و في ظروف تصاعدت فيها اعمال داعش الارهابية الاجرامية وصارت تحتل ثلث البلاد و تهدد باحتلال العاصمة بغداد و النجف الاشرف و سامراء، امام عجز القوات المسلحة النظامية و الميليشيات الطائفية التي صار عدد من قادتها يحققون ارباحاً كبيرة جديدة بالتعامل مع داعش، كما انكشف لاحقاً و طُرح في مجلس النواب حينها . .
اصدرت المرجعية الشيعية العليا لآية الله السيستاني فتوى الجهاد الكفائي، التي دعت الى الانخراط في القوات المسلحة الحكومية ! لحماية البلاد و المراقد المقدسة و انقاذ الشعب من محنة المذابح و الإرهاب، فتطوعت الاف كبيرة من القادرين على حمل السلاح لحماية البلاد . .
و يرى خبراء و مراقبون، انه بتوجيهات و خبرة دوائر ايرانية، عملاً بتجربتها في تأسيس و بناء حرس الثورة الإيرانية (الباسداران) ليكون بديلاً للجيش الايراني (الآرتش) و ليكون الذراع العسكري لحكم ولاية الفقيه في ايران، قبل مايقارب النصف قرن مضى و بظروفه . .
و بنفوذ قادة الميليشيات الطائفية في حكومة حزب الدعوة، احتوت الميليشيات المسلحة غالبية المتطوعين عدا وحدات تشكّلت من خارجها، و لتأمين سيطرة قادة الميليشيات الطائفية الناشطين على مذهب ولاية الفقيه، على كل وحدات عشرات آلاف المتطوعين، عملوا على احتواء كل وحدات المتطوعين رغم انواع الحساسيات المذهبية الشيعية من جهة، و الحساسيات تجاه الهيمنة الايرانية من جهة اخرى، بدعوى تحقيق التنظيم و الكفاءة العسكرية.
و يرون بأن، اغلب قادة الميليشيات عملوا على ارسال المتطوعين الجدد الى خطوط الجبهة الامامية لقتال داعش، و ارسال الوحدات و الافراد الرافضين للانتماء الى مذهب ولاية الفقيه الى المناطق الاكثر خطورة، فيما بقى غالبيتهم و افراد ميليشياتهم في المدن البعيدة عن الجبهة، يصولون و يجولون فيها بحثاً عن مزيد من الدعاوي و الارباح و خاصة من دور بيع الخمور و النوادي الليلية ثم صفقات النفط و الآثار و عقد الصفقات المربحة عبر وسطاء مع اطراف داعش (*) بعيداً عن العيون ، و بدعوى الحفاظ على الامن . .
و تحت ضغوط متنوعة شعبية و سياسية أُعلن عن تشكيل ” الحشد الشعبي ” الذي ضمّ و يضمّ الجميع، على اساس العمل على زيادة الضبط العسكري، ثم تحوّل الى القوة العسكرية الثانية بعد الجيش النظامي الذي عمل مدربو التحالف الدولي لمكافحة الارهاب على تطوير وحداته، وفق الاتفاقيات العسكرية المبرمة مع الحكومة العراقية خلال الحرب ضد داعش الاجرامية . .
ثم حوّل رئيس الوزراء السابق السيد العبادي الحشد كاملاً بآلياته و عقيدته الرسمية في ولاية الفقيه، الى قوة عسكرية رسمية تحت قيادة الدولة، كجزء من القوات العسكرية العراقية، محافظاً على استقلاليته عن الدولة والحكومة ورئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة عملياً، يتحرك باوامر الولي الفقيه الايراني ومن ينوبه وأصبح جيشاً داخل الجيش.
و فيما كان المتطوعون الجدد ملبيّ نداء مرجعية النجف العليا يقاتلون بشجاعة و يتساقط منهم الشهيد تلو الشهيد . . اثارت مشاركتهم العجب في احتجاجات ساحة التحرير، بملابسهم الرثّة برفقة جرحاهم و معوّقيهم و هم يطالبون بـ: صرف مخصصاتهم الشهرية و علاج الجرحى و تحسين اسلحتهم و توفير الطعام الصالح للبشر لهم، وهم في الخنادق الامامية في مواجهة داعش الإجرامية . .
حتى تبيّن من التصريحات و المقابلات و من الاف مواقع التواصل الاجتماعي، بأنهم من وحدات لاتتّبع نهج ولاية الفقيه و ان قيادة الحشد التي يهيمن عليها قادة الميليشيات آنفة الذكر تضغط عليهم بكل تلك الوسائل لإطاعة و اتّباع نهج ولاية الفقيه، الذي كان مفاجئاً و جديداً عليهم، لأن المطّلعين منهم يؤمنون بمبدأ الإجتهاد في الفقه الشيعي، و لكن ليس بهذه الطرق القسرية و تجاه حاملي راية الامام الحسين و هم يقاتلون بشجاعة مستلهمين مثاله، في قتال داعش الإرهابية، الأمر الذي ان دلّ فانه لا يدلّ الاّ على ان قادة المؤسسة لهم أهداف ومصالح أخرى لا تلتقي بأي حال، وهي بقيادتها و في وضعها الحالي، مع إرادة وأهداف ومصالح الشعب العراقي، ولا بطموحات و شهداء و تضحيات ملبيّ نداء المرجعية العليا.
و يرى كثيرون، انه رغم الاهمية الكبيرة لتقوية الصداقة مع الجارة ايران على اساس المنافع المتبادلة، الاّ ان حكم ولاية الفقيه للجارة يذهب بعيداً عن المألوف في حكم الصداقة و الجيرة من خلال كل السلوك آنف الذكر الى، تامين العراق كطريق بريّ( او كجزء بريّ) لتحقيق أهدافه للوصول الى المتوسط بكل الطرق و بلا ضوابط، في محاولة تشكيل كتلة شرق اوسطية تتبع ولاية الفقيه في معتقدها و تنفذ اوامره، و كدرع حماية لها في صراعها مع الولايات المتحدة . . و بالتالي لتحقيق اعلى الارباح في منطقة تتكالب عليها كل الدول الرأسمالية الكبرى ودول رأسمالية المحيط و المال الاقليمية التي من ابرزها ايران، تركيا، العربية السعودية و قطر . .
و من جهة اخرى يرون ان لامعنى لوجود مؤسسة الحشد الان، الا لمتابعة حقوق الشهداء و متابعة تنسيب المقاتلين الابطال الى القوات المسلحة النظامية، في وقت تطور فيه الجيش العراقي ، الذي يضم شباب العراق بكل قومياتهم و اديانهم و طوائفهم، بعد ان حقق المعجزات في مقاتلة داعش وقدّم ايات الشهادة و التضحيات، و برز منه مقاتلون محنكون من كل اطياف العراق، و قادة جدد مؤهلون لإداء الواجب الوطني، بعقيدته العسكرية في “محاربة الإرهاب” . (يتبع)
23 / 2 / 2019 ، مهند البراك