بعد العودة من تركيا بسبب فشل محاولة الوصول الى ايران ، ذهبنا الى مثلث تابع الى ناحية فايدة جنوب مدينة دهوك، لم نتمكن من البقاء هناك ، ما اضطرنا الى الاستقرار والاختفاء في صخرة الوزير (كفرى وزير) داخل كهوفها الواقعة في جبل ناحية القوش والبقاء هناك في محطة انصار السرية الرابعة للحزب الشيوعي العراقي ، لم يكن هناك من يوفر لنا المواد الغذائية في ذلك الجبل الوعر والعيش مع الحيوانات البرية، لكون المنطقة محرمة وجرى اخلاء أهالي القرى منها ، وبعد عدة أيام من نفاذ الطعام ، توجهنا الى مجمع خانك سيراً على الاقدام في ليلٍ حالك الظلام ، تمكنا أنا وشقيقي يزدين العبور من مجمع شاريا ثم تجاوزنا الشارع العام الذي يربط بين مدينتي دهوك والموصل والمرور بمحاذاة معسكر فايدة بالرغم من خطورة ذلك على حياتنا ، الا اننا نجحنا ووصلنا الى دار شقيقتي في خانك. جهزت لنا ما نستطيع حمله على أكتافنا من مواد غذائية وتوجهنا الى منطقة هضبة المعارك (كندى شه رى) القريبة من مجمع خانك عثرنا هناك على كهف تحت الارض فأصبح مأوانا ، كان مخبئاَ ملائماً في تلك المنطقة ، كنا نختفي نهاراً ونخرج ليلاً ، بعد ثلاثة أيام تم كشف وكرنا من قبل راعي المواشي المدعو (ادريس) رحمة الله ، كان شاباً في العشرين من العمر ، بعد الحديث معه أصبح صديقنا الوفي وكان يزودنا بالمواد الغذائية والمعلومات الأمنية مشكوراً ، وبعدها اقترح يزدين ان نذهب الى دار (عيسى خضر) كانت تربطهما علاقة حميمة نتيجة بناء داره في عام 1986 حينما تم ترحيل القرية وتحول الى مجمع سكني وهو من قرية الربيبية ضمن مجمع خانك وتوجهنا اليه عند حلول الظلام ، تقع داره في طرف المجمع ، استقبلنا استقبالا حارا من قبل عائلته ، لكونه في ضيافة أحد أصدقاءه ، قدموا لنا الطعام ، وسألوا شقيقي يزدين من هو هذا الشخص الذي يرافقك ؟
قلت : انا كوردي مسلم من أهل منطقة قضاء سميل .
– لكنك تتحدث بلهجتنا …؟
– نعم نتيجة معاشرتي مع الاخوة الايزيديين ..
– من أية عشيرة انت … ؟
– أنا من عشيرة السليفانة…
– نرجوك يا كريفنا ان تهتم بصديقك يزدين ، ربما لا تعلم بما حصل لهم من مصائب ومعاناة ؟
استمروا في الحديث انهم فقدوا جميع أفراد عائلتهم قبل عامين وبكت المرأة بحرقة شديدة ، وقالت بالرغم من انك مسلم ولكن طالما انكما مع بعضكما اتمنى أن تكونا أخوة . ..!! قلت نعم أماه أنا أعلم بما حدث لهم وسنكون مثل الأخوة مع بعضنا وفي هذه الأثناء في وقت متأخر من الليل شاهدت قدوم ابو مصطفى مع نجله ذياب الى الدار فاكتشف حقيقة أمري وأدرك الجميع بأنني شقيق يزدين ولست بشخص غريب .
وبعد عودتنا من خانك توجهنا الى دار السيد (سليم شمو حجي – ابو سعيد-) و شقيقه (مشور شمو) في مجمع شاريا القريب من ناحية فايدة ، لم يقصرا في الواجب الانساني والوطني وقطعا وعدا على نفسيهما بتوفير كل الملتزمات الضرورية وطلبا منا الحفاظ على انفسنا في الجبال وعدم التماس مع الأشخاص لأسباب أمنية واتفقنا على موعد في قرية (كاني كولان) التي تقع شرق المجمع وكانت منطقة محرمة على تواجد الأشخاص والآليات مثل التركتورات والسيارات ورعاة المواشي، كانت تشكل خطورة كبيرة، اذ تم كشفنا من قبل الطائرات السمتية المخصصة لحرب العصابات في الجبال ، قام السيد سليم هذا الرجل الكريم بالواجب وغامر بحياته وأوصل المواد الغذائية لنا من اجل العيش في الجبال ومقاومة الظروف العصيبة التي كنا نمر بها. وفي اليوم التالي توجهنا الى الموعد وفي الطريق صادفنا خنزير ، رميته طلقتين وتم اصطياده وبعد الوصول الى موقع الموعد تبين أنه ترك لنا كمية كبيرة من المواد الغذائية هناك ولم يتمكن الانتظار لحين وصولنا اليه خوفا من قدوم مفرزة أو طائِرة سمتية مقاتلة الى أجواء المنطقة ، لذا حملنا ما نستطيع على أكتافنا وبعد الوصول الى جثة الخنزير قمنا بتقطيع فخذين منها وتركنا بعض المواد هناك بسبب ثقل الحمل والتوجه الى موقع الاختفاء في الكهوف وبعد الوصول إلى مكان قريب من موقعنا عثرت على بعض الاوراق المقضومة من قبل الاغنام الخارجة ( دعلج ) من مكان الاختفاء وبعد متابعي لذلك اكتشفت بان تلك الأوراق جديدة وتعود لتنظيمات الحزب الشيوعي العراقي وتم اخفاءها من قبل الشهيد (أونير بطرس استيفانه) وكان اسمه الحركي عامل ، وهو من أهالي ناحية القوش وهو احد كوادر الحزب ومسؤول التنظيمات الداخلية ، وكان قد تم اخفائها عام 1987ثم توجه الى ناحية القوش وهناك القي القبض عليه عن طريق أحد عملاء النظام ومما عرف فيما بعد عنه فأما نفذ حكم الأعدام به أو فارق الحياة تحت التعذيب ، وبقت تلك الرسائل عبارة عن بريد مهم للحزب وكانت مفقودة منذ ثلاث سنوات الماضية التي تتضمن الكثير من الأسرار وأسماء أعضاء التنظيم في الداخل مع قطعة كلانشيكوف و7 مخازن عتاد موضوعة تحت فرش حجري نبت عليه الادغال والاحراش دون أن يكون علم للآخرين بها ، حملت البريد معي للحفاظ عليه و حمل شقيقي يزدين السلاح وحينها كنا بأمس الحاجة له وبعد عدة أشهر وخوفأ من قدوم موسم الشتاء صممنا للخروج من العراق والتوجه الى سوريا سعيا لاقناع الحزب من أجل استقبال شقيقي يزيدين ، فمن خلال مساعدة المرحوم علو حمو والمعروف (علو زافاره) من أهالي قرية باعذرة ، حيث كلف الأخير أحد معارفه وهو كريفه في الدم المدعو محمد مصتى من عشيرة موسى ره شى أن يرافقني الى مجمع (دوكرى) شمال سنجار مقابل أجرة(150) دينارعراقي ، كنت أحمل البريد الذي عثرت عليه من أجل ايصاله الى الحزب في سوريا بأمان .
بعد وصولي الى مجمع دوكرى تجاوزت الحدود العراقية – السورية سيرا على الاقدام أثناء الليل ، وصلت الى قرية عربية اسمها (قرطبة) دخلت الى أول بيت في اطراف القرية فبادر صاحبها بمرافقتي الى مركز الشرطة ومن هناك نقلوني الى مكتب الحزب في قضاء قامشلي هناك في مكتب الحزب أجرى بعض الأشخاص تحقيق مكثف معي حول كيفية العثور على البريد الخاص بالشهيد عامل وأسئلة تتعلق بمبلغ من المال قدره 18 ألف دينار عراقي قيل إنه كان مرفقا مع أوراق الشهيد فطلب مني إعادة هذا المبلغ .. وكانت هناك أسئلة كثيرة بخصوص الفترة التي قضيناها في الاختفاء ومكان وجودنا وأين كنا خلال الستة اشهر الماضية … وكيف تمكنا من تدبير أمورنا …!!! حرصي على تلك الأوراق الخاصة بالشهيد عامل أحدث لي مصيبة رغم اخلاصي لمبادئي الحزبية كنت مؤمنأ به حينذاك ، وبألم شديد بينت لهم تفاصيل مآساتي أنا وشقيقي يزدين .. لكنني لم أجد أحداً يصدقها بسبب الظروف القاسية والشائكة التي لحقت بحركة الأنصار والبيشمه ركه جراء إقدام النظام الفاشي في العراق على استخدام الأسلحة الكيماوية والمصاعب التي واجهتنا أنا وشقيقي يزدين أثناء الاختفاء داخل الكهوف في جبال كوردستان وبقى يزدين وحيدا في الكهوف الى ان وصل اليه اول مفرزة للحزب الديمقراطي الكوردستان بقيادة المناضلين كل من ابو علو ( حسين باني وخالد باني) كانت قادمة من ايران والتقى مع يزدين في تلك كهوف في الجبال ثم جرى تنسيقهم مع جماهير دهوك وشاركوافي الأنتفاضة اذار المجيدة وطرد قوات النظام من دهوك وضواحيها ، اما فيما يتعلق بوضعي في سوريا بالرغم من ذكر أسماء الشهود على حقيقة ما جرى لنا من الذين التقيت بهم ومن قدم لنا المساعدة ، وكذلك سنوات النضال ضمن صفوف الأنصار وتقديم قافلة من الشهداء الذين بلغ عددهم (27) فردا من عائلتي . كانت حصيلة التحقيق سلبية بالنسبة لي ، فقد امتنع هؤلاء المحققين معي تبني وضعي وتركوني دون غطاء مما سهل للمخابرات السورية في قامشلي أرتكاب عملية غدر بي عندما أوقفوني وبطريقة بشعة .
قامت مخابرات قامشلي بنقلي الى دمشق في فرع فلسطين المرقم ( 267) وحبسي داخل غرفة ذو طابقين ، لم نكن نستطيع الوقوف على الاقدام بداخلها بل كنا نمشي على الأيادي ، وهناك جرى معي تحقيق مشدد مع توجيه تهمة باطلة ، وعلى أثر ذلك تعرضت الى مختلف أنواع التعذيب الوحشي ، خاصة تعذيب الربط بالكرسي . قضيت مدة (6) ستة اشهر هناك ، كان يتواجد الكثير من العراقيين في السجن ومن بينهم ايزيديون أيضاً ومنهم شيار شيخ ميرزا البيباني مع سفيان ابن شقيقه والكثير من شباب قضاء سنجار ، وبعد وصول المخابرات على قناعة باني بريء من كل التهم قدموا لي الاعتذار، لكن بعد تعذيب جسدي ونفسي وكل ما يليق بأخلاق حزب البعث الفاشي ، وكان للمرحوم الياس عثمان وأشقائه (حسن وزعيم) من أهالي مجمع خانصور الذين كانوا معي في السجن لهم فضل كبير ، فبعد خروجهم توسطوا لدى الدكتور حامد السوادي مسوؤل مكتب شوؤن العراق في قامشلي وأبلغوه بالظروف التي كنت أعيشها ، والأخير زودني بكتاب تزكية إلى المخابرات السورية فاطلق سراحي من السجن .
بعد الخروج من السجن توجهت الى قامشلي (قرية مزكفت ) واستقبلنا المرحوم الشهيد خيري شيخ خضر الذي استشهد عام 2014 في احدى معارك جبل سنجار دفاعا عن شرف وكرامة بني جلدته، وثم إلى مخيم (هول) وهو تابع لمحافظة الحسكة للسكن والعيش فيه.
بعد انتفاضة آذار المجيدة توجهت الى كوردستان وحصلت على رتبة ضابط ( ملازم اول اسايش ) في خانك وفي عام 1993 قدمت استقالتي وتركت العراق عبر مهربين حتى وصلت الى اسطنبول وبعدها الى روسيا ثم بعد (9) أشهر تمكنت من الوصول الى ألمانيا . وبهذا أكتفي من نشر الحلقات على أن تأتي البقية في كتاب بتفاصيل كاملة بخصوص ما وجهني من خلال سيرة حياتي والتي تعتبر مذكرات سياسية التي كلفتني نتائج كارثية دفعت من خلالها ثمناً باهضاً في الارواح ناهيك عن مصادرة الأموال، وفقدت زهرة ايام شبابي ، عسى ان يكون كل ذلك درساً للآخرين لاستخلاص العبر واستفادة اجيالنا القادمة منها و لتجنب اللعب السياسية كما الخونة والجبناء استفاد من ثمرة نضالنا وعلى حساب دماء شهداء كورد وكوردستان ….
أنا شاهد على الكثير من الذي جاء في المقال وهي الحقيقة.
كانت ايام صعبة وللأسف أدت إلى فقدان الثقة بين حتى المناضلين الصلبين أصابهم لا أقول الخوف فحسب بل الهلع وهذه حقيقة مرة.
لم يمر بها المناضل علي حاول وحده بل مر به آخرين.
ولو كنت من قادة الحزب لقدمت اعتذارٱ المناضل علي حاول
وكان الأجدر أن يحتضن علي آنذاك وحتى إن لم يمتلك أدلة
لأنه قدم عائلته عدد كبير منهم في الأنفال.
ألف تحية وتحية لك أبو جمال.
اسمح لي أن أقول ألف تحية لك جمال مراتب.
تصحيح.
في السطر الأخير جاء خطأ املائي جمال مراتب.
علمٱ كتبت جمال مراني.وهو الإسم الحركي الذي كان يطلق على علي حاول.
وهناك ذكر لثلاث إخوة على أنهم من خانصور لكنهم من عشيرة السموقة مجمع دوگري والأخوين الأحياء لاجئين في ولاية نبراسكا الأمريكية.وايضٱ عائلة اخوهم المتوفي رحمه الله.
شكرا لشعورك اخي با خدر على قول الحقيقة . وعذرا على السهوة التي كتبها بما يتعلق في مسقط راس المرحوم الياس واخوانه كل
من الاخ حسن والاخ زعيم كنت اذن بانهم من اهالي خانصور …