في الزيارات الأخيرة، الى بيت صديقي الصدوق أبو سكينة، صرنا نخوض أحاديث متشابكة، وتحديدا، حول أهم المخاطر التي تواجه بلدنا. تناول أبو سكينة ظاهرة الفساد مرارا، واعتبرها أخطر من عصابات الإرهاب التي أستباحت ودنست ارض وطننا، لكون الفساد غطاء مناسبا لعودة “داعش” بثياب جديدة.
كان جليل، يكرر بأن المواطن العراقي، يوما بعد اخر، بات متاكدا من أن الفساد اصبح مستشريا في كل مفاصل الدولة، كظاهرة سياسية- اقتصادية – اجتماعية تتفاقم نحو الأسوا دون وجود حلول ناجعة وحاسمة. وراح يشرح اشكال ظاهرة الفساد المتعددة عارضا حكايات مريعة عن استشراء ظاهرة الرشاوي وانتشار الشهادات المزورة والنهب المنظم للمال العام مع تهريب العملة والتهرب الضريبي، من غير تهريب النفط والغش في ادخال السلع وغير ذلك، ليصل الى ظاهرة بيع الوظائف والاستحواذ على أراضي وممتلكات الدولة، وبيع مناصب الدولة العليا والمتاجرة بها، وتورط اطراف سياسية متنفذة بحماية اذرعها المليشياويةالمسلحة، مما يجعل أي مواطن يشعر بالحيف عن عدم وجود إجراءات رادعة لكل هذه الجرائم من قبل السلطات والاجهزة الرقابية والحكومية والتشريعية والقضائية، التي يتعلل بعضها في البحث عن “الأدلة”!
وفي نفس الأيام، وضمن ما انشغلنا به أيضا، كان ما اثارته سوزان ابنة جليل، عن صورة طريفة بالاسود والأبيض، تناولتها وسائل التواصل الاجتماعي، لها قصة ممتعة. كيف هرب مجموعة من الصبيان الامريكان، من المدرسة ذات يوم، ليشاهدوا حفلا لفرقة الخنافس “بيتلز”. لم ينجحوا في دخول الحفل، لكن طبال فرقة البيتلز رنكو، المعروف برنكوا ستار، مر بجانبهم،وكان يهوي التصوير، وحدث وان التقط لهم صورة بكاميرته. حكوا كل ذلك لزملائهم واصدقائهم، لكن لم يصدقهم احد بل وصاروا يسخرون منهم . بعد خمسين عاما من الحدث نشر رنكو ستار كتابا ضمنه بعض الصور التي التقطها عن جولاته، وكان ضمنها، صورة الشبان، الذين اصبحوا كهولا، فقرروا اللقاء وإعادة تصوير اللقطة بنفس الحركات، وتداولت وسائل الاعلام الصورتين وأصبحت قصة.
سعل أبو سكينة، وهو ينظر الى الصورة، ويتملى الوجوه الفتية في الصورة الأولى وكيف اصبحوا شيوخا وعجائز في الصورة الثانية ، وضحك :
ـ والله يمكن سالفتنا راح تصير مثل قصة هذه الصورة، مساكين هؤلاء التلاميذ الامريكان، انتظروا خمسين عاما، عجزوا وشبعوا شيب وقهر، حتى يتوفر الدليل على مصداقية حكايتهم الطريفة، وفي بلادنا اشوف الجهات الباحثة عن أدلة عن حقيقة الفساد، اذ استمرت باساليبها في التعامل والبحث عن “الأدلة” الخفية، ستنقرض أجيال من الشعب العراقي، دون ان تتوفر الفرصة لالتقاط صورة للفاسدين في قاعة محكمة او امام القضاء !