“لقد تلقى مراجعونا (اللاجئون) الطعام للمرة الأولى خلال ستة أيام ونصف، وذلك بفضل أمر الطوارئ رقم 39 الصادر عن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان”، هذا ما كتبته لجنة هلسنكي المجرية، وهي منظمة لحقوق الإنسان تقدم مساعدة قانونية مجانية لطالبي اللجوء في هنغاريا، في تغريدة لها في 13 كانون الثاني/يناير 2019.
وأكدت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في بيان لها أنها طلبت من الحكومة الهنغارية “تزويد طالبي اللجوء بالطعام أثناء إقامتهم (…) واتخاذ جميع التدابير اللازمة لضمان أن البيئة التي يوجدون فيها تتوافق مع متطلبات المادة 3 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان “.
وتتعلق هذه القضية بزوجين عراقيين تُركا دون طعام لعدة أيام، في وقت يعيشان فيه مع أطفالهما الثلاثة “رهن الاحتجاز غير الإنساني”. وورد أن الأطفال تلقوا ما يكفي من الطعام طوال هذه الفترة ، بينما كان الزوجان لا يأكلان سوى بقايا الطعام التي لا يمكن للأطفال تناولها.
“وضع كابوسي”
يرى أندريس ليدرير، مسؤول المعلومات والاستشارة في لجنة هلسنكي المجرية أن “الوضع كابوسيّ”، ويضيف في حديث لمهاجر نيوز أن قرار المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان يتعلق فقط بضرورة إطعام الزوجين، دون الحديث بأي شكل من الأشكال عن طلب اللجوء الذي قدمته العائلة في المجر.
وبسبب قانون يعود تاريخه إلى تموز/ يوليو 2018، تم رفض جميع طلبات اللجوء في هنغاريا تقريباً، حسب ليدرير، كما تم تعليق جميع الطعون على قرارات اللجوء تقريباً بانتظار صدور قرار من محكمة العدل الأوروبية بشأن ما إذا كان هذا يتوافق مع قوانين الاتحاد الأوروبي أم لا.
وعلى الرغم من أن ليدرير لا يستطيع تقدير الأرقام، كما يقول، إلا أن ما حدث على أرض الواقع هو أن أولئك الذين رفضت طلبات لجوئهم في هنغاريا، عُرضت عليهم إمكانية الانتقال عبر منطقة العبور على الحدود الهنغارية-الصربية إلى حقل مفتوح.
ويوضح ليدرير أن “أول مترين في المنطقة يعتبران أراض هنغارية، لكن بعد بضعة أمتار يكون المرء حينها داخل الأراضي الصربية”. ولأن الحدود بين هنغاريا وصربيا هي حدود منطقة شنغن، فإن الذين يخرجون من هذه المنطقة يعتبرون أنهم قد عبروا الحدود بطريقة غير شرعية. أما عن مصيرهم فيبقى حسب تقدير السلطات الصربية. ويعتقد ليدرير أن صربيا ليست سعيدة بممارسات جارتها ولكنها لا تحتج بشكل رسمي لأنها تسعى للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
طالبو لجوء في منطقة عبور (ترانزيت) في المجر
وفي الوقت الحالي، فإن العائلة العراقية هي الوحيدة التي تم رفض إعطائها الطعام، على حد قول ليدرير، لكن لجنة هلسنكي تتوقع “أن تتبعها المزيد من الحالات”. ويلاحظ أن وسائل الإعلام في هنغاريا تتجنب على ما يبدو الإبلاغ عن هذه القضية، ربما لأن الهنغاريين قد يعتبرون أن حكومتهم “تتجاوز الخط الأحمر”. يقول ليدرير: “لا توجد خطوط حمراء كثيرة في هنغاريا، ولكن يمكن اعتبار الناس الجوعى أحد تلك الخطوط”.
هذا التكتيك “ليس جديداً”
وفقًا للجنة هلسنكي، فإن هذا النوع من التكتيكات ليس جديدا في هنغاريا. ففي آب/ أغسطس 2018 تم الإبلاغ عن حالات مماثلة، تتعلق بثمانية من طالبي اللجوء السوريين والأفغان. في ذلك الوقت، قالت ليديا غال، الباحثة في شؤون دول شرق الاتحاد الأوروبي والبلقان في هيومن رايتس ووتش لـDW: “لقد تدنّت الحكومة إلى مستوى منخفض غير إنساني جديد من خلال رفض إعطاء الطعام للناس المحتجزين لديها (…) هذا الإهمال حركة سخيفة لإجبار الناس على التخلي عن طلبات اللجوء والخروج من هنغاريا”.
بعد فترة وجيزة، نشرت يودابست رداً قالت فيه إن طالبي اللجوء ليسوا “قيد الاحتجاز”، بل إنهم في “مناطق عبور” على الحدود. وأضافت الحكومة أن طالبي اللجوء “ما زالوا يتلقون الطعام ويتم تأمين المأوى لهم كما هو الحال دائما، كما يسمح لهم بالدخول إلى مناطق العبور، وهذا هو الحال طالما طلبوا اللجوء ومازالت طلباتهم قيد المراجعة”.
“لا غداء مجانيَ”
وفي نفس البيان قالت الحكومة الهنغارية إنها تنفق أكثر من 2200 يورو على كل لاجئ سنوياً لإطعامه وتأمين المأوى له، وأفادت أيضاً بأنها “تواصل التمسك الكامل بكل الالتزامات الدولية الرسمية”، لكنها أضافت في نهاية البيان: “هنغاريا ليست مسؤولة عن أولئك الذين لم يطلبوا اللجوء والذين تم رفض طلباتهم. لا يوجد غداء مجاني للمهاجرين غير الشرعيين”.
وكتبت وكالة الأنباء الألمانية (د ب أ) تقريراً تناولت فيه قضية العائلة العراقية، وقالت إن مناطق الترانزيت هي الأماكن الوحيدة في هنغاريا التي يمكن للمهاجرين طلب اللجوء فيها، مضيفة أن هذه المناطق كانت بمثابة “معسكرات اعتقال غير رسمية على الحدود مع صربيا”.
وتنفي السلطات الهنغارية هذه الادعاءات، رغم أن منظمات حقوق الإنسان تقول إن هذه الأساليب هي لإقناع طالبي اللجوء بالتخلي عن طلبات لجوئهم والعودة إلى صربيا. فأولئك الذين يغادرون البلاد “طوعًا” يفقدون وضعهم كـ”طالبي لجوء” تلقائيا.
محاربة الهجرة
في بداية عام 2019، جدّد رئيس الوزراء الهنغاري فيكتور أوربان التأكيد على موقفه المتشدد بشأن الهجرة، واصفاً المعارضة بأنها “مجموعة من السياسيين المؤيدين للهجرة بدعم من جورج سوروس والاتحاد الأوروبي”.
كما حذّر في وقت لاحق من أن الاتحاد الأوروبي “لديه خطط خطيرة بشأن الهجرة”. وقال إن هناك “أربعة ملايين مهاجر في تركيا ينتظرون فتح الطريق إلى أوروبا”، وأن هذا سيجري من خلال “تأشيرة أوروبية” وأن بروكسل “تخطط للسيطرة على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي دون العودة للدول الأعضاء”.
واتهم أوربان السلطات الأوروبية في بروكسل بالرغبة في تحويل أوروبا كلها إلى “قارة مهاجرة”. وقال إن الهجرة “جلبت المزيد من الجرائم”، محذّراً من أن الثقافة الأوروبية في أوروبا سوف تتغير بسرعة. ولمعالجة “التهديد”، اقترح أوربان خطة تتضمن حوافز مالية للنساء الهنغارية لإنجاب أطفال.
تجريم مساعدة اللاجئين
وتتضمن مقترحات الحكومة التي اعتمدت في الصيف الماضي فرض غرامات مالية على المنظمات التي يُنظر إليها على أنها تشجع المهاجرين أو الهجرة. وذكرت لجنة هلسنكي أنه عندما تم طرح المقترحات لأول مرة، فإن الحكومة كانت “تستخدم العقوبات الجنائية وأحكام السجن كأسلحة ضد المدافعين عن حقوق الإنسان”.
انتقادات من الاتحاد الأوروبي
بدوره أصدر الاتحاد الأوروبي العديد من التحذيرات الرسمية لهنغاريا يقول فيها إن مثل هذه المقترحات لا تتوافق مع المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان، أو مع القواعد التي تحكم دول الاتحاد الأوروبي.
وقد زارت، دنيا مياتوفيتش، رئيسة المفوضية الأوروبية لحقوق الإنسان، هنغاريا وأشارت في بيان إلى أنها تشهد “تراجعاً” فيما يتعلق بحقوق الإنسان بشكل عام وحقوق المرأة وحقوق اللاجئين بشكل خاص، وحثت مياتوفيتش في تغريدة لها الحكومة الهنغارية على “الامتناع عن استخدام الخطابات المناهضة للمهاجرين والحملات التي تثير كراهية الأجانب بين السكان”.
ونشرت هيومن رايتس ووتش في آب/أغسطس الماضي تقريراً قالت فيه إن “السلطات الهنغارية لديها التزامات بموجب معاهدات متعددة ومعايير لحقوق الإنسان تحظر المعاملة اللاإنسانية والمهينة (…) تشمل تأمين الطعام والماء والاحتياجات الطبية للاجئين”.
وقالت ليديا غل من هيومن رايتس ووتش إنه “من الشائن” أن يضطر الناس إلى اللجوء إلى المحاكم من أجل الحصول على قطعة خبز.