الأحد, نوفمبر 24, 2024
Homeمقالاتمنطق الكشف و مستقبل الدولة الفاشلة د. سامان سوراني

منطق الكشف و مستقبل الدولة الفاشلة د. سامان سوراني

لقد عانی العلاقات الدولية في دول الشرق الأوسط من سمة عدم التوازن وقلة الاستقلالية لأنها لا زالت متأثرة بالسياسة الخارجية للدول العظمى. ومن المؤكد هناك عوامل تاریخیة مهمة ساهمت في ترسیم نمط العلاقات الدولية لدول الشرق الأوسط، لا مجال لذکرها هنا، لکن عندما تفشل الدولة في القیام بوظائفها الأساسیة، منها السیطرة و تطبیق أسس الحکم علی كافة أراضیها و إستغلال الموارد الطبیعیة والبشریة والمادیة بشكل یحمي مصلحتها القومیة و منها عدم إتاحة الفرصة للدول الأخری من السیطرة علیها و نهب خیراتها و مواردها والتحكم في شؤونها الداخلیة والخارجیة، یطبق علیها مصطلح الدولة الفاشلة(Failed State).

هذا المصطلح جدید الی حد ما، حیث تم أستخدمە للمرة الأولى في عهد الرئيس الاميركي، بيل كلينتون، حیث نُعت به الدول التي فشلت في القيام بوظائفها الأساسية، مما جعلها تشكل خطراً على الأمن والسلام العالميين، مثل أفغانستان في عهد طالبان.

هناك في الشرق الأوسط تحولات مهمة تدخل مفاهیم و نظریات جدیدة علی مستوی التحلیل و تهيء أرضیة بروز فواعل و ظواهر سیاسیة جدیدة علی مستوی الممارسة، لکنها لا تستطیع أن تؤثر في البنية الهيكلية للنظام الدولي.

من المعلوم بأن الدولة الفعالة تنفتح علی الخارج، بقدر ما تنفتح في الداخل علی المجتمع والكيانات المختلفة

یقول أستاذ العلوم السیاسیة الأمریکي صاحب مصطلحي القوة الناعمة والقوة الذكية، جوزيف صموئيل ناي، إن انتقال القوة من دولة مهيمنة إلى دولة أخرى هو واقعة تاريخية مألوفة، ولكن انتشار القوة هو عملية أكثر جدة. وتتمثل مشكلة الدول كافة فى عصر المعلومات العولمي الحاضر في أن أكثر الأشياء تحدث خارج نطاق سيطرة الدول حتى أقواها.”

ففي زمن ثورة المعلومات والعصر الرقمي نری بأن الدولة الفاشلة لایرهن علی تصالح الحكومة مع الشعب من خلال بناء دولة القانون والمؤسسات والشفافية والتنمية، وإقامة قواعد إنتاجية حقيقية وإستخدام الموارد لصالح جمیع طبقات المجتمع، عبر خطط تنمویة و برامج عدالة إجتماعية يستفيد منها كل فرد، و لا یسعی بشكل جاد في التمسك بمقومات الهویة الجامعة، من لغة ودين وتاريخ وحضارة ولا یستخدم القوة الكامنة في كل هذه المقومات الناعمة لتقوية المجتمع ومؤسساتها وسياساتها.

بدلاً عن هذا تنظر الدولة الفاشلة دوماً الی الکیانات الداخلیة و الإقلیمیة و دول الجوار كأعداء و منافسین لا کأشقاء و حلفاء طبیعیین و هذا یؤدي بدوره الی دفع حرکات أو قوی وطنیة للعمل علی هدم بنیانها لغرض تولي موقع المسؤولیة و إعادة بناء الدولة على أسس جديدة.

من صفات الدولة الفاشلة، أنها لاتستطیع لوحدها السیطرة علی حدودها، بل تعتمد على المساعدات التي تأتيها من المجموعة الدولية و لسبب ضعفها تتحول أرضها الی ملاذات آمنة للجماعات الإرهابية و العوامل اللادولتیة الأخری التي تضر بالسیادة.

التطورات والسیناریوهات في الشرق الأوسط لها تأثیرات كبیرة في العالم و في البیئة السیاسیة والإقتصادیة والأمنیة العالمیة. وقد تستمر الفوضی واللاإستقرار إذا ما لم تسعی القوى الدولية في العمل على التغلُّب على صراعاتها مع دول المنطقة وعلى الصراعات بين هذه الدول وبعضها البعض، وعلى الصراعات داخل هذه الدول.

بالطبع لایمکن الوصول الی مصالحات وطنية حقيقية بناءة وشاملة إذا ما لم یتم التوافق حول صيغ تشمل جميع أطراف الصراع السياسي لإیقاف الإعتداءات والتدمیر المتبادل و نزع فتیل الحرب و التشدد في مواقف الأطراف المتنازعة و بناء الثقة بینهم وإعطاء المصالحة طابعاً مجتمعياً يمهد الطريق أمام إجراءات المصالحة التقليدية، عبر عملية تفاوض وتوافق حول عناصر العدالة، وإجراء إصلاحات مؤسساتیة والعمل علی تطوير علاقات أكثر تجانساً وإعداد بيئة حاضنة للمراجعة الدقیقة والتفكير الخلاق في صياغة علاقة إيجابية أبعد.

القوة هي القدرة على تحقيق النتائج التى نريدها و أن عدم القدرة على تجاوز سلبيات الماضي و عدم الإتفاق حول المصالح الوطنیة العلیا تجعل من التعايش بين الأطراف المتنازعة حالة هدنة مؤقتة غير قابلة للصمود. أما إذا کانت للنزاعات الداخلیة إمتدادات خارجیة فستبقی مسألة التعایش بین الأطراف دوماً محل تهدید. لذا یجب أن تکون لقضیة المصالحة ظهیر أو قناعة مجتمعیة و شعبیة یضمن تطبیق قضیة المصالحة و یحفظ دیمومتها.

لا تنفع الدولة الفاشلة إستخدام النماذج السياسية المستهلكة والبعيدة عن الشعور الإنساني العميق، المدرك لحكم المأساة وطبيعة الحياة وثقافة الحوار والتعددية والتعايش وقبول الآخر المختلف ولا تنفعها النماذج القائمة علی فلسفة الاقصاء والتهميش وحرب الآخر والداعمة لهواجس وحسابات الربح والخسارة.

إن الذين يتصدرون واجهة الدفاع عن طوائفهم ومذاهبهم ومعسكراتهم بالأفكار السائدة والأنظمة المتحكمة والشعارات الخاوية والمقولات المستهلكة لا يستطيعون القيام بمهام قضية العيش المشترك وبناء الدولة الناجحة والحکم الرشید.

منطق الكشف العلمي يثبت لنا بأن حل المشكلات يخلق مشكلات جديدة ومعالجة الأزمات تولد المزيد من التعقيد والتأزم، لذا نقول للعقول السياسية في الدولة الفاشلة، من أراد النجاح للديمقراطية وتجربة العیش المشترك، عليه أن لا يتعامل مع الحقائق والوقائع علی سبيل التبسيط والتهوين أو التهويل والتضليل أو التلفيق والتزييف وعلیه نبذ الشعارات الخاوية والدعوات المستحيلة والاستراتيجيات القاتلة وعليه أيضاً إستخدام أطر وأدوات في النظر والعمل البعيدة عن مذهب القصر والإستهلاك والعقم وهنا يكمن سر النجاح.  

الطرف الذي ينهض بالعیش المشترك هو من يخلع عباءته الأيديولوجية المقدسة بثوراتها ومقاوماتها وإنقلاباتها وأحزابها وهو من يحسن الإشتغال علی خصوصيته وتحويل هويته للإنخراط في بناء عالم مشترك يتيح التعايش والتواصل، علی نحو سلمي تبادلي في أطر وطنية أو اقليمية أو عالمية، ولنا في إقليم كوردستان وحكومته اليانعة نموذج إيجابي نشيط في بناء مجتمع ديمقراطي سلمي التوجه مزدهر بإنجازاته العمرانية والحضارية.

وختاماً يقول الفيلسوف الإنكليزي النمساوي المولد كارل بوبر (1902-1994): “نحن نعرف بأنه لا يمكن أن يكون لحجة منطقية تأثيرٌ منطقيٌّ على من لا يريد أن يتبنى أسلوباّ منطقياً.”

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular