الثلاثاء, نوفمبر 26, 2024
Homeمقالات    مأساة النازحين العراقيين قيامة كبرى    مصطفى محمد غريب

    مأساة النازحين العراقيين قيامة كبرى    مصطفى محمد غريب

لا بد من كشف الحقيقة المرة والمؤلمة بأن مأساة النازحين العراقيين من جميع المكونات العرقية والقومية والاثنية لا توصف لتعدد جوانبها الكارثية، كأنما القيامة قامت وأنت تشاهد هذه التجمعات البشرية الهائلة التي تزحف في بدايتها  تعد بالملايين، فالهجرة والنزوح زرافات وزرافات تنزح خوفاً ورعباً وهرباً من الحروب ومن بطش داعش أو الميليشيات الطائفية بما ثبت من تجسد هذه المأساة وإطالتها من خلال واقعها المرير بعد النزوح، وبمجرد التفكير الصائب فهي  تحتاج إلى حلول سريعة وجذرية بدلاً من التلكؤ والمراوغة والانتظار، وواقع المخيمات والأماكن الأخرى أصبحت كالجحيم تهدد ومازالت تهدد عشرات الالاف من حياة المواطنين العراقيين وعائلاتهم إذا بقت المراوحة وعدم الاهتمام . لقد  ذكر التاريخ الكثير من المآسي التي لحقت بالشعوب وتنوعت هذا المآسي ما بين حالة وحالة فمنها الأوبئة والفيضانات والهزات الأرضية والبراكين الطبيعية والحروب الخارجية والداخلية ، والاحتلال من قبل قوى خارجية وداخلية ومنها السياسات الدكتاتورية والفاشية …الخ  والمأساة لا تقتصر على حياة المواطنين فحسب بل تشمل أوضاعهم السكنية والخدمية  والصحية والتعليمية والثقافية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية، فالحروب إضافة إلى القتل والإبادة الجماعية أو الإصابات التي تحمل بين طياتها تدمير وتخريب المدن والمساكن والمنشآت الصناعية والتجارية والزراعية وغيرها، كما ينتج عنها آفات اجتماعية ونفسية ومرضية  تصاحب الإنسان مدى حياته بسبب هجرة وهروب ونزوح أعداد تعد بالملايين أحيانا وأخرى بعشرات الالاف من البشر الذين ينزحون ويهربون للجوء  والسكن في أماكن تعد في كثير من الأحيان غير صالحة كأنها زرائب للحيوانات، هذه المعاناة شملت الكثير من الشعوب عبر التاريخ وفيها تروى أبشع الأقاصيص والروايات تحمل عذاب الأجساد وأرواح بشرية دمرتها مأساة النزوح وهرب الالاف من الرجال والشيوخ والنساء والأطفال خوفاً على حياتهم والسعي لإيجاد أماكن آمنة ولقمة خبزٍ تستطيع سد رمقهم وإبقائهم على الحياة، أما المسببين الرئيسيين وأعوانهم  فهم يتسلون بالإرباح وبالمأساة ويفاخرون بنتائجها وفي الوقت نفسه يبكون ويذرفون دموع التماسيح على ضحاياهم وضحايا المأساة .

