منذ دخول الرئيس الامريکي ترامب للبيت الابيض، فإن طهران تعاني من صداع مزمن لاتتخلص منه فهي تقبع في زاوية ضيقة وتحاصرها أزمات حادة تزداد تأثيراتها مع مر الايام ولاسيما وإن إدارة ترامب تحرص وبصورة ملفتة للنظر على تشديد الخناق وتضييقه والسعي بکل مالديها من أجل سلب طهران الخيارات التي کانت متاحة لها سابقا في عهد أوباما، وإن إضطرار أکثر من مسٶول رفيع المستوى في إيران ويتقدمهم المرشد الاعلى ورئيس الجمهورية بالاعتراف بصعوبة الاوضاع وتأثيرات العقوبات الامريکية، يوضح بأن الحکم الديني في إيران يواجه حقا أوضاعا لم يسبق له وأن واجهها أو مر بها من قبل.
الرئيس الامريکي السابق باراك أوباما، کان مستعجلا لإبرام الاتفاق النووي مع إيران، وذلك مادعاه الى صرف النظر عن الرکيزتين الاساسيتين اللتين تعتمد عليهما إيران في حکمها وهما قمع الشعب الايراني وتصدير الارهاب والتطرف للخارج، وقد کان ذلك الوضع فرصة ذهبية إستثمرتها إيران بأن وسعت دائرة نفوذها لتشمل اليمن بعد أن کانت قد رسخت أقدامها في العراق وسوريا ولبنان على مرئى ومسمع من أوباما نفسه، لکن يبدو إن إدارة ترامب قد أدرکت کم کان أوباما خاطئا في مقايضته هذه، إذ لاهو قد تمکن من لجم البرنامج النووي کما يجب ولاتمکن أيضا من کبح جماح توسيع دائرة التطرف والارهاب الايرانية کما يجب.
عندما يٶکد نائب الرئيس الامريکي، مايك بنس في كلمة له في مؤتمر ميونيخ الأمني، يوم السبت الماضي، أن إيران أكبر راعية للإرهاب في العالم، داعيا الأوروبيين لعدم تقويض العقوبات على إيران. فإن المعنى الذي يمکن إستخلاصه من ذلك، هو إن واشنطن ليست تريد من إيران إعادة النظر في الاتفاق النووي الملئ بالثغرات فقط، بل إنها تريد أن تضع وبصورة واضحة حدا لحالة التسيب الايرانية في تصدير الارهاب والتطرف للمنطقة والعالم وصولا الى إنهائها جذريا.
هل هناك خطوات وإجراءات سوف تلجأ إليها الادارة الامريکية لمواجهة الارهاب الايراني؟ من الواضح جدا أن هناك عزم على ذلك وإن التصدي للجانب المالي أو بکلمة أخرى التصدي لمنابع تغذية الارهاب وتجفيفها، هو بحد ذاته إجراء قاصم لظهر النشاطات الارهابية إذ بدون الامکانيات المالية المتاحة فإن تنفيذ العمليات الارهابية ستکون صعبة جدا ولکن ليست مستحيلة، وإن طهران ستکون أمام خيارين لاثالث لهما في حال نجح الامريکيون في تقويض الجذور المالية للإرهاب الايراني، الخيار الاول هو أن تقوم بنفسها ومن خلال سفاراتها ومراکزها الثقافية والتجارية بممارسة العمليات والنشاطات الارهابية وهو إحتمال يکاد أن يکون مستحيلا لأن العالم کله وبعد العمليات الارهابية التي شنتها المخابرات الايرانية ضد المعارضة الايرانية في العام 2018 والتي لعبت فيها السفارات الايرانية دورا أساسيا، صار يضع السفارات الايرانية تحت مراقبة مکثفة. الخيار الثاني، هو أن تلجأ لعصابات المافيا التي تقوم بتقديم خدمات المرور ونقل الاسلحة والمتفجرات، ولن ذلك سيکون لقاء مبالغ طائلة جدا يسيل لها اللعاب ولن تتمکن طهران من الإيفاء بها دائما خصوصا وإن المافيا تٶکد على إستلامها لبدل أتعابها وضمانته، ولذلك فإن طهران ستصبح عما قريب أمام مفترق طرق مسدودة على الاغلب وعليها أن تأخذ إحتياطاتها منذ الان، ولکن هل ستتمکن من تجاوز ذلك،هذا هو السٶال الذي يصعب إجابته من جانب طهران نفسها!