لم تکن الضجة التي أثارتها الإستقالة المفاجئة لوزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف والتي تراجع عنها فيما بعد، مجرد زوبعة في فنجان، بل إنها جاءت لتعطي صورة معبرة عما يجري في داخل إيران بعد 40 عاما على قيام النظام الديني، خصوصا وإنها أتت في فترة تواجه فيها طهران أوضاعا إستثنائية تکاد أن تکتم على أنفاسها، وإن الاهتمام الذي حظي به هذا الموضوع إنما لکونه يرتبط بالملف الايراني الذي صار مطروحا بقوة على بساط البحث.
إستقالة ظريف تزامنت مع مجموعة أحداث وتطورات ومستجدات ملفتة للنظر على الصعيد الايراني، من أهمها إستئناف الريال هبوطه مجددا، وإدراج حزب الله اللبناني”ذراع طهران الطويلة في المنطقة والعالم”بجانبيه السياسي والعسکري ضمن قائمة الارهاب من جانب بريطانيا، وتقديم بريطانيا وفرنسا وألمانيا بشكوى شديدة اللهجة لمجلس الأمن ضد الأنشطة الصاروخية الإيرانية، ومايحتمل أن يتداعى عنه مستقبلا، وتوقيف السفير الايراني في کينيا لمحاولته تهريب معتقلين متهمين بالارهاب، الى جانب ماقد ذکرته منظمة مجاهدي خلق بأنها وخلال شهر واحد تمکنت من القيام ب124 هجمات على مراکز ومقرات أمنية وعسکرية إيرانية وإحراقها، وفي خضم کل هذا لايمکن أن يکون هناك من بوسعه القول بأن الامور في إيران تجري بصورة طبيعية وإن کل شئ على مايرام.
الاستقالة التي تقدم بها ظريف تزامنا مع کل ماقد ألمحنا إليه آنفا، فإنه يترافق مع تصاعد الصراع بين الجناحين الرئيسيين في طهران خصوصا وإن هناك حالة تراجع غير مسبوقة على کافة الاصعدة وتزايد الاخطار والتهديدات المحدقة بالنظام ککل، ولأن هناك رفض شعبي متصاعد ضد أداء النظام بصورة عامة ولاسيما في المجال الاقتصادي، فإن کل جناح يسعى لإلقاء تبعات وآثار ونتائج ماقد آلت إليه الامور على عاتق الآخر، ويبدو إن إستقالة ظريف قد عکست ذلك بوضوح، خصوصا عندما لفت الانظار الى الضغوط والتدخلات التي يمارسها الجناح الآخر في مجال نشاط وزارته، وهو مايعکس حالة من التخبط والفوضى في إدارة الامور ولاسيما إذا ماعلمنا بأن الامور المرتبطة بالمجال الاقتصادي تسير بنفس السياق، ولذلك فإن الارضية المناسبة والمناخ الملائم لکي يکون للفساد سطوته ودوره، متوفرة على أفضل مايکون حتى يمکن القول بأنه قد صارت هناك تکتلات وأقطاب ومحاور تشبه عصابات المافيا، ولذلك فإن الاوضاع في إيران تجري من ماهو سئ الى أسوأ، ومهما يکن فإن مايجري في إيران يدفع بالامور نحو مفترق الحسم وبيان الخيط الابيض من الاسود!