المواطن العراقي ابتلى بهذه البلوى التي بدأت تقريباً منذ أن جاء حزب البعث العراقي وحرسه الأسود في 8 شباط 1963 ، وكانت سابقة على الرغم من صغرها لكنها كانت بداية المأساة في العراق الحديث، فنتيجة الإرهاب والقتل والملاحقات والحرب الداخلية في كردستان العراق نزح أو هرب أو أرغم عشرات الالاف داخلياً بتغيير مواطن سكناهم، وخارجياً هاربين من بطش الإرهاب السلطوي، وتكررت المأساة على امتداد الحقب التي تلت الانقلاب الدموي في 1963، إلا أنها لم تبقى على التقليد القديم فقد  استحدث فيها التهجير القسري بعد انقلاب 17 تموز 1968 حيث هجر الآلاف من الكرد الفيليين إلى إيران تحت حجة الجنسية الإيرانية وهم عراقيون بدون أي لبس أو شك، ما عدى شوفينية النظام ألبعثي باعتقال  الالاف منهم، ثم اتبعت طريقة جديد للتهجير حيث تم تهجير الآلاف من الكرد من مناطقهم في كركوك وعشرات القرى والقصبات إلى الجنوب وباقي المناطق وبدلت مناطقهم وفصل البعض منها بضمها إلى تكريت التي استحدثوا لها اسم صلاح الدين، كما قاموا بإرسال الآلاف من العائلات والأشخاص من العرب لتوطينهم وإسكانهم في كركوك والمعيشة كإجراء تغيير ديموغرافي انتقامي شوفيني  ضد الكرد المهجرين قسراً إلى مناطق خارج إقليم كردستان وكذلك التركمان والكلدوآشوريين ، واستمرت المأساة سنين طويلة وتفاقمت أكثر أثناء الحرب العراقية الإيرانية 22/ أيلول / 1980 وما بعدها وبخاصة بعد طرد قوات النظام السابق من الكويت واستحدثت مخيمات لسكن النازحين والهاربين والملاحقين في إيران ” الاوردكات ” كما أقيمت مخيمات أخرى في “رفحا ” السعودية وهي نقلة مأساوية جديدة حلت على العراقيين خارج بلادهم .

إن اكبر حدث مأساوي هو ما حدث بعد احتلال العراق وإسقاط النظام الدكتاتوري، ففضلاً عن مأساة المخيمات أو المناطق التي أقيمت للعراقيين النازحين في إيران والمملكة العربية السعودية إضافة إلى الهروب الجماعي لعشرات الآلاف إلى أصقاع الدنيا، فقد حدثت الطامة الكبرى بعد احتلال داعش الإرهاب المحافظات الغربية كالموصل وصلاح الدين والانبار ومناطق أخرى في ديالى وكركوك وأطراف من بغداد حيث نزح وهرب مئات الآلاف إلى مناطق عديدة داخل العراق والإقليم، وأقيمت لهم مخيمات في العراء تقدر بـ  (127 مخيماً ) تَوزع فيها الآلاف في عموم البلاد إضافة إلى الإعداد المضيفة في الإقليم ثم باقي المحافظات العراقية، وقد قدرت منظمة الهجرة الدولية  ” أن عدد النازحين في العراق مليون و87 ألف نازح عراقي” إلا أن احد المسؤولين الكبار في وزارة الهجرة العراقية أكد أن العدد المذكور هو اقل بكثير من العدد الذي أعلنته منظمة الهجرة، وأشارت إحصائيات شبه رسمية أن الأعداد النازحة والهاربة تعد بالملايين عاد القليل منها بسبب اللامبالاة وقلة الخدمات.

 أمام هذه التداعيات وتعدد الآراء  في تحديد أعداد النازحين بشكل دقيق نقول بكل صراحة لا نستطيع التوصل إلى الأعداد الحقيقية من النازحين لتشعب نزوحهم وتداعيات انتقالاتهم مما جعلها مصيبة لا توصف ودمار لا يمكن تحديد حدوده،  فالجميع يسكنون في تجمعات لا إنسانية ولا توجد فيها ابسط الاحتياجات التي تعينهم على قسوة الحياة وتقلبات فصول السنة وبخاصة الشتاء وبرده وأمطاره وصيفه وحره الذي يسجل أكثر من 50% درجة مئوية، أما الظروف المعيشية فهي بائسة جداً حيث فقد النازحين كل مدخراتهم وأموالهم وأصبحوا تحت رحمة الجوع والعطش وفقر الحال وأوضاع الطبيعة القاسية وأماكن السكن البائسة والمعيشة التي لا تلبي ابسط احتياجات الغذاء،وتدمير البنى التحتية، فلا رعاية طبية ولا مدارس للأطفال ولا أمل بالعودة السريعة إلى أماكنهم وبيوتهم وإهمالهم فهناك الخراب الشامل في الأبنية والبيوت المدمرة وسبل العيش صعبة وتكاد أن تكون معدومة والمعالجات الحكومية تفتقر للموضوعية والسرعة، مع وجود تهديدات لحياتهم وحياة عائلاتهم من قبل داعش الإرهاب والمافيا المنتشرة تحت طائلة من الأسماء والحجج التي تتسلل ليلاً وتخطف وتقتل دون أي حماية كاملة من قبل قوات الجيش أو الشرطة أو حتى الحشد الشعبي الذي يمارس البعض منه طرقاً وأساليب قهرية ضد المواطنين بمنع عودتهم تحت طائلة من الادعاءات ، وبهذا يطول الزمن للعودة السليمة،  وهذا ما أكدته عدة دراسات دولية وبعثة المنظمة الدولية حيث ذكر رئيس بعثة المنظمة الدولية للهجرة في العراق جيرارد وايت مؤكداً ” العثور على حلول دائمة للنزوح هي عملية طويلة الأجل تتطلب تعاوناً وثيقاً بين الحكومة ومجموعة من العاملين في المجال الإنساني” وتطلب هذه العملية الطويلة أول ما تتطلب هي التقديم الفوري لسد رمق النازحين وإعادة بناء منازلهم وبيوتهم ومدنهم وتقديم كل ما يحتاجونه لحين عودتهم وإبعاد التدخل في أوضاعهم واستغلالها من قبل البعض من القوات الأمنية والحشد الشعبي وحمايتهم من داعش الإرهاب كما أشار رئيس بعثة المنظمة الدولية للهجرة جيرارد وايت ” تشمل دعمهم لتحسين قدراتهم على التكيف والاعتماد على الذات، إضافة إلى تسهيل الأوضاع البيئية لاستيعاب النازحين والعائدين في المجتمعات المضيفة” ثم أضاف مؤكداً ““في الوقت الذي عاد فيه ما يقارب من أربعة ملايين نازح إلى مناطقهم الأصلية أو انتقلوا إلى أماكن أخرى، لا يزال هناك حوالى 1.8 مليون نازح.” كما أكد الحزب الشيوعي العراقي في 31 ـ شباط  2019 على أهمية إيجاد حل واقعي لقضية عودة النازحين  وأشار ” ومطلوب أيضاً من السلطات ذات العلاقة تأمين عودة النازحين والمهجرين إلى مدنهم وقراهم، وتعويضهم وأعمار المناطق المحررة وإعادة الخدمات الأساسية إليها، وتخصيص الأموال اللازمة لذلك، واستخدام ما يصل من مساعدات خارجية بنحو سليم. وتتوجب هنا الإشارة إلى أهمية وضرورة إصدار تشريع يُحرّم ويُجرّم المساس بالطابع الديموغرافي للمناطق كافة “، ومع ذلك يبقى دور المنظمة العالمية في الإطار الضيق لقضية إيجاد حلول جذرية أمام إمكانية الدولة والحكومة العراقية الكبيرة التي تتحمل المسؤولية التاريخية والأخلاقية لإعادة النازحين إلى أماكنهم ومدنهم ودعمهم للعودة إلى الحد الممكن استمرارهم على الحياة والعمل بعدما أصبحوا في حالة  صعبة وبعضهم يعيش على الإعانات والمساعدات الخيرية.

إن المأساة التي تحيط بمئات الالاف من المواطنين النازحين والهاربين من مدنهم أثناء سيطرة داعش الإرهاب على مدنهم ومناطقهم وأموالهم  تعد من الكوارث الإنسانية العالمية على الرغم من تحرير تلك المناطق فما زالوا يعيشون الأمرين بين الضائقة الاقتصادية والمعيشية والخدمية والأمنية والصحية والتعليمية وبين منع الكثير منهم العودة إلى مناطقهم من قبل البعض من قوات الحشد الشعبي كما حدث حسب الأخبار في البعض من مناطق محافظة ديالى وصلاح الدين ومناطق أخرى، المطلوب إيجاد حل جذري وصحيح كي تؤمن حياة المواطنين وعدم عودة الإرهاب بأي حجة أو تحت أي اسم إلى هذه المناطق وغيرها من المناطق في العراق

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular