعوا الوفاء بالعقد. ولا يمكن لأي مبلغ من المال تغيير ذلك”. وفي كل الأحوال عقدت شركة “ساليبورت” صفقة مع “آفاق”.
دعوى قضائية بالمحاكم العراقية
لم يدم تحالف “ساليبورت” مع “آفاق” طويلا، فبينما كانت شركة “ساليبورت” تتفاوض مع “آفاق”، كان نوري المالكي يعد أحد أقوى القيادات في العراق.
ولكن في سبتمبر 2014، بعدما اجتاح تنظيم “داعش” العراق، انهارت حكومة المالكي. وكانت ضربة قاصمة للمالكي وعائلته إلى جانب الشركات التي كانوا يدعمونها، بما في ذلك “آفاق”.
وفي عام 2016، توقفت” ساليبورت” عن سداد الدفعات المتفق عليها إلى “آفاق”.
وفي أغسطس 2016، رفعت شركة “آفاق” دعوى قضائية ضد شركة “ساليبورت” في المحاكم العراقية، لأول مرة للمطالبة بدفع مبلغ 70 مليون دولار، ثم أعقبتها بدعوى ثانية للمطالبة بمبلغ 90 مليون دولار.
وخسرت “آفاق” الدعوتين لأسباب إجرائية، لكنها لم تتوان عن المضي قدماً، حيث قامت بالاستئناف ضد الحكم وحصلت على حكم لصالحها من محكمة الاستئناف في أحد الدعوتين القضائيتين. وقضت محكمة الاستئناف العراقية بأن شركة “ساليبورت” مدينة بمبلغ 56 مليون دولار لشركة “آفاق”. لكن لم يتم السداد في نهاية الأمر لأن شركة “ساليبورت” تقدمت بطلب نقض لحكم محكمة الاستئناف وحكم لصالحها مجدداً.
لم يؤد خسارة عقد قاعدة “بلد” الجوية إلى تدمير شركة “آفاق”، إذ أنها تعمل حالياً مع شركة SOSi من خلال فرع تابع لشركة “آفاق”، يُدعى “شهد الشرق”، كشريك في قاعدتين عراقيتين أخريين، في معسكر “التاجي”، وهو موقع ريفي بالقرب من بغداد، ومجمع في بسمايا بالعراق، حسب ذكرت المصادر.
التحقيقات الفيدرالية
أما شركة “ساليبورت” فكان لها مسلك مغاير، حيث أنها تشبثت بعقد قاعدة “بلد” الجوية وتحاول تجاوز التحقيق الفيدرالي. ولحسن حظ الشركة، بدأت التحقيقات وفقاً لشروط تتماشى مع شركة “ساليبورت” نفسها.
وذكرت شركة “كاليبورن” أن شركة ساليبورت قامت طوعاً بالكشف لوزارة العدل عن مخالفة محتملة لـ”قانون الممارسات الأجنبية الفاسدة وقوانين أميركية أخرى محتملة”.
وأخبرت “ساليبورت” وزارة العدل بأن موظفيها يزعمون أنهم لم يكونوا على دراية بأن “آفاق” كانت تعد بتقديم رشاوى مزعومة للاستفادة من عقود شركة “ساليبورت”.
لكن صدور الحكم القضائي لصالح “ساليبورت” في الدعوى التي أقامتها “آفاق” يثير تساؤلات حول ما يعرفه موظفو “ساليبورت” أو ما كان يجب أن يعرفوه.
وأيا كانت النتائج التي ستفضي إليها تحقيقات وزارة العدل بشأن “ساليبورت” و”آفاق”، ففي نهاية المطاف الأمر يتناول رشاوى مرئية من المقاولين على حساب الأعمال في العراق.
فتح الأبواب لظهور تنظيم الدولة
إن للفساد عواقب حقيقية، حيث قامت شركة “ساليبورت”، عقب التحقيقات الأولية في هذه الوقائع، بإقالة مدير الأمن في قاعدة “بلد” الجوية وكذلك نائبه.
وتنقل “ذا ديلي بيست” عن مسؤول غربي خدم لفترات طويلة في العراق، بعد اطلاعه على واقعة شركة “آفاق”، قوله: “إن هناك وصفة للاستيلاء على السلطة في العراق والاحتفاظ بها، تشمل القيادة المطلقة للجيش والسيطرة المطلقة على أجهزة الاستخبارات والهيمنة المالية”.
إن دفع الأموال المشبوهة والصناعات العسكرية، التي هي في نهاية المطاف أموال الحكومة الأميركية، أعطى المالكي المال الذي ساعده في بناء، ما وصفه المسؤول الغربي، بأنه “حالة عميقة” حقيقية ومدعومة بفرق الموت الشيعية والطائفية، تغرق البلاد في عنف وإطالة أمد الحرب إلى مالا نهاية.
وأضاف المسؤول الغربي قائلاً: “إن فساد المالكي ساهم بشكل مباشر في صعود تنظيم الدولة”.