عفرين-شرق الفرات وإدلب، قطبي التناقض والتضارب سياسيا وعسكريا، وإيديولوجية، من حيث التقييمات الدولية، وليست التركية ولا حتى الكردية، المناطق الأكثر اختلافاً في إشكالياتها، وفي الاحتماليات المطروحة لمعالجة قضاياها، وبالبنية العقائدية للقوى المسيطرة عليها، ما بين الإرهابيين التكفيريين، والذين حاربوا الإرهاب، تحكمهم ثقافتين، دينية سلفية ترفض الأخر، ووطنية قومية تعمل على مشاركة كل مكونات الشعب السوري على اختلاف مذاهبهم وأديانهم وقومياتهم، وعفرين تعاني من جدلية هذا التناقض. رغم الخلافات الكردية-الكردية على مسار شرق الفرات، كقوى كردية أو معروفة في العالم كقوة كردية، ومتهمة كردياً. في إدلب تطمح منظماتها المسلحة إلى إقامة دولة دينية، وفي شرق الفرات تحاور كل القوى المعنية بإمر سوريا لقبولها كمنطقة ذات صفة قومية أو وطنية ضمن دولة، أو لإقامة دولة علمانية وطنية. الأولى تعمل وتطمح للسيطرة على السلطة المركزية في سوريا، وتغيير النظام القائم إلى نظام الشريعة الإسلامية، سلفية راديكالية تحكمها منظمات إرهابية، حيث الفقه دستورها، والثانية تحاور لتكون لها كيان فيدرالي أو إدارة ذاتية تابعة لسلطة لا مركزية بدستور حضاري.
ورغم الاختلافات البينية، وقتالهم في الجبهات المتضاربة والمصنفة كقوى متعادية، ظلت مناطقهم خارج الهيمنة المركزية، شبه مستقلة، وكأنها دول ضمن دولة، وتأثيراتهم السياسية-العسكرية تمتد إلى خارج الجغرافية السورية، وتبعد الحلول لمشكلتها، وتقلق دول الجوار إن لم نقل بعض المحافل الدولية، وخاصة الدول الكبرى.
لا خلاف على أن إشكالية إدلب أخطر بكثير من شرق الفرات، فهي تقف على جمر من النار، حلها عسكري، رغم كل المحاولات التركية أن تدرجهما في خانة واحدة، وتفرزهما كمنطقتين تسيطران عليهما قوتين مختلفتين لكن إرهابيتين، إلا أن العالم وخاصة الدول الكبرى، روسيا وأمريكا، وعلى خلفية تعاملهم وتصريحاتهم، تدحض المواقف التركية السياسية هذه ودعايتها الإعلامية، وتتبين يوم بعد يوم أن تركيا تكاد تفشل ما كانت تطمح إليه. فالمنظمات التكفيرية المسيطرة على منطقة إدلب وحولها وعلى عفرين المستعمرة من قبل تركيا، مرفوضة وجودها وسيادتها من جميع القوى الإقليمية والعالمية، حتى الدول التي تقدم لها الدعم اللوجستي كقطر عن طريق تركيا لا تتجرأ بمعارضة الحل العسكري، وبالتالي فحل قضيتها تحمل قطبين متناقضين:
1- إما الكونفدرالية ولا نقول الفيدرالية، لأن القائمين عليها قوى تكفيرية إسلامية ترفض السلطة الحالية والوطنية المحتملة، وبالتالي تخطط لبناء كيان إسلامي سلفي مرفوض دوليا، وبالتالي كونفدراليتها ملغية ذاتيا وخارجيا، ولا يرون لها حلاً سوى بالقضاء عليها، والتخلص من الألاف من عناصرها، وهنا تكمن المعضلة الكبرى، كيف؟ هل ستكون بنفس طريقة التخلص من دولة الخلافة، وإذابة عناصرها بتناثرهم ضمن العراق وسوريا ودول الجوار، ونحن هنا نتذكر كيف أن تقديرات جميع المنظمات المختصة بالمنظمات الإرهابية كانت تقول إن عناصر داعش يبلغون ما بين 30 إلى 50 وأحيانا 60 ألفا، ومن غير المعقول أن يكون قد تم قتل كل هذا العدد، ولا حتى عشرة ألاف، فأين تبخرت كل هذه الأعداد. ويقال إن أعداداً بحجم داعش يجتمعون في منطقة إدلب والمحيطة بها وفي عفرين، ومعظمهم مطلوبين كإرهابيين، وبالتالي لا يعقل أن يتم قتل جميعاً، لذلك لا يستبعد أن تتم تطبيق المعادلة التي جرت مع داعش. وبالتالي سيبقى الخطر حاضرا في المنطقة والعالم ربما لسنوات قادمة.
2- أو بحل ذاتها طوعيا، ولربما التحول إلى كيان سياسي سري، أو على الأغلب إلى خلايا نائمة ضمن سوريا.
وشرق الفرات على النقيض منها، حلها سياسي، لكنها ستظل ناقصة بل بدون عفرين، فهما معاً يمثلان قضية أمة، مطالبها واحدة وواضحة، وقابلة للحوار، وتندرج ما بين الفيدرالية أو الإدارة الذاتية الموسعة مع سلطة لامركزية، كما وهي بعكس المجموعات المسيطرة على إدلب، حاربت، نيابة عن العالم، الإرهاب والمنظمات التكفيرية الأخطر في العالم وعلى رأسهم داعش، في الوقت الذي يتحكم في إدلب المنظمات الإرهابية الإسلامية المطلوبة دوليا.
وأقحمت تركيا وروسيا المنطقة الكردية الأخرى عفرين في مستنقع التكفيريين، ما بين السلام والحل العسكري، كصفقة مصالح بين الدول الإقليمية وفي مقدمتهم تركيا، وستعاني من عدمية الحلول، إلى أن يتم القضاء على المنظمات المهيمنة على منطقة إدلب، ويتم الضغط على تركيا للتخلي أو التخفيف عن مصالحها في سوريا، مع ذلك يبقى هذا الجزء المكمل لشرق الفرات، بين ناري الحلين، العسكري والسياسي، وبالتالي تحتضن كارثة.
شراء تركيا الوقت وعلى مدى السنتين الماضيتين للحفاظ على الهدوء النسبي في منطقة إدلب، تكاد تصل نهاياتها، وتتبين من خلال كل المعطيات المتراكمة، على أنه لا جغرافية في سوريا أو خارجها ستحتضن أو تحمي هذا الكم من التكفيريين الأكثر تطرفا بين فصائل المعارضة المسلحة، هيئة تحرير الشام والمتزايدة بسبب رفدها بعناصر داعش الهاربين، وفيلق الشام، والحزب الإسلامي التركستاني أو حراس الدين، أو حتى الذين أخفتهم تركيا تحت عباءة الجبهة الوطنية للتحرير، ونحن هنا لا نتحدث عن المرتزقة والفصائل الإجرامية في منطقة عفرين، وبينهم العديد من عناصر داعش، خاصة وأن الهيئة شكلت قبل سنة حكومة الإنقاذ، وبها رفضت أن تمثلها الإتلاف أو أية معارضة سياسية متواجدة في الخارج، وبالتالي أصبحت صاحبة قراراتها في الوقت الذي تسيطر فيها الأن على قرابة 80 بالمائة تقريبا من منطقة خفض التصعيد في إدلب.
ومن المرجح وعلى خلفية ما سرب إلى الإعلام سابقا، من اختراقات السلطة لمعظم المنظمات التكفيرية المسلحة، أن نظام بشار الأسد كان وراء خداع هيئة تحرير الشام، لتكون القوة الوحيدة المسيطرة على المنطقة، وهي منظمة مