مرَّ خبر العثور على رؤوس مقطوعة لخمسين امرأة أيزيدية ملقاة في صناديق قمامة، في آخر معاقل “داعش” في سوريا، بلا أيّ ضجَّة على الصفحات السورية المؤيّدة للثورة. بل إنَّ القلَّة الذين أوردوا الخبر وجدوا من يُذكّرهم -بصيغة أقرب إلى التقريع- بضرورة التركيز على مأساة الشعب السوري باعتبارها تتقدَّم على كلّ مأساة.
ولـمَنْ يذكر، لم يكن الحال أفضل عندما حصلت مأساة سبي الأيزيديات سنة 2014 وتحويلهنَّ إلى عبدات للجنس أُقيمت لهنَّ أسواقُ بيعٍ تمَّ تصوير بعضها بكاميرات أعضاء التنظيم، حيث اقتصر كثيرٌ من ردود الفعل على تكذيب حصول الواقعة أصلاً، أو التركيز على مسألة أنَّ “داعش” تنظيمٌ مُخترَق باستخبارات الدول بمعنى أنَّ ما حصل ليس أكثر من عملية ذات أهداف سياسية، أو المقارنة -بغرض التقليل من فداحة الجريمة- بين أعداد ضحايا الأيزيديين على يد التنظيم وأعداد ضحايا السوريين على يد النظام… إلى آخر هذه التنويعات التي استعملت طرقاً التفافية كي تتجنَّب المرور في الطريق الرئيسي لردّ الفعل المسؤول واللائق بمن يحمل همَّاً ثورياً.
والصحيح أنَّ مَثَل الأيزيديات ليس فريداً في بابه. فيوم حصلت مجزرة الكيماوي في الغوطة الشرقية سنة 2013، كان من بين السوريين الذين أدمتْ المجزرةُ قلوبَهم أشخاصٌ وضعوا صورة صدَّام حسين كصورةٍ شخصيةٍ لبروفايلاتهم. كان من بين الذين أبكتهم مجزرة الكيماوي في الغوطة أشخاصٌ قاموا بتبجيل صاحب مجزرة الكيماوي في حلبجة (1988)، في احتقار كامل لمأساةٍ كلّ ذنبها أنها وقعت على غيرنا!
بالطبع لم يكن الحال هكذا في بدايات الثورة، حيث كان التعاطف مع نضال الآخرين ومآسيهم سمةً من سمات الحراك الثوري في سوريا، وكان أيّ اعتداء موضعَ إدانة وشجب واضحَيْن. ولكنَّ الإيغال في الدمّ داخلياً، وإدارة الظهر للمأساة خارجياً، صعَّبا المهمَّة على الذين قرَّروا بأنَّ البوصلة الإنسانية والأخلاقية هي مرشد ودليل الثورات الحقَّة.
إنَّ عمق المأساة السورية لا يجب أن يكون سبباً للتعالي على مآسي الآخرين وتجاهلها والحطّ من شأنها، أو ذريعةً لأنانيةٍ ترغب في احتكار الوجدان الجمعيّ لنفسها. فالفارق الأخلاقي، وحدَه، هو الذي يمنح الفعل الثوري معناه ووجوده. كما أنَّ صرخة السبيَّة الأيزيدية لدى “داعش” تحمل البحَّة ذاتها لصرخة المغتصَبة السورية في سجون الأسد.
هذه السطور ليست للوعظ، إنما هي طريقة للقول بأنه لا يمكن لخمسين رأساً مقطوعاً ألَّا تعني لنا شيئاً. لا يمكن لتلك الرؤوس ألا تجد مكاناً سوى صناديق القمامة التي اختارها مجرمو “داعش” لرميها فيها. فتلك الرؤوس إذا لم نقم بإخراجها من المكان الذي تركها فيه السفَّاحون ستجذب إليها، مع مرور الوقت، رؤوسنا أيضاً.