الإثنين, نوفمبر 25, 2024
Homeمقالاترموز وأشباح الحلقة 21 أخطر أسبوع ...

رموز وأشباح الحلقة 21 أخطر أسبوع في العراق المعاصر : من الانقلاب الحزبي الى الانقلاب العسكري 11- 18 تشرين الثاني / نوفمبر 1963 انقضاض عبد السلام عارف على البعثيين أ.د. سيّار الجميل

مقدمة : اسبوع  خطير  في تاريخ العراق المعاصر 

نكمل  في  هذه  ” الحلقة  ”  من  ”  رموز  وأشباح  ”  ما  كنا  قد  عالجناه  سلفا  في الحلقة  السابقة  من  تطورات  الاوضاع  الخطيرة  في العراق  وانشقاقات البعثيين  عام  1963  ،  وكيف  حل  المأزق  بالبعثيين  وواجهوا  طريقا  مسدودا  اثر  التشظيات  السياسية  التي  حلّت  بهم  ، وسنعالج  في  هذه  الحلقة  حالة  البلاد  على  مدى  الاسبوع الاخير  من  حكمهم الاول  للعراق  ، اي  بين  11-  18  تشرين الثاني  /  نوفمبر  1963  ، معتمدا  في  ذلك  على  مصادر   ووثائق  مهمة  ، وساكون  كالعادة  أمينا  في  معالجة  الموضوع  وموضوعيا  في  تحليل  الاسباب  والحوادث  والشخوص  والنتائج  ..  واعطاء  كل  ذي  حق  حقه  بعيدا  عن  القدح  والذم  ،  خصوصا  وان  ” الموضوع  ”  قد  مضى  عليه  اكثر  من  نصف  قرن  ، وقد غدا  في  عداد  التاريخ  وخرج  من  نطاق السياسة  وحدودها  ..

اسبوع  الصراع  بين البعثيين  11-  18  تشرين الثاني  1963

في  يوم  11 تشرين الثاني/ نوفمير  1963 ،  انعقد مؤتمر قطري استثنائي من اجل انتخاب ثمانية أعضاء جدد للقيادة القطرية ،  لكي يصبح العدد 16 عضواً بموجب النظام الداخلي الذي تبناه المؤتمر القومي السادس [ المادة 38 المعدلة من النظام الداخلي [ . وما  ان  بدأت اعمال المؤتمر  ، الا  ودخل  15  ضابطا  مسلحا  المؤتمر  يقودهم  العقيد  محمد  المهداوي  ، وتحدث  الى  المؤتمرين  قائلا :  ”  لقد اخبرني الرفيق ميشيل عفلق، فيلسوف الحزب، أن عصابة استبدت بالحزب في العراق، ومثلها في سوريا، وأن العصابتين وضعتا رأسيهما معاً، وسيطرتا على المؤتمر القومي السادس، ولذلك يجب القضاء عليهما”  . وهاجم المهداوي  المؤتمر القومي السادس  كونه  مؤامرة  ضد الحزب  ، وطالب بانتخاب قيادة  قطرية  جديدة  تحت  اسنة  حراب  ضباطه  !  فكانت مسرحية  كوميدية  ساخرة  بانتخاب  قيادة  جديدة  على  مزاج  ميشيل عفلق  واشترك  الضباط المسلحين  بالتصويت  وبعضهم بم  يكونوا  من البعثيين أبدا  !  فتولى القيادة الجديدة حازم جواد  وفوز انصاره .  واستمرت المهزلة وسط  هرج ومرج  المعارضين  البعثيين  باعتقال  كل من  علي  صالح السعدي  ومحسن الشيخ راضي  وحمدي  عبد المجيد  وهاني الفكيكي  وابو طالب  عبد المطلب الهاشمي  نائب القائد العام للحرس القومي  ، واخذوا  مباشرة  الى  مطار المثنى  ليكونوا على  متن  طائرة  عسكرية  نحو  منفاهم في مدريد !  . 

ما ان  سمع  البعثيون  بالاخبار التي  تكتمت  عليها  مصادر الحزب   ، حتى  امتد  الصراع إلى شوارع  بغداد  ، في  حين  كان  ميشيل  عفلق  يعد  حاجياته  ليطير  الى  بغداد  وبصحبته  امين الحافظ  رئيس الجمهورية  العربية  السورية وبمعيتهما  صلاح جديد  وبعض اعضاء القيادة  القومية  .   وفي صباح يوم 13 تشرين الثاني/ نوفمير  1963 ،  اندفعت أعداد غفيرة من البعثيين  المؤيدين لجناح اليسار  ومن مؤيدي  علي صالح السعدي واغلبهم من الحرس القومي نحو شوارع بغداد، ليقيموا الحواجز  والعوارض في الشوارع ،  كما  تمّ  احتلال مكاتب البريد والبرق والهاتف ودار الإذاعة، فضلا  عن مهاجمتهم  مراكز الشرطة مستولين على الأسلحة  والاعتدة  والذخائر  فيها.   وفي ذات الوقت ، كان  منذر الونداوي يسرع الخطى نحو قاعدة الرشيد الجوية وبمعيته طيار آخر، ليحلقا بطائرتين حربيتين، ويقومان بقصف القاعدة المذكورة، مدمرين 5 طائرات  كانت جاثمة فيها.  والسؤال  هو :  لماذا  لم  يعتقل  منذر الونداوي  اذا  كان  حاضرا  في  المؤتمر  القطري  مع  السعدي  وجماعته  ، اذ  لم  يكن منذر  بمعيتهم  ،  ولا  يعرف  سبب ذلك  حتى اليوم  ، اذ  يقال  انه  هرب  الى  سوريا  بالسيارة  وقام  بتهريبه  احد  معارفه .  

وفي الساعة 11 من صباح اليوم  المذكور  ،  أذاع  صالح مهدي عماش وزير الدفاع بياناً من دار الإذاعة العراقية  يحذر  فيه رفيقه أحمد حسن البكر من محاولة  ليقتل البعثيين بعضهم الآخر   وهذا لا يفيد إلا أعداء البعث ، كما وجه نداءً للعودة إلى العلاقات الرفاقية، وإلى التفاهم والأخوة.  ولكن  كانت  لغة  السلاح  هي الاقوى  ، اذ  كانت فرضت قوات الحرس القومي قد  فرضت سيطرتها  المطلقة على أغلب مناطق بغداد، ورفض البكر وعماش إعطاء الأمر إلى الجيش بالتدخل لحسم  الصراع  ،  وغدت قيادة فرع بغداد للحزب هي التي تقود الاحداث الفوضوية ابان تلك اللحظات الصعبة والحرجة من حكم البعثيين  وتاريخهم في المرحلة  الاولى  ، وكانت قيادة البعثيين واغلبها  من  جناح اليسار  تطالب بإعادة السعدي ورفاقه إلى العراق، ليمارسوا مهامهم الحزبية والرسمية،ولكنها لم تفلح في ذلك ابدا  ، وهنا  اضطرت إلى الموافقة لحالة القضية إلى القيادة القومية كي تبت فيها.

ميشيل  عفلق  يقود العراق  بلا  شرعية !

