عندما وقعت عينا القس الأمريكي أندرو برانسون على إخطار الاستدعاء من الشرطة التركية على باب بيته في أواخر صيف 2016 اعتقد أنه لقاء عادي لحل مشكلة أوراق إقامته في تركيا.
وعندما توجه القس إلى مركز الشرطة في السابع من أكتوبر 2016 تم احتجازه ووجهت إليه تهمة الضلوع في محاولة انقلاب، ولا يزال محتجزا وأصبح الآن محور أزمة دبلوماسية غذى وقودها أخطر أزمة عملة تواجهها تركيا منذ حوالي 20 عاما.
وكان برانسون يعيش ويمارس نشاطه التبشيري في أزمير المدينة التركية الواقعة على ساحل بحر إيجه بالقرب من بعض من التجمعات العمرانية الأولى في تاريخ الديانة المسيحية.
في حي السنجق في إزمير الذي كان برانسون يعيش فيه وصفه صاحب صيدلية هو وزوجته بأنهما “هادئين”، فيما قالت صاحبة متجر يبعد شارعين عن بيته إنها لم تلتق به قط، مضيفة أنها تعرف الجميع في الحي وليست لديها أدنى فكرة أن هؤلاء الناس كانوا يعيشون هنا.
وتؤكد الحكومة التركية أنها كذلك لم تكن تعلم شيئا عن برانسون إلى أن أثارت القنصلية الأمريكية قضيته.
وقال برانسون في أول جلسات محاكمته التي حضرتها رويترز إنه يعمل على تنشئة أتباع يسوع في بلد يكن له حبا شديدا.
وفي يوليو وبعد قضاء قرابة عامين في السجن تم نقل برانسون إلى الإقامة الجبرية، ويوم الجمعة 17 أغسطس رفضت محكمة استئناف إطلاق سراحه، وقالت إن عملية جمع الأدلة لا تزال جارية وإن من المحتمل أن يفر من البلاد وذلك وفقا لما ورد في نسخة من قرار المحكمة.
وطالب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالإفراج عن برانسون دون قيد أو شرط ووصفه بأنه “رهينة وطني عظيم”، وفرض عقوبات ورسومات جمركية على تركيا الأمر الذي كان له دوره في دفع عملتها الليرة للهبوط إلى مستويات قياسية.
أما الرئيس التركي رجب طيب أردوغان فربط إطلاق سراح برانسون بمصير فتح الله غولن الداعية الإسلامي التركي الذي يعيش في الولايات المتحدة، ويتهمه أردوغان بالوقوف وراء محاولة الانقلاب التي وقعت في يوليو 2016، ورد أردوغان بزيادة الرسوم الجمركية على ما تستورده بلاده من الولايات المتحدة من سيارات ومشروبات كحولية وتبغ.
وقال الرئيس التركي في خطاب لضباط الشرطة في أنقرة موجها حديثه للولايات المتحدة “أنتم أيضا لديكم قس غولن.. سلموه لنا.. ثم نحاكمه (برانسون) ونسلمه لكم”، وقد رفضت واشنطن هذا الاقتراح.
ودفع تدهور العلاقات بين البلدين العضوين في حلف شمال الأطلسي بقضية برانسون إلى صدارة المسرح الدولي وجعل القس الأمريكي البالغ من العمر 50 عاما محور اهتمام غير متوقع في أزمة العملة التي هزت الأسواق الناشئة على المستوى العالمي.
ورفضت المحاكم التركية الالتماس تلو الالتماس للإفراج عن برانسون والسماح له بمغادرة تركيا.
وقال المحامي هالافورت إن القس برانسون القادم من نورث كارولاينا لم يكن منزعجا عندما ذهب إلى مركز الشرطة أول مرة، وكان أسوأ ما توقعه أن تمنحه السلطات مهلة أسبوعين لمغادرة البلاد وهو الإجراء المعتاد في حالة مخالفة قوانين الإقامة ثم العودة إلى تركيا عندما يتم تسوية أوراقه، وبدلا من ذلك تم حبسه في مركز احتجاز لمدة شهرين قبل القبض عليه رسميا في التاسع من ديسمبر 2016.
وتبين قائمة اتهامات بحسب ما نقلته وكالة رويترز أن السلطات وجهت إليه تهمة ارتكاب جرائم لحساب حزب العمال الكردستاني الذي يشن حملة تمرد على الدولة التركية منذ عشرات السنين ولحساب شبكة غولن.
ويتضح من قائمة الاتهام ومقابلات مع محاميه وثلاثة من جلسات المحاكمة أن الاتهامات الموجهة إلى برانسون تتركز حول دعم الأكراد الانفصاليين وإجراء اتصالات مع من تقول السلطات إنهم دبروا الانقلاب الفاشل.
وصرح برانسون للقاضي في أول جلسات المحاكمة في أبريل: “جئت إلى تركيا عام 1993 لأحكي للناس عن يسوع المسيح”، وكان يرتدي بذلة سوداء وقميصا أبيض ويتحدث بطلاقة باللغة التركية متجاهلا المترجمين الاثنين الذين كلفتهما المحكمة بترجمة أقواله.
وأفاد بأنه لم يفعل شيئا في الخفاء قط خلال وجوده في تركيا، مضيفا أن الحكومة كانت تراقبه طوال الوقت وانه لم يفعل شيئا ضد تركيا.
أدلة دامغة
وتساءل ممثلو الإدعاء عن سبب سفره مئات الأميال من كنيسته على الساحل الغربي في تركيا إلى الجنوب الشرقي الذي يغلب عليه الأكراد وينشط فيه “حزب العمال الكردستاني”.
ومن الأدلة الداعمة للاتهامات رسائل على هواتفه وتفاصيل عن سفرياته وشهادة من المترددين على كنيسته كما يشير قرار الاتهام إلى 3 شهود سريين يشار إليهم رمزا بأسماء “صلاة” و”نار” و”شهاب”.
كما تستند قائمة الاتهامات إلى بيانات تحركاته عبر نظام تحديد المواقع والتي تبين قيامه برحلات إلى سوروك قرب الحدود السورية وإلى مدينة ديار بكر الكردية وإلى اجتماع عقده في 2010 مع رجل وصفه أحد الشهود السريين بأنه جندي من القوات الخاصة الأمريكية.
وصرح برانسون إن رحلاته إلى المناطق الكردية كانت تهدف لمساعدة اللاجئين الهاربين من الحرب في سوريا.
كما نقلت قائمة الاتهام عن الشاهد السري “صلاة” قوله إن هناك صلات بين برانسون وأشخاص يعتقد أنهم أفراد بارزون في شبكة غولن.
وأوضح محامي الدفاع هالافورت أن الشاهد فشل في تقديم أدلة ملموسة على أي من هذه الاتصالات، فيما أشار الادعاء في قائمة الاتهامات إلى أن تسجيلات هاتفية لبرانسون وشهادة الشاهد تؤكد هذه الاتصالات.
وألقت تركيا القبض على 160 ألف شخص منذ الانقلاب الفاشل ووجهت اتهامات رسمية لنصفهم تقريبا واحتجزتهم في السجون خلال محاكماتهم، ولم يكن برانسون في تركيا أثناء محاولة الانقلاب لكن محاميه يقول إنه عجل بالعودة بعدها، وفي إحدى الرسائل الواردة في قائمة الاتهامات وصف محاولة الانقلاب بأنها “صدمة”.
وجاء في الرسالة المؤرخة بتاريخ 21 يوليو 2016 والموجهة إلى قس آخر “كنا ننتظر بعض الأحداث التي تهز الأتراك وتمهيد الظروف لعودة يسوع.. أعتقد أن الوضع سيزداد سوءا.. سننتصر في النهاية”.
ولم ينف برانسون إرسال تلك الرسالة لكنه قال إنها أسيء فهمها.
ومن المقرر أن تعقد جلسة محاكمة برانسون المقبلة في شهر أكتوبر 2018.
وهل تصدقون ذلك ؟ كم أنتم مجنونون ؟