كيف أجهضت حكومة بنكيران “الاسلامية” طموح شباب حركة 20 فبراير ؟
انتفض الشباب المغربي قاطبة في 20 فبراير من سنة 2011 تأثرا بالهبة الربيعية الديموقراطية التي عرفتها عدد من البلدان القريبة والبعيدة منا جغرافيا و تعبيرا عن تذمرهم من تردي الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في ظل حكومات متعاقبة لم تقم سوى بالتعايش مع الازمات دون حلها واتباع سياسة النعامة امام التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي يعرفها المغرب مع انتشار الفساد والظلم الاجتماعي وتفاحش الفوارق الطبقية والمجالية بين طبقات وجهات البلاد، امام هذا الوضع الرديء و في ظل احتباس سياسي متسم بالنفور المتزايد للشعب المغربي ونخبه من الممارسة السياسية وضعف ثقته بالمؤسسات وهجرة مثقفيه وانعزالهم وخفوت اصواتهم ، طالب الشباب بل الشعب المغربي في مسيرات ومظاهرات سلمية بعدد من المطالب السياسية الاصلاحية وذات النفس الديموقراطي ، وخلقت حركة 20 فبراير المجيدة نقاشا داخليا داخل الاحزاب السياسية المغربية بل ادت الى تصدع عدد من الاحزاب التي توجست خيفة من شعارات شباب 20 فبراير ومقاومة قيادات الاحزاب الشائخة والمتهالكة لكل رياح التغيير والتنوير والاصلاح فكانت حركة 20 فبراير بحق إيذانا بانبلاج فترة جديدة في التاريخ السياسي المغربي، اذ اصبحنا نحقب بالزمن السياسي الراهن بفترة ماقبل وما بعد 20 فبراير . جابت مظاهرات واعتصامات الشباب المغربي كل المدن المغربية الكبيرة و البوادي النائية متوحدين في شعارات عفوية تطالب بالاصلاح السياسي والاقتصادي و باعادة تقييم للسياسات العمومية الكارثية المتبعة في جميع القطاعات والمستويات ،ادى الشباب المغربي المنتفض فاتورة نضالية غالية الثمن من اعتقالات واستشهادات وملاحقات ،لكن الزعيم “الاممي” عبد الاله بنكيران امين عام حزب العدالة والتنمية انذاك كان من بين اشد المعارضين والمنتقدين لهذه الحركة بدعوى انه يخاف على البلاد من الفلتان والفوضى وهو في واقع الامر يمارس انتهازية سياسية واضحة تتمثل في عرض خدماته على الدولة في معادلة فيها الحكومة مقابل اجهاض احلام شباب الاصلاح والتنوير بالمغرب ، اي اعطوني الحكومة وحلاوتها اسكت لكم الشارع بخطاباتي الشعبوية المظللة وستتضح تفاصيل هذه الصفقة المذلة التي قام بها زعيم البيجيدي فيما بعد، حيث سيقوم اثناء فترة توليه مقاليد الحكومة بعدد من القرارات اللاشعبية اللاديموقراطية والتي اعادت بلادنا الى سنوات مديدة الى الوراء ، زعيم العدالة والتنمية قام بتطبيق خطته الانقلابية على الشرعية الشبابية الاصلاحية بان اسكت جميع الاصوات المتنورة داخل حزبه فقمع كل الاصوات الشبابية والنخبوية التي طالبت بالتفاعل الايجابي مع حراك 20 فبراير ، بدءا من “انتقامه” من الدكتور سعد الدين العثماني رئيس الحكومة الحالي الذي شارك في مظهرات الشارع ضدا على قرار الحزب ، حيث اعتبر الدكتور سعد الدين العثماني و عدد من رفاقه حركة 20 فبراير متنفسا ديموقراطيا ينبغي استثماره لتوسيع دائرة المشاركة الشعبية الحرة . وليس انتهاءا بقمع مناضلي حراك عشرين فبراير واشاعة روح اليأس في النضال السلمي الجماهيري واسكات كل الاصوات الاعلامية الحرة .
لقد لعب الاستاذ عبدالاله بنكيران دورا تاريخيا سلبيا سيسجل في التاريخ المغربي بمداد الخزي والعار، اذ استغل الحراك الشعبي ذو النفس الديموقراطي واقتبس شعاراته بل قام باكبر سرقة سياسية لشعارات المتظاهرين الذي وصفهم يوما بالغياطة والطبالة وفرض نفسه وحزبه على الدولة مستغلا شعارات محاربة الفساد والتحكم ومجابهة العفاريت والتماسيح لكنه قام في ممارسته السياسية باغتيال كل هذه الطموحات الديموقراطية حيث انه كان التلميذ النجيب للمفسدين والناهبين واليد التي ضربت بها المؤسسات الدولية ذات السياسات التقشفية المدمرة القدرة الشرائية للمغاربة ، واجهزت حكومة عبدالاله بنكيران على الطبقة المتوسطة و اثقلت كاهلها بالضرائب والاقتطاعات الظالمة فيما بقيت اجور كبار المسؤولين والمتحكمين في رقاب الناس في ازدياد مضطرد ، افشل الاستاذ عبد الاله بنكيران ترسيم الامازيغية وجعل قانونها التنظيمي معلقا بين دهاليز الادارات والمؤسسات دون ان يرى النور و اقترح ان يستشار الامازيغ في قضيتهم انطلاقا من ايميل مشؤوم عرضه كالية للانصات للمنظمات الامازيغية بطريقة مهينة وعنصرية بدل منصات التشاور العمومي وفضاءات النقاش العمومي المؤسساتي ، عرض مشروع القانون التنظيمي المنزل لكيفيات ترسيم الامازيغية في اخر يوم من الولاية الحكومية فخرق دستور المملكة وفصله 86 الذي يلزم الحكومة بعرض جميع القوانين التنظيمية على انظار المؤسسة التشريعية قبل نهاية الولاية الحكومية ، قام عبد الاله بنكيران بالسكوت عن الفساد المستشري في صناديق التقاعد والتي ادى الى افلاسها وبدل ان يلجأ الى اصلاح الخطأ والزام المفسدين على ارجاع الاموال المنهوبة قام بتخريب تعاقد الاجراء واطالة امد عملهم والاقتطاع من تعويضاتهم وتحميل الطبقات الشعبية التي كان من المفترض ان يحميها ويدافع عنها لانها هي الخزان الانتخابي الشعبي لحكومته ، قام بكل صفاقة وجراة غير مسؤولة بتخريب معاشاتهم و القضاء على قدرتهم الشرائية المتدهورة اصلا وحملهم وزر المفسدين وضريبة الناهبين . عبد الاله بنكيران قام بكل هذه الانتحارات السياسية ظنا منه ان الدولة العميقة ستجازيه عما فعله بولاية حكومية جديدة وانه سينال رضا المؤسسات المالية الدولية لتدافع عنه لدى الحكام الفعليين “موالين البلاد” . لكن خاب ظنه واجهض امله لذلك نراه في خرجاته الاخيرة يلوح بهذا الملف او ذاك سعيا الى دور سياسي محتمل مستقبلا .
لقد كان حلم شباب 20 فبراير ومعه الشعب المغربي هو مباشرة اصلاحات سياسية واقتصاديةعميقة تنعش الاقتصاد الوطني في اطار توزيع عادل للثروات ولخيرات البلاد وتفعيل الحكامة الاقتصادية واقرار النزاهة السياسية و اقرار سياسة اجتماعية منصفة وعادلة توفر الشغل الكريم للشباب وترسخ تداولا ديموقراطيا على السلطات و تعطي الثقة للشعب في المؤسسات العمومية المنتخبة منها والمعينة و تعطي للاجيال المقبلة امال واعدة في العيش في كنف انتقال ديموقراطي متدرج ولكن يفتح الافاق امام ديموقراطية حقيقية ، لكن الذي وقع هو ان حكومة عبد الاله بنكيران خربت الوظيفة العمومية باعتمادها للتعاقد و المرونة في الشغل و عطلت الانتقال الديموقراطي وقامت بتحالفات سياسية هجينة والادهى من ذلك ان عبد الاله بنكيران استغل الحكومة من اجل تعيين المقربين والانصار بدون احترام شروط الاستحقاق والنزاهة والمصداقية ، فغير انصاره وحواريوه الزوجات والسيارات و المنازل بدل تغيير الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتدهورة لعموم المواطنيين .
عطلت حكومة “الاسلاميين” بالمغرب البلاد وارجعتها لعقود الى الوراء على جميع الاصعدة ، فقد انتشر الفساد ونخر المؤسسات و عم الغلاء والتضخم و انحبست طموحات الطبقة المتوسطة واندحرت الطبقة الفقيرة نحو مزيد من التفقير والتهميش وازدادت الفروقات المجالية بين الجهات ، فكانت حكومته حكومة المفارقة الصارخة بين القول والممارسة بين الشعار والتطبيق بين وعد التغيير ومحاربة التحكم وبين واقع تكرس الاستبداد و تغلغل الفساد وفداحة الخصاص الاجتماعي . اليس من المفارقة العجيبة ان نجد افقر جهة بالمغرب يسيرها الاسلاميون تشتري اكبر اسطول سيارت من النوع الرفيع ، بدل ان تقوم ببناء مستشفيات لمرضى يموتون يوميا بالبرد والعوز والتهميش ؟ اليس من الغريب والعجيب ان نجد وزراء حكومة العدالة والتنمية يغيرون زوجاتهم بمجرد تغيير اوضاعهم ؟ اليس من المعيب ان يقبل رئيس حكومة اسلامي من الفروض ان يقتدي بعمر بن الخطاب في زهده وورعه بريع استثنائي بدون عمل بالمقابل ؟ اليس من التضليل والتجهيل ان يطالب رئيس الحكومة السابق عبد الاله بنكيران باقصاء تدريس الفرنسية في المدارس العمومية في الوقت الذي يخصص لها حيزا زمنيا كبيرا في مدارسه الخاصة ؟..
اذا كان عبد الاله بنكيران قد حصل على ريع صافي قدره 7 مليون سنتيم شهريا مقابل اخماده ثورة الشباب الطموح نحو مغرب جديد ينعم فيه المواطنون والمواطنات بالحقوق و المساواة والتوزيع العادل للثروت فإن 7 مليون مغربي جديد التحقوا في عهده بطابور الفقراء والمهمشين و المقصيين ستلاحق مظلوميتهم ودعاويهم عبد الاله بنكيران وحكومته الى يوم الدين .
انغير بوبكر
المنسق الوطني للعصبة الامازيغية لحقوق الانسان
دبلوم السلك العالي في المدرسة الوطنية للادارة
دبلوم المدرسة المواطنة للدرسات السياسية
دبلوم المعهد الدولي لحقوق الانسان –ستراسبورغ
باحث في التاريخ وقضايا الديموقراطية وحقوق الانسان