كادت  الشمس  تغيب  يوم 13  تشرين  الثاني  / نوفمير  1963  وكان  نهارا  صعبا  عندما  وصل ميشيل عفلق والرئيس السوري أمين الحافظ وبعض  اعضاء  القيادة القومية  للحزب  بغداد  في  محاولة لحسم الصراع بين القادة البعثيين  العراقيين .. وكان  عبد  السلام  عارف  يترصد الاخبار  في  قصره الجمهوري  الذي  اتخذه  مقرا  رئاسيا له  ، وهو  القصر الذي  بني  للملك  فيصل  الثاني  كي  يتزوج  فيه ، وقد  قتل  من دون ان  يدشنه ، وأهمله  عبد الكريم قاسم  ولكن  كان  عارف  اول  ساكنيه  .. تجاهل  عبد  السلام  وصول  عفلق  والرئيس الحافظ  ( الذي  كانوا  يسمونه  بأبي  عبدو )  دون ان  يجري  لهما  والرفاق المرافقين  اي  استقبال  رسمي  كما  يقول  البروتوكول الرسمي  دبلوماسيا  ، ولم  يلتق  بالوفد  الذي  شعر  بالاجواء  المكفهرة  ، وان وجودهم  ببغداد  كان  ثقيلا  وكان  الذكي  فيهم  يحس  بأن  ثمة ما  يدبر  في الخفاء  ضد  البعثيين  .  واعتقد  ان  الانقلاب  الداخلي  الحزبي  الذي  حدث  ضد  السعدي  وجماعته وتسفيرهم  كان  بتوصية  من  ميشيل  عفلق ، ولكن بدا  للاخير  ان  البعثيين العراقيين  سيأكل  احدهم الاخر  ، فجاء  الى العراق  رفقة  امين الحافظ  ليتسلم  ليس  زمام الحزب  ، بل  لكي  يتصّرف  بالعراق  كله  ، فقد  اصدر  قرارا  مع  رفاقه  في الوفد  يقضي  بنفي  كل من حازم جواد  وزير الداخلية  وطالب  شبيب  وزير الخارجية  متهما اياهما  باحداث الفتنة  والانشقاق  ، كما  اصدر  قرار  بحلّ  القيادة القطرية  للحزب  والتي  جرى  انتخابها تحت اسنة حراب  15 ضابطا  ، وحلّ  القيادة القطرية  السابقة  بقيادة  السعدي  ، واعلن عن  تسلّم القيادة  القومية  للمسؤولية وتمتعها  بكل الصلاحيات لحين  انتخاب  قيادة  قطرية  جديدة  !  واعتقد  ان  ذلك  كان من اخطاء  عفلق  الجسيمة  عندما  منح الحق  لنفسه  التلاعب  بشؤون  العراق  بعيدا عن  الشرعية  الرسمية  التي  لم  يؤمنوا  بها  بحجة  انهم  يتبعون ما كانوا  يسمونه  بـ ” الشرعية  الثورية ”  ، اضافة  الى  انهم  تجاهلوا  عبد السلام عارف  رئيسا للجمهورية  وقائدا  عاما  للقوات المسلحة  ، وتجاهلوا  كل الاعراف الوطنية  والدستورية  والتاريخية  التي  يؤمن بها  العراقيون  الى  جانب  سيادة  البلاد  واستقلالية  العراق  ..  انهم  تدخلوا  تدخّلا  وقحا  في  شؤون العراق الداخلية  عندما  اخذ  عفلق  منذ  وصوله  بغداد  وعلى  مدى  ثلاثة  ايام  يقيل  وزراء  وينصب  آخرين  بدلهم  ، فكان  ذلك  كافيا  لاهتياج  للعراقيين واستياء  ضباطهم  وقادتهم  الذين  التفوا  حول  عارف  لاستعادة  كرامة  البلاد  .  او  ان  البعثيين  قد جعلوا  من انفسهم  جسرا  لعبور  عارف ليكون  سيدا  للعراق  !  كانت العلاقات بين  البعثيين  المدنيين  والعسكريين  قد  تمزقت  ، اذ  وصلت الخلافات  الحادة  بين الطرفين الى  اوج السماء  ، وفجأة  اصبح  كل البعثيين  العسكريين  اعداء  للحزب  يستوجب  قطع  رقابهم   في  حين دعا  اتحاد  العمال  الذي  يسيطر  عليه  اليساريون من البعثيين  الى  سحق  رؤوس  البعثيين  البرجوازيين  الخونة  ، ودعوا الى  تأميم  كل  صناعات البلاد  .. كان  التيار  البعثي  المتمرد  مهتاجا  وكأنه  يفرش  الطريق  امام  عبد السلام  عارف  بالورود والرياحين  من حيث  لا  يدري  ! 

انقلاب  18 تشرين الثاني / نوفمبر  1963 :  “ثورة ” عند عارف  و “ردة ” لدى البعثيين

حركة  انقلابية  ناجحة  قام  بها  رئيس الجمهورية  العراقية  انذاك  ضد  البعثيين  الذين  جاءوا  به الى السلطة  يوم 8  شباط / فبراير 1963  ..  ونجح  في الاطاحة  بهم  جراء  انقساماتهم الحزبية وانشقاقاتهم  السياسية  ، وقد استطاع  عارف  ان  يستميل  بعض  العسكريين  منهم  لضرب  الجناح المدني  من البعثيين  مستفيدا  من  النقمة  الشعبية  الواسعة  عليهم  ، اذ  كانوا  قد  مارسوا  ادوارا  غاية  في السلبية  والعنف  في التعامل  مع الناس  . ان  اقصاء  عارف للبعثيين  قد  رفع  مكانته  في  نظر  الناس  اولا  ،  ولكنه غدا الهدو  رقم  واحد  للبعثيين  لاحقا  ، فقد  اطلقوا  على  حركته الانقلابية  تسمية  ” ردة تشرين  ”  واعتبروه  خائنا  ومرتدا  عليهم  ، وهم الذين  جاءوا  به الى  السلطة  قبل اشهر  ، في حين  اعتبرها  عارف  نفسه ” ثورة  ” ، وأخذ  يسمّي  نفسه  ” ابو الثورات الثلاث  ”  ، اي  ثورة  14  تموز  1958  وادعى  ان  انقلاب  8  شباط 1963  ثورة  ،  وهذه  هي  ثورته الثالثة !  ولكن  مع  عودة البعثيين  ثانية الى حكم العراق عام 1968  ، كرسوا  اعلامهم  كله  لترسيخ  مفهوم  الردة  ، واساءوا  كثيرا  لعبد السلام عارف  والحكم العارفي  !  كلمة  أود  ذكرها للاخوة البعثيين  انني  اكتب  تاريخا  يزدحم بالمثالب  التي  لا  يمكن التغاضي  عنها  من اجل  ارضاء  عواطفكم  ، فالواجب الاعتراف  بها  لا  الدفاع عنها  . 

الحركة الانقلابية  :  عبد السلام عارف  يطيح بالبعثيين 

كان لابد  للرئيس  عارف  ان  يتحّرك  ويضرب  ضربته  ، والمعروف  عنه  جرأته  وشجاعته التي  تصل الى  حد  التهور ،  وهو  يرصد ما  وصل اليه  حزب  البعث  من التناحر  ، وان  الفوضى  تعم  كل  البلاد  وان  ميشيل  عفلق قد تجرأ  وبدأ يصدر القرارات  كما  يشاء  ، وان  استياء  الجيش  وكل المؤسسات وقيادات البلاد  كان  كبيرا من تصرفات القيادة  البعثية  ، فقرر  عبد السلام  عارف التنسيق  مع  عدد من  كبار  القادة  والضباط الذين  يثق  بهم  ان  يضرب  ضربته  ويقضي  على  حكم البعثيين  وانهاء  وجودهم  ، وقد  قرر  ساعة  الصفر  ،  كما  واستخدم  المناورة  مع  ضباط  بعثيين  كانوا  يطمحون  للبقاء في  السلطة دون  ادراكهم  نواياه  وخطته  التي  اتفق  فيها  مع  كل  من  الضباط  التالية  اسماؤهم  :       

1/ الزعيم عبد الرحمن عارف قائد الفرقة الخامسة- شقيق عبد السلام .

2/ الزعيم الركن عبد الكريم فرحان، قائد الفرقة الأولى.

3/ العقيد سعيد صليبي، آمر الانضباط العسكري.

4/ الزعيم الركن الطيار حردان التكريتي، قائد القوة الجوية ( بعثي ).

5/ اللواء الركن طاهر يحيى، رئيس أركان الجيش ( صديق  البعثيين ) 

فضلا عن  عدة  ضباط  آخرين  من ذوي الميول القومية.

في فجر يوم 18 تشرين الثاني/ نوفمبر  1963 ، حامت  طائرات عسكرية في  سماء  بغداد  ، وقامت بقصف مقر القيادة العامة للحرس القومي في الأعظمية، ثم تقدمت ارتال من الدبابات، والمصفحات لتستولي على جميع المرافق العامة في بغداد، وايضا  زحفت  الدبابات الى مقرات الحرس القومي، وقد حاول البعثيون مقاومة الانقلاب في البداية ،  ودافع بعضهم باستماتة  في  حين  اختفى  آخرون  بعد  ان  توقفت الاذاعة  عن  الارسال  وبدأت  تذيع  الاناشيد  الوطنية  والقومية  وتتلى البيانات  واحدا  بعد الاخر   ، يقول هادي  خماس  :  ” ساهمت في حركة 18 ت2 1963 مرافقاً للرئيس عبد السلام محمد عارف لاحتلال المرسلات، وبعد احتلالها قدمت الرئيس لإذاعة البيان الأول ثم أذعت بصوتي البيان مرة ثانية والبيانات الأخرى.  ، ثمّ  عُيّنت مديراً للاستخبارات في 21/11/1963، وانتخبت عضواً في مجلس قيادة الثورة وسكرتيراً للمجلس الوطني. ”     واهم البيانات  التي  طالبت  الحرس  اللا قومي  كما  اسماه  الانقلابيون  بتسليم  انفسهم  الى  اقرب مراكز الشرطة  والقاء  اسلحتهم  .. كان  نهارا  صعبا  ، ولكن  فرحا  غامرا  قد  عمّ  الشارع  العراقي  ، وقد  حسم  الامر  عند  غروب الشمس  ، اذ  لم  يستطع  الحرس  القومي  المقاومة  باسلحة  خفيفة  ارتال الدبابات  والمصفحات الزاحفة  والتي  تساندها الصواريخ والطائرات.  واختفى  منذر  توفيق الونداوي اذ  هربه احد  اصدقائه  الى  سوريا ليلا ،  فبقي  في دمشق  فترة  بعد ان  حكم بالاعدام  في العراق  ، ثم  عاد  الى العراق  ،  وفي المطار  قال : جئت  لكي  احاكم واعدم  ، فانقذه اصدقاؤه  بارجاعه من حيث  اتى قبل  ان  تكتشفه  سلطات عارف  .. 

بعد ان  هدد  عبد السلام  عارف  البعثيين  بانزال اقصى العقوبات  قال لي احد  الاصدقاء ممن كانوا  ضمن  قواطع  الحرس  القومي  انه  حفر  حفرة في حديقة  بيت اهله  ورمى فيها  سلاحه مع  لباس الحرس القومي  ، وهرب  نحو  قريبه  في  احدى  بساتين  ديالى  وهو  يتابع قوله ان أفراد الحرس القوا سلاحهم، وتخلصوا منه، اذ  رموه في الحقول والمزارع والمزابل والانهر  ..  واحكم الجيش  سيطرته على البلاد  ، والقي  القبض  على  اعداد  كبيرة  من البعثيين  واودعوا  السجون  في  حين  هرب  بعضهم  الى  خارج العراق  .. والقي  القبض  على  ميشيل  عفلق  والرئيس  السوري  امين الحافظ وكل  اعضاء  القيادة  القومية   واودعوا الاعتقال  ، وكان  العراقيون  يتوقعون محاكمة  عفلق  وجماعته  واعدامهم  ، ولكن امر  عبد السلام  عارف  بتسفير  عفلق  وامين الحافظ  وصلاح جديد  وغير  العراقيين  ..   

لقد احكم  عبد السلام عارف سيطرته على البلاد مساء 18 تشرين الثاني/ نوفمبر  1963 ، وتلاشت مقاومة البعثيين  ، وخصوصا  الحرس القومي ، ومنح  عارف  لنفسه  صلاحيات  استثنائية  كبرى  على  مدى  سنة كاملة  تتجدد تلقائيا  واعتمد  على  عشيرته  كثيرا  وهم من الجميلات  ، ونصب  شقيقه  الاكبر  منه سنا  عبد الرحمن  وكيلا  لرئيس الاركان  ، كونه  لا  يحمل اركان حرب  ، ونصّب  ابن  عشيرته  سعيد  صليبي   قائداً لحامية بغداد، ونّصب نفسه قائداً عاماً للقوات المسلحة، ورئيساً لمجلس قيادة الثورة. واتى باللواء  العشرين ليجعله الحرس  الجمهوري  الخاص  به  ..

حكم  عبد السلام  عارف  والتركيبة  العسكرية الجديدة

بدأ الرئيس عبد السلام عارف حكمه بالاعتماد على ائتلاف عسكري ضم الضباط العراقيين القوميين والناصريين، وبعض الضباط البعثيين الذين ساهموا بالانقلاب على سلطة البعث ، الذين عدّوا  من قبل البعثيين  خونة وجاحدين ومتآمرين ، اذ  نصّب  طاهر يحيى  رئيساً للوزراء، ونصّب حردان التكريتي  نائباً للقائد العام للقوات المسلحة ووزيراً للدفاع، فيما نصّب أحمد حسن البكر نائباً لرئيس الجمهورية، ونصّب رشيد مصلح  وزيراً للداخلية وحاكماً عسكرياً عاماً ..  ومن الملاحظ  ان  هؤلاء  وغيرهم جميعاً  هم من تكريت واطرافها  ، وهم  من  قيادات البعثيين  العسكرية  . ويقال  ان  صدام حسين التكريتي  كان  مناصرا  لقريبه  البكر  منذ  تلك الايام ، وبقي  لصيقا  به   . 

أما العناصر القومية المشاركة في الحكم  ،  فكان على رأسها الزعيم الركن محمد مجيد مدير التخطيط العسكري، والزعيم الركن عبد الكريم فرحان الذي جرى تنصيبه وزيراً للإرشاد،وعارف عبد الرزاق الذي نصّب قائداً للقوة الجوية، والعقيد الركن  هادي خماس  الذي نصّب مديرا لجهاز الاستخبارات العسكرية، والمقدم صبحي عبد الحميد الذي نصّب وزيراً للخارجية .

التصفيات النهائية

 قام عبد السلام عارف بابعاد العناصر البعثية عن الحكم بالرغم من تعاون الضباط البعثيين مع عبد السلام عارف في انقلاب 18 تشرين الثاني / نوفمبر  1963  وخياناتهم  لرفاقهم  من المدنيين  ، واشتراكهم في حكومته الانقلابية، إلا أن عارف لم يكن يطمئن أبدا لوجودهم معه  في السلطة، ولقد  بدا  واضحا  ان  عملية  إشراكهم في الحكم من قبله  ليس  سوى كونها  مناورة  كي  ينجح  انقلابه  ضد  البعث ،  وان  يتثبت  حكمه  ،  وقد  عرفهم  من  اشتراكهم  معه  خيانة  مبادئهم  اولا  وسعيهم  للسلطة  ثانيا  .. فكان  ينتظر  اللحظة  المناسبة  لينقضّ  عليهم  ويتخّلص  منهم  .. وقد  اكتشف  لدى  العراقيين  كرها  شعبيا  واسع النطاق  لتجربة البعثيين  والحرس  القومي  وما  صدر  من  ادبيات  تدينهم  ، فما ان  وجد  حكمه  ثابتا  وقويا  بدأ  يوجه  ضرباته  ضد  البعثيين  في الائتلاف  معه    . كيف ؟ 

اعفي يوم  4 كانون الأول/ ديسمبر  1964 ، المقدم عبد الستار عبد اللطيف من وزارة المواصلات، وفي يوم  16 منه ازيح حردان التكريتي من منصبه كقائد للقوة الجوية، وفي 4 كانون الثاني 1964 قام عبد السلام عارف بالغاء منصب نائب رئيس الجمهورية وتخلص من احمد حسن البكر الذي كان يشغل المنصب، وعينه سفيراً بديوان وزارة الخارجية. وفي 2 آذار 1964، أعفى عارف حردان التكريتي من منصب وزير الدفاع ، وحلّ  بدله طاهر يحيى بالإضافة إلى منصبه كرئيس للوزراء، ولم يبقَ إلا رشيد مصلح التكريتي وزير الداخلية والحاكم العسكري العام الذي ربط مصيره بمصير عارف، اذ  بقي  يهاجم  البعثيين  ويترصدهم  ويكشف  عن  جرائمهم،  وان  خلافا  صعبا  حدث  بين  رشيد  مصلح  واحمد  حسن البكر  ،  سيكلفه  ذلك  تعذيبه  وقتله  شر  قتلة  لاحقا  !  حكى لي  احد الاصدقاء  الذين  عاشوا  في اسبانيا  وعرفوا  عبد الستار  عبد اللطيف  عن قرب  انه  عاش  لوحده  اسوأ  عيشة  وعرف  بلؤمه  وخيانته  لعبد الكريم قاسم ، اذ<span style=”mso-s

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular