مع نهاية الحرب العالمية الثانية، كانت القارة الأوروبية على موعد مع أكبر عملية تنقل سكاني على مر تاريخها. فإضافة لهجرة مئات آلاف اليهود الأوروبيين الناجين من الهولوكوست نحو الأراضي الفلسطينية، أجبر ملايين السكان من ذوي الأصول الألمانية على مغادرة أوروبا الشرقية للاستقرار بألمانيا أو الهجرة نحو دول أخرى.
وأثناء اجتماعات مؤتمر بوتسدام في تموز/يوليو 1945، اتفق الأميركيون والبريطانيون والسوفيت على ضرورة نقل السكان الألمان المتواجدين بدول أوروبا الشرقية، خاصة أولئك المتواجدين بكل من بولندا والمجر وتشيكوسلوفاكيا، والذين جيئ بعدد هام منهم إبان الغزو الألماني لبولندا واندلاع الحرب العالمية الثانية ضمن مشروع هتلر لسيادة المجموعة العرقية الألمانية بالشرق الأوروبي.
وأكد المجتمعون خلال المؤتمر على ضرورة اعتماد إجراءات إنسانية لضمان سلامة السكان ذوي الأصول الألمانية بأوروبا الشرقية أثناء عملية إرسالهم نحو ألمانيا.
كذلك باشر السكان الألمان منذ الأشهر الأخيرة للنزاع العالمي عملية مغادرة بروسيا الشرقية تزامناً مع تقدم القوات السوفيتية، والتي سبقتها سمعتها السيئة أينما حلت، حيث كثر الحديث حينها عن عمليات اغتصاب جماعية وأعمال انتقامية كان أبطالها جنود سوفيت بالمناطق المحررة من قبضة الألمان. ومع محاولتهم الفرار بحراً، غرق آلاف الألمان ببحر البلطيق عقب استهداف السفن التي كانت تقلهم من قبل الغواصات السوفيتية.
وفي بولندا، أجبر الألمان على التخلي عن منازلهم وبقية ممتلكاتهم لصالح البولنديين، حيث أقدمت الميليشيات البولندية على تجميع السكان الألمان بمراكز اعتقال قبل أن تباشر بعملية طردهم من البلاد. وفي تشيكوسلوفاكيا، أقصت السلطات أكثر من مليوني ألماني من البلاد وصادرت ممتلكاتهم. أما في المجر، فقد غادر ما يزيد عن 60 ألف ألماني البلاد قبل فترة وجيزة من نهاية الحرب، حيث عبر بعضهم الحدود ليتوجهوا نحو ألمانيا عبر نهر الدانوب.
وعقب نهاية المعارك على الساحة الأوروبية واستسلام ألمانيا، أصدرت السلطات المجرية قراراً يقضي بطرد جميع السكان ذوي الأصول الألمانية ليغادر بناءً على ذلك آلاف الألمان يومياً الأراضي المجرية. كما عمد السوفيت أيضاً إلى اعتقال أهالي العديد من القرى الألمانية بالمجر لإرسالهم نحو مراكز العمل القسري. ومع نهاية عملية التهجير، لم يتبق في المجر سوى أقل من 200 ألف ساكن من ذوي الأصول الألمانية.
وفي رومانيا، باشر عشرات الآلاف من الألمان المنحدرين من شفابن (Swabian Germans) والمجتمعات الساكسونية (Saxon communities)، والذين استقروا منذ زمن بعيد في مناطق ترانسيلفانيا (Transylvania)، بمغادرة البلاد للعودة نحو أرض أجدادهم بألمانيا ليتراجع عدد الألمان، الذي قدر قبل اندلاع الحرب، بنحو 780 ألفاً للنصف.
وعرف السكان ذووا الأصول الألمانية المقيمون في يوغوسلافيا، المقدر عددهم بنصف مليون حينها، مصيراً سيئاً، حيث اندلعت موجات عنف ضدهم أسفرت إما عن طردهم من البلاد أو إرسالهم نحو مراكز العمل القسري.
كما بلغت عمليات تهجير الألمان من أوروبا الشرقية أوجها خلال تموز/يوليو 1946، حيث تعرض يومياً ما لا يقل عن 14 ألمانياً للطرد ليجبروا على العودة إلى وطنهم الأم.
وإلى حدود عام 1950، بلغ عدد الألمان الذين تم تهجيرهم من أوروبا الشرقية 12 مليون نسمة. وتحدثت سلطات ألمانيا الغربية عن وفاة حوالي 600 ألف ألماني خلال عمليات التهجير.