دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
من المرجح أن إسم (کاکەيي Kakeyî) متأتي من كلمة (كێو Kêw) التي تعني بالكوردية (الجبل)، حيث أنّ الموطن الأصلي لأسلاف الكورد هو سلسلة جبال زاگروس. وكلمة (كێوي Kêwî) تعني (جبلي) وأنّ هذه الكلمة تكون قد تغيّرت الى (كاكا أو كيكا) في زمن أسلاف الكورد الكاشيين وثمّ الى (كاكاي) و (كاهكاهي) وأخيراً تثبّت الإسم الحالي (کاکەيي).
تمتد جذور كلمة (کاکە) الى أعماق سحيقة من التأريخ، حيث أنّ عدداً من حُكّام كوردستان القدماء تلقبوا بِكُنية “كاكه أو كيكا”. أحد ملوك أسلاف الكورد الكاشيين والذين حكموا منطقة لورستان الحالية، كان إسمه (أكوم كاك ريمي) الذي إستطاع لأول مرة أن يحكم بابل، حيث أنه إنتهز فرصة الغزو الهيتي (الحثّي)، فأثبت حكمه هناك في حوالي سنة 1590 قبل الميلاد. كما أنّ أحد حُكّام مقاطعة (خوبوشكيا) كان إسمه (كاكي) الذي حكم خلال مطلع الألف الأول قبل الميلاد. كان الحكام الميديون (700 – 550 قبل الميلاد)، تسبق أسماءهم كلمة (كەی KEY) و التي تعني “عظيم أو نبيل، مثل (كَي خسرَو KEYXESREW) و (كَي كاوس KEYKAWIS) و غيرهما. كما يذكر المؤرخ الپروفيسور جمال رشيد أحمد أنّ كلمة (كاكەیی) هي كلمة آريانية مذكورة في النصوص الآشورية بِمفهوم (العم أو الخال)[1] وتعني اليوم (الإخوة الكبار) وأصبحت إسماً لِعشيرة كوردية للدلالة على العلاقات الأخوية التي تربط أفراد هذه العشيرة بعضهم بالبعض. من جهة أخرى يرى الأستاذ (مەحەمەد ئەمین هەورامانی)، بأنّ أصل كلمة “کاکە” يعود الى كلمة “گائاکە” التي جاءت في الكتاب الزردشتي المقدّس (آڤيستا) بِمعنى (كبير أو عظيم أو رئيس)[2]، إلا أنّ ظهور إسم (کاکەیی) يسبق ظهور الديانة الزردشتية بِزمنٍ طويل ولذلك من المرجح جداً أنّ زردشت إقتبس هذه الكلمة الآريانية القديمة من اللغة التي كانت متداولة من قِبل أسلاف الكورد الكاشيين والميديين.
كما أنّ الأساطير والملاحم الهندية القديمة تذكر إسم (كاكەيي) الذي كان آنذاك عبارة عن إتحاد قبلي، يتكون من قبائل عديدة، حيث أنّ إحدى أقدم القبائل الكوردية في منطقة مريوان الواقعة في إقليم شرق كوردستان، تحمل إسم (Ramik) الذي يرجع الى الكلمة الآريانية القديمة (Rama) والتي تعني (شعب أو قوة مسلحة)[3]. تقطن هذه القبيلة في منطقة (سِنه)، حيث أنّ إسم هذه المنطقة يرجع الى الكلمة الهندية القديمة (Sena) التي تعني (جيش)[3]. حسب الأسطورة الهندية القديمة، كان لِ(Rama) زوجة ثانية إسمها (كاي كايا)، التي أحفادها تأريخياً هي قبائل (Kka) التي ترتبط مباشرةً بِصلة القربى مع قبائل (كاكايي) في منطقة (مريوان) في زاگروس[3، a].
تتطرق الملحمة الهندية القديمة (ماهابهارات) الى كاكاي (كاكائيين) من قبيلة (كورو)، أتباع كاوراڤيين (Kayravs). حسب الملحمة الهندية القديمة، فأنّ (ككاي) هم شعب تاريخي أصيل من السُلالة الملكية الكبيرة الحاكمة في بلاد پنجاب الواقعة في أراضي ما بين نهرَي (Biasa) و (Satleja). أسطورة (Kirate) (1 – 4)، تتحدث عن كاكاي قائلةً: {(ففي اللحظة التي تناهى الى أسماعهم الحديث عن طرد (الپانداويين) وحرمانهم من كل شئ، دخل (بِهوجي) و(فريشي) مع الآنداهاكيين (قبيلة آرية)، الغابة العظيمة[4، a]. أبناء وزعماء قبائل پانچال (دروپادیین)، حُكّام (Ched) والمقدامان العظيمان الماجِدان والمشهوران في جميع أنحاء الكون، الأخَوان (Kekay) – جميع هؤلاء إحتدمهم الغيظ والإستياء، إنضمّوا الى (Partham) في الغابة}[4، a].
في الفصل (34) من نفس الكتاب، يتحدث (Bhimasen) الى الملِك قائلاً (كيف لا نتمكن من الدفاع عن مملكتنا يا كاونت، عندما يقف معنا كل من (سرينجاي) و(كاكاي)، بل وحاكم (الفريشيين) نفسه؟). في الفصل 48 (11 – 14) من كتاب (الأسطورة عن عروج إنديرا الى السماء)، تمّ الحديث عن قبيلة كاكاي كما يلي: (ما أن سمِع عن هزيمة (الپانداویین) في (كوستي) حتى أسرع مُدمّر (مادهو) الدائم (الإله كريشنا) الى (كامياك) ليلتحق بالپارتهامیین. كما قدِم أبناء الدراوپادیین، وعلى رأسهم كلٌّ من (دهريشتاديوم)، (ڤیرات)، (دهريشتاك) وأيضاً مقاتلوا المركبات (العربات) العِظام (كاكاي) [4، a].
في كتاب (الأساطير حول الأماكن المقدسة الى تيرتهام)، إتخذ رب (ڤیشنا) هيئة إله (كريشنا) – ڤاسودیڤـ ويقول {عندما نحن من حُكّام پانچال، الروح العظيمة، وأيضاً مع حاكم (Ched) ومع الكاكائيين، نقوم بالهجوم على الأعداء وندخل في حرب ….}5، 6]. لم يشك يوماً ما أحد العلماء بوجود كورد (كاكاي) أو (قبيلة كاكايي) الواردة ذكرها الى جانب الپهلویین (الپارث)، والشاكيين (الساكيين)، والياڤیین (الپانتیین)، والداردويين (إقليم دارديستان في شمال الهند)، والباهليكيين (الباكتيريين) والى آخرهم[5]. ليس هناك أدنى شك في أنّ (كاكايي مهابهارات)، إثنياً يتطابق تماماً مع الكورد الكاكائيين (Kakey) القاطنين حالياً في كوردستان[6].
يُعتبر الكورد القدامى سادة التاريخ الڤیدو-آري وأنّ الكورد وحدهم من بين العناصر الهندو-آريانية، من أنساب ملِك كورو، الملِك الخامس المُنحدر من (سوم ناخوشي). يُعتبَر (كورو) سادة الكاوراويين، الذين طبقاً للملحمة، ساندوا (كاكاي) دوماً. تاريخياً، كان (كورو) من قبائل بهارات الهندو-آرية (حسب الأسطورة، كلاهما من أجداد القبائل) التي كانت تقطن أراضي (كورو كشتيري) والتي ساهمت في تكوين حضارة وادي (گانغ)[5، 6].
كوروكشاتر (أرض كورو في منطقة دلهي)، التي قطنها يوماً ما (كورو) الذين أقاموا منذ أيام الملحمة في القرن الخامس – الرابع قبل الميلاد، تربطهم أواصر القربى مع (أوتار كورو “كورو الشماليين”) القاطنين حينذاك على الأرجح في منطقة كشمير الحالية[5، 6]. في هذا الوقت، على طول الإمتداد من جنوب أورال حتى آسيا الوسطى وبعيداً عن كشمير، كان يقطن أعالي جبال (هندو كوش)، أقرباء لكُلّ من كورو والكورد الكاكائيين، أجداد المجموعات اللغوية الآريانية لل(باش كورد) المعاصرين (ساكو، مساگيت، خوارزمي) الذين تحدّث قائدهم (فاراسمان) الى الإسكندر المكدوني في سنة 327 قبل الميلاد، حيث إنحدر الهندو-آريون كورو حسب الأسطورة من قمر (سوم)[6، 7]. في الميثولوجيا الباش كوردية، كانت (هوماي) إبنة ملِك الشمس (سامراي) التي هي كبيرة الآلهة، ومن زواجها من (أورال)، جاء الباش كورد المعاصرون، حسب الأسطورة. (سوما) الڤیدي يتطابق مع (هاوما) الآرياني القديم، حيث يتم تبادل حرفَي (س) و (ھ) بينهما، و نستنتج من ذلك بأنّ قبيلة الڤیدو – الملحمية الهندو-آرية (كورو) تُعتبر العنصر الأقرب من حيث نسب الدم لِ(باش كورد) في أورال، لأنّ كلاً من (كورو) و(كاكائية) و(باش كورد) ينحدرون من جدّ واحد (سوما “هوما”)، حيث أن (باش كورد) و(الكورد) هم أقارب[6، 7].
نستنتج مما سبق بأنّ للكاكائية تاريخ عريق وأنّها كانت عبارة عن إتحاد قبلي. كانت هناك قبائل عديدة تنتمي الى الكاكائيين، مثل القبائل الكوردية، گۆران، جَلالەوەند، كالهان، بالابائلي، چاراكلي، برسيمي، شيخ حسانلي، كورشلي، ولياك، وغيرها.
تعضيداً للمعلومات السابقة عن الكاكائية، أطلق المسعودي قبل ألف وأربعة وثمانين (1084) سنة، إسم (كاهكاهي) على جميع الكورد الساكنين في المناطق الجبلية[8]. بمرور الزمن إنفصلت سُلالات الكاكائيين وأصبحت كل سُلالة تُشكّل عشيرة مستقلة وإقتبست إسمها كعشيرة، من إسم السُلالة الكاكائية التي كانت تنتمي إليها، مثل السُلالة الأردلانية والزازائية وغيرهما. إحتفظ قسم صغير من هؤلاء الكورد بإسمهم القديم والذين هم الكاكائيون الذين نراهم اليوم.
هكذا نرى بأن الإسم (کاکەيي Kakeyî) عبر التأريخ الكوردي، كان عبارة عن إسم شخص أو لقب ملِك الذي يُقابل لقب (صاحب الجلالة) أو (صاحب الفخامة) المُستعملَين في الوقت الحاضر كلقب للملِك و لقب رئيس الدولة على التوالي وثمّ أصبح هذا الإسم إسماً لِإتحاد قبلي كبير، يمتد موطنه من الهند الى كوردستان. بمرور الزمن، نتيجة زيادة سكان هذا الإتحاد القبلي وتداولْ أقوامٍ كثيرة في إحتلال المنطقة، ونتيجة الحروب والهجرات والمجاعة والأمراض وإنسلاخ سُلالات كثيرة عنه وتكوينها قبائل مستقلة، تشتّت الكاكائيون وإنقطعت إتصالات بعضهم عن البعض الآخر، وبذلك بقت مجموعة صغيرة من الكاكائيين، يحتفظون بإسم إتحادهم القبلي (كاكه يي) والتي تبلغ نفوسها حوالي 200 ألف فرد فقط ويعيشون في إقليم جنوب كوردستان. لذلك فأن (کاکەيي) أصبح الآن إسماً لِعشيرة تعيش في إقليم جنوب كوردستان، يعتنق أفرادها الدين اليارساني الذي هو أحد فروع الدين اليزداني، الى جانب الدين الإيزيدي والهلاوي.
كما أود أن أذكر هنا بأنّ هناك قلةٌ قليلة من الكاكائيين الإنتهازيين وذوي النفوس الضعيفة، الذين يميلون مع الرياح الى حيث الجهة التي تهبّ إليها ويُغيّرون ألوانهم حسب “المواسم” السياسية، لتحقيق مصالحهم الشخصية على حساب مصلحة عشيرة (كاكەيي) ومصلحة الشعب الكوردي، فيحاولون القضاء على الدين اليارساني الذي يعتنقه أفراد هذه العشيرة العريقة، والذي عمره آلاف السنين، من أجل حصولهم على المناصب والأموال. إنّ القضاء على الدين اليارساني غير ممكنٍ أبداً، بالإضافة الى تمسّك أكثرية الكاكائيين بِدينهم اليزداني، فهناك أكثر من أربع (4) ملايين يارساني في إقليم شرق كوردستان وهناك الملايين من الزازائيين وغيرهم من اليارسانيين في إقليم شمال كوردستان وهناك يارسانيون في الهند وپاكستان وغيرها من الدول. لا يكتفي هؤلاء بمحاولة القضاء على الدين اليارساني لعشيرة (كاكەيي)، بل يحاولون سلخ هذه العشيرة الكوردية العريقة عن الشعب الكوردي وإعتبارها قومية مستقلة، إلا أن هذه المحاولات البائسة ستفشل لأنه لا يمكن حجب أشعة الشمس بِغربال، حيث أنّ إسم هذه العشيرة هو كوردي ولغتها كوردية وكُتبها الدينية مكتوبة باللغة الكوردية ولها تراث وتاريخ كوردي عريق وروحها كوردستانية كوردية.
المصادر
1. الدكتور جمال رشيد احمد. ظهور الكورد في التأريخ – دراسة شاملة عن خلفية الأمة الكوردية ومهدها. الجزء الثاني، الطبعة الثانية، 2005، صفحة 904.
2. محەمەد ئەمین هەورامانی. کاکەیی. چاپخانەی الحوادث، بەغداد، عیراق، 1984،لاپەڕە 65.
3. صلوات گولياموف. آريا القديمة وكوردستان الأبدية (الكرد من أقدم الشعوب). الترجمة من الروسية: د. اسماعيل حصاف، متابعة وتدقيق مارگريت حصاف، 2010، صفحة 432.
4. المصدر السابق، صفحة 548.
5. المصدر السابق، صفحة 549.
6. المصدر السابق، صفحة 549، 550.
7. كُتب مهابهارات (Aranyakparva). الترجمة الى الروسية: ي. ف. ظاسيلطوظا و س. ل. نيظيليطوي، موسكو، 1987.
8. المسعودي. مروج الذهب. الجزء الرابع، سنة 934.
a. Syredra Moxan. Vedicheskie Taynstva. Veda Bharan Bangalor. New York, London, Minsk, 1999, p. 61-63.
بحث جميل وقيّم , لكن لا أرى فيه حاجةً إلى هذا التطويل والإطناب ، (بلاشك كاكة ) كلمة كوردية قديمة جداً ومعروفة في لغتهم حتى اليوم وتعني الاخ الأكبر , وفي بعض العشائر الكوردية يُنادون الاب أيضاً ب كاكؤ إذا كان الجد على قيد الحياة , أول و أقدم إسم كوردي سمعنا به هو كيخسرؤ الذي خلف أباه المسمى خسرؤ أيضاً, فمُيّز عنه بلقب كي, أ ي الكاك خسرؤ كما هو مستخدم الآن , وهي ليست مشتقة من الجبال فكان الكورد يسكنون الجبال والسهول أيضاً فالكيشيون حكموا في بابل وكذلك الأشكان والساسان والكوفة مدينة السنجاريين الذين الآن يسكنون الجبل فقط ومثلهم الدروز والعلويين المستعربين سكان جنوب العراق , والجبل لا يُسمى ب (كيو ) في أية لهجة من الهند وإلى تركيا هو كوهـ و كوهستان والئيزديون أستخدموا كيستان أيضاً والمعروف عند الكورد هو جيا فقط ,
كورؤ الذي نوّهت عنه هو كورش الكبير الذي كان يُنادي جنده بأسمائهم وهو أخميني لكنه جزء من التاريخ الكوردي ـ الإيراني فهو مسلسل بدأه الميديون وإنتهى بالساسانيين , أما الكيشيين فهناك هوة زمنية كبيرة بينهم وبين الميديين من 1200 ق م إلى 728 ق م وإذا كانوا كورداً فهم السنجاريون لا جدال في ذلك, فقصة جم جمي سلطان الكيشي حية ومهمة عند الئيزديين وهو جمشيد جم الإيراني غير معروف الهوية , فقط إنه أسطوري
أما عراقة العشيرة الكاكئية فلا جدال في ذلك وكل من تبقى بهويته واحتفظ بكثير من خصائصه تحت سيف الإسلام لقرون فبلا شك فبلا شك معجزة ومكانه الذرى بين الأقوام , أما علاقتهم بغيرهم من العناصر الآرية فحدث ولا حرج كالئيزديين تماماً لا تخلو عشيرة من بعض الأقارب الذين نجوا من الموت بقبول الإسلام , وهم الآن مسلمون أقارب لبعض الئيزديين أقرب إليهم من ئيزديين آخرين ولابد أن هذا قد حدث مع الكاكئيين أيضاً