أحمد محمد/ مركز الاخبار

منذ انطلاق الأزمة السورية وانحراف مسارها ودخولها في معترك الحرب الأهلية في مختلف الجغرافية السورية, استطاعت مناطق شمال وشرق سوريا درء نفسها عن تلك الحروب والأزمة من خلال انتهاج الخط الثالث في إدارة مناطقها وحمايتها من أي تدخل خارجي والإيمان بالتعايش المشترك، وأصبحت من الأكثر المناطق أمناً مقارنة مع المدن السورية الأخرى, هذه الأرضية سمحت بتوافد الآلاف من النازحين واللاجئين إليها, وتزايدت أعدادهم بعد ظهور مرتزقة داعش, وخاصة مع قرب القضاء على داعش.

ولعل جل من نزح إلى مناطق شمال وشرق سوريا بحثوا عن الأمن والاستقرار, ولكن الذين نزحوا في الآونة الأخيرة ومن الجيب الأخير الذي يتحصن فيه مرتزقة داعش هم عبارة عمن تبقوا من عوائل مرتزقة داعش وعناصره من مختلف الدول العربية والأوربية والاتحاد السوفيتي, ويستقرون في مخيمات خاصة بالشمال السوري وتديرها الإدارة الذاتية الديمقراطية لشمال وشرق وسوريا، ولا سيما بعد التخاذل الدولي عن استعادتهم ومن أهمها مخيم الهول.

وينقسم حالياً مخيم الهول إلى قسمين، إن صح التعبير بين عوائل مناصرة ومؤيدة إلى الآن لمرتزقة داعش تنتظر العودة إلى بلدانها, وعوائل غرر بها للانضمام إلى المرتزقة, وبين هذه وتلك يبقى الخطر قائماً على مناطق الشمال السوري بشكل خاص والدول العالمية بشكل عام, نتيجة لعدم اكتراث الدول المعنية بمواطنيها ممن انضموا إلى صفوف المرتزقة لإرجاعهم ومحاكمتهم في بلدانهم.

وبعد بدء المرحلة الأخيرة من حملة عاصفة الجزيرة في الـ10 من أيلول، وتحرير الآلاف من المدنيين وعوائل المرتزقة، ولتلافي خطر ظهور مرتزقة داعش من جديد, طالبت الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، كافة الدول التي لديها مرتزقة محتجزين لدى قوات سوريا الديمقراطية وفي سجونها بأخذهم ومحاكمتهم أو فتح محكمة دولية لمحاسبة هؤلاء أمام المحاكم الدولية والمعنية بقضايا الإرهاب.

إلا أن هذه الدعوة لم تلقَ آذاناً مصغية لدى تلك الدول بعد، ويستمر تواجد هؤلاء المرتزقة في السجون, وتبقى عوائلهم في مخيمات خصصتها الإدارة الذاتية الديمقراطية وسط أجواء أمنية عالية المستوى للحد من فرار بعضها الى المناطق المحررة, أو إلى الدول الإقليمية والمجاورة, ولا يزال الخطر من عودة انتشار هذا الفكر وانتعاشه قائماً إن لم تتخذ الجهات الدولية المعنية خطوات جادة وغياب تحمل مسؤولياتها.

ومن بين المئات من أمثلة العوائل المناصرة لمرتزقة داعش في مخيم الهول إحدى نساء مرتزقة داعش تدعى نجوى جادر الأردنية الأصل، تسمي نفسها بأم حسين الجرابلسي, وهي أم لـ 3 قتلى من مرتزقة داعش قتلوا في مناطق متفرقة على أيدي مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية, انخرطت مع مرتزقة داعش منذ بداية ظهور المرتزقة عام 2013 بعد انضمام زوجها وثلاثة من أبنائها إلى المرتزقة, تقول “لست نادمة لاتباع هذا الطريق وإن كان لدي أبناء آخرين لكنت أرسلتهم في هذا الطريق”.

أما من الفئات الأخرى ممن غرر بهم للانضمام إلى المرتزقة ولا سيما من يسمون بالمهاجرين, زوجة أحد مرتزقة داعش الألمانية والمعروف بأبو عدنان الألماني وتدعى ازوليد سكاتشماند, والمعروفة في صفوف المرتزقة باليمامة محمد، في العقد الثالث من عمرها, تقول” إن ما روج له إعلاميو داعش كان كذباً وافتراء والواقع يعكس مدى زيف تلك الدعاية التي عمل عليها, ففي صفوف داعش لم أرَ سوى الظلم والقتل وإهانة الآخر, وأنا عانيت منهم كثيراً، لذا أطالب بالعودة إلى بلادي, أنا اليوم نادمة وأتمنى لو يعود بي الزمن قليلاً لما كنت هنا اليوم”.

هنا ومن خلال التصريحات وخلال التجول والانخراط في الحديث مع عوائل مرتزقة داعش في القسم المخصص لهم ضمن مخيم الهول, يتبين مدى انقسام هذه العوائل بين مؤيد ونادم على الانضمام إلى المرتزقة, ويتضح بأن فئة تقارب الـ80 بالمئة لا يزالون مؤيدين ومناصرين لمرتزقة داعش, رغم انحسار المرتزقة في مساحة صغيرة, تعتبر ساقطة عسكرياً.

وبحسب الرئاسة المشتركة لمخيمات إقليم الجزيرة والمسؤولة بشكل مباشر عن مخيم الهول ماجدة أمين فإن عملية إجلاء هذه العوائل مرتبطة بالجهات الأمنية والعسكرية, والعلاقات الخارجية لإدارة شمال وشرق سوريا, مؤكدةً  بأن الإدارة تبقى على تواصل دائم مع الجهات الإقليمية والدولية لتحمل مسؤولياتهم تجاه هذه العوائل التي قد تشكل خطراً في المستقبل على المنطقة.

هذا ولا تزال موجات نزوح أهالي قرية الباغوز وعوائل مرتزقة داعش في تلك المنطقة مستمرة إلى اللحظة, وتصل إلى مخيم الهول, الذي بات يحتضن أكثر من 51 ألف نازح ولاجئ ومن عوائل مرتزقة داعش, بالتزامن مع عملية قوات سوريا الديمقراطية ضد آخر جيوب مرتزقة داعش في إطار معركة دحر الإرهاب.