في أواخر العهد الملكي، وبداية العهد الجمهوري، تحديداً خلال حكم الزعيم عبد الكريم قاسم، كانت غالبية الشارع العراقي رهن إشارة حزب الشيوعي العراقي، حيث كان له نفوذ كبير جداً في القطاعات العمالية، والفلاحية، والكسبة، والطلبة، وحتى في صفوف الجيش بدءاً من بعض قياداته المتقدمة، وانتهاءً بالمراتب الدنيا، والجنود المكلفين. بل تمددت تنظيماته الحزبية بشكل أفقي في كافة أرجاء البلاد، حتى بين فتيات وفتيان العوائل المحافظة في المدن الدينية أيضاً، كنجف، وكربلاء، وكاظمية، وأعظمية. وفي جنوب كوردستان، كان إلى سنة 1970 ينافس الحزب الديمقراطي الكوردستان من حيث سعت رقعة التنظيم وعدد المنضمين تحت لوائه، رغم أن المواطن الكوردي، يجب عليه أن لا ينتمي إلى أي حزب أو منظمة يحمل اسم العراق، لأن انتمائه إلى الكورد وكوردستان يلغي أي انتماء آخر، لأن انتمائه لغير حزب كوردستاني يخالف شرف انتمائه القومي والوطني الكوردي والكوردستاني، لأنه كما قلت، أولاً: إن الحزب المذكور يحمل اسم العراق، حتى وأن كان له تنظيماً باسم إقليم كوردستان، هذا لا يعطيه الحق أن يكون له تنظيم شيوعي تحت أية مسميات في كوردستان،كان هذا خلاف الماركسية اللينينية، لأن الشعب الكوردي يجب أن يكون له حزبه الشيوعي الخاص به كما هو الآن. ثم أن العراق الذي تأسس عام 1920 ليس وطناً للكورد. وثانياً: كان – الحزب الشيوعي العراقي– يعد ضمن الأحزاب الشيوعية العربية، ويحضر اجتماعاتها ومؤتمراتها التي تعقد في العواصم العربية الخ. على أية حال. هذا هو الحزب الشيوعي العراقي آنذاك، كان يعيش عصره الذهبي، لم يترك زاوية من زوايا العراق وجنوب كوردستان إلا وكان له فيها خلايا تنظيمية تناضل بلا هوادة من أجل تطبيق الاشتراكية العلمية .
مقابل هذا العملاق، الذي ينهل من منابع الفكر الماركسي، كان يقف حزب البعث القزم، – أقول قزم ليس تهكماً بل حجماً– الذي كان يحمل منظومة فكرية مختلفة عن فكر غريمه الشيوعي. أضف أنه كان يفتقد إلى قيادة سياسية رشيدة ومستنيرة، توازي قيادة الحزب الشيوعي العراقي، وكان يفتقد أيضاً إلى قاعدة شعبية عريضة، كتلك التي لدى الحزب الشيوعي. إلا أن قيادة حزب البعث كان يتفوق على قيادة الحزب الشيوعي العراقي في بعض الأمور الماكرة المستقبحة عند المجتمع، كالخبث، والنذالة، والسلوك السيئ. وتحركوا ديناميكياً ضمن مساحة هذه الخصوصية الشيطانية لكسر هيمنة الحزب الشيوعي على الشارع البغدادي خاصة والعراقي عامة. بادئ ذي بدء تحركوا على بعض الشقاوات أصحاب الألقاب المقززة ومن ذوي السوابق، نظموهم في صفوفهم كقوة ضاربة للحزب، منهم خالد دونكي، وكامل معلاگ ، صدام التكريتي، ناظم گزار، خالد طبرة، وهاب الأعور، قيس الجندي، كاظم پاشا، فاضل جلعوط، محي مرهون، حاتم الباوي،سمير الشيخلي، وليد الخشالي، حسين حبة، ستار لكله، وشقيقه جبار لكله، أنهما معروفان بين العرب بستار وجبار كوردي، لكن الكورد ينادوهم بـ“لكله” لأنهما ينتميان لعشير الـ“لك= Lak” الكوردية، التي مضاربها تقع في شرقي كوردستان بين مدينتي كرمانشاه وخُرم آباد (لرستان). وكان من بين هؤلاء الشقاوات أيضاً محمد فاضل، الذي قتل ستار لكله، شقيق جبار. وسعدون شاكر، وشقيقه ناطق شاكر، وسامي الوادي. وفي مدينة مندلي انظم لحزب البعث العروبي شخص غريب عن المدينة ومنبوذ بين أهلها اسمه مزبان خضر هادي، يحمل الجنسية التبعية الإيرانية، كان لدى هذا الشخص.. نوازع سيكولوجية شريرة، للخالق الحمد، يقبع الآن في السجن مع زمرته البعثية وينتظرون تنفيذ حكم الشعب بهم. بما أن الشيء بالشيء يذكر، هناك جريمة وقعت في مدينة مندلي عام 1963 عندها كنت تلميذاً في مدرسة “التهذيب” كان مديرها الأستاذ وليد، لا زالت صدى تلك الجريمة النكراء عالقة في فكري حين قتل رجال الحرس القومي ومن ضمنهم مزبان معلماً شيوعياً تحت التعذيب، لقد اهتز سكان مدينة مندلي لهذه الجريمة الشنعاء، لكن للأسف لا أعرف اسم هذا المعلم الذي نقل من بغداد إلى إحدى مدارس مندلي ووقع ضحية تحت أيدي هؤلاء الأوباش. كما أسلفت، إن هؤلاء نماذج من الشقاوات يتمتعون بجفاف أخلاقي، ضمهم حزب البعث في صفوفه لكي يواجه بهم حزب الشيوعي العراقي ويكسر بهم نفوذه الكبير في الشارع البغدادي، ونجح البعث في هذا الاختيار نجاحاً كبيراً، حيث استطاع أن يلحق الأذى بالشيوعيين ويغتال العديد منهم. على سبيل المثال وليس الحصر،اغتالوا شقياً محسوباً على الشيوعيين كان رجلاً شجاعاً ونصيراً للفقراء اسمه خليل أبو الهوب. وحاول البعث اغتيال شقي آخر محسوب أيضاً على الشيوعيين اسمه فوزي عباس (فوزي الكوردي) إلا أنه نجى من محاولة قتله بأعجوبة، لم يمت، بل صار ذو عاهة، لم يستطع بعد تلك المحاولة الغادرة السير على قدميه بسهولة. وفي ساحة السباع عندما تجمع الحزب الشيوعي العراقي عام 1968 بمناسبة انتصار ثورة أكتوبر في روسيا قام الشقي “جبار لكله” وسامي الوادي، وقوات الأمن التي بإمرتهما بقتل عدد من الشيوعيين، كـ“عبيد البدر، وليد الخالدي، أدور عبد النور” وجرح عدد آخر، واعتقل العديد من المشاركين الشيوعيين في ذلك التجمع السلمي، الذي حصل الشيوعيون على إجازة من النظام البعث نفسه للاحتفال به في الساحة المذكورة. أليس هذا يسمى قصاص قبل الجناية؟، وقتل خارج دائرة القانون؟.
دارت الأيام وإذا بحزب البعث، الذي في قاموسه، السياسة كذب ومراوغة وخداع فقط، لم يعد بحاجة إلى هؤلاء..، الذين يسمون عند العراقيين بالسرسرية، لأن نظامه الدموي صار قوياً بما فيه الكفاية، وذلك بفضل بيع النفط العراقي، أو من النفط الكوردي المنهوب من آبار كوردستان وعلى رأسها آبار كركوك السليبة، التي كانت تدر عليه مليارات الدولارات. لذا أوعز صدام حسين إلى بعض هؤلاء الشقاوات المعوقين ذهنياً لتصفية البعض الآخر، حيث قتل جبار الكوردي خالد دونكي، وأرسل صدام حسين شخص آخر قام بقتل جبار الكوردي، وهكذا، لم يقف صدام عند هذا الحد بل قتل فيما بعد شقيق جبار فتاح، وبعد فتاح قتل جهاز المخابرات العراقية بأمر من صدام شقيق جبار وفتاح المدعو محمد وذلك بتزريقه حقنة قاتلة، لم يقف عند هذا الحد بل قام بقتل زوج شقيقتهم المدعو أستاذ زكي، الذي لم يرتكب جرماً سوى أنه زوج شقيقتهم!. وهكذا دواليك إلى أن تخلص صدام حسين من جميع هؤلاء العتاة أصحاب السوابق. لقد حق القول: بشر القاتل بالقتل ولو بعد حين.. . وهذا الذي صار، حيث أن حكم الخالق لا يتقدم ولا يتأخر. مرت الأيام ومرت الأعوام وإذا بصدام حسين يجد نفسه واقفاً تحت حبل المشتقة ذاته، الذي علق به آلاف مؤلفة من الأبرياء، لقد اقتيد رئيس القتلة في الساعة المحددة له إلى الموقع، الذي كان يعدم فيه الآلاف من شابات وشباب الكورد والعرب دون أن ترف له جفن كما كان يقول هو عن نفسه. لكن قبل أن يرحل إلى حيث يستحق..؟، يجب أن يدفع الفاتورة التي عليه بالكامل للشعب والوطن، للعراق، وكوردستان، للشعبين الكوردي والعربي، لحلبجة، وبهدينان، والكورد الفيلية، والأنفال، وأهل دجيل، والشيعة في جنوب العراق، وللسنة الذين عارضوا حكمه البغيض الخ. بلى هذا هو حكم التاريخ العادل، على كل من أجرم ويجرم الآن ضد الأبرياء، ويتفنن بقتلهم، تارة يعلقهم بالحبال، وتارة بالرصاص، وتارة أخرى يلقيهم في أحواض الأسيد (تيزاب) الخ. لقد قام صدام بكل هذه الجرائم السادية والسلوك الإجرامي، من أجل هدف واحد لا غير، هو أن يرهب الشعب ومعارضيه كي لا يطمع أحد بالاقتراب من عرشه الذي استولى عليه بالغدر والخيانة ودماء رفاقه في الحزب. لكن كل هذا لم ينقذه من النهاية المحتومة، في لحظة تاريخية حدده العقل الكوني (الخالق)؟ لقد آن الأوان أن يرحل من هذا العالم عام 2006 كآخر شقي باقي على قيد الحياة في العراق،لقد رحل دون عودة، وأخذ معه حزبه العنصري إلى عالم غير المرئي، إلى عالم ذلك الثعلب الماكر، مخطط الانقلابات السوداء المدعو أحمد حسن البكر. لقد ذهبوا إلى الجحيم، نقوله لهم كما هم كانوا يقولون عن ضحايا الكورد البارزانيين، قاله صدام: ذهبوا إلى الجحيم. هاهم انتقلوا من على الأرض إلى بواطن الكتب فقط، التي تذكر أعمالهم الشنيعة، التي يندى لها جبين الإنسان، وبقي الشعبان الكوردي والعربي حيا، وهكذا بقي الحزب الشيوعي العراقي يتحرك على الأرض، رغم المطبات الخطرة التي واجهته في مسيرته النضالية، وبعض الشطحات المؤلمة التي صدرت منه في فترات متباينة، وأثرت سلباً فيما بعد على رصيده الجماهيري، إلا أنه لم يتعظ كما يجب من تلك الدروس القاسية التي مر بها مع نظام حزب البعث العنصري، حيث يشاهد هذا من خلال تكتله مع اليمين الشيعي في الانتخابات الأخيرة. لكنه يقول، أنه كما كان منذ تأسيسه يناضل بأسلوب حضاري راقي بعيداً عن استخدام العنف وترويع الآمنين، وشعاره المركزي وطن حر وشعب سعيد.
“الوطن هو الحب الوحيد الذي يخلو من أية خيانة“
28 02 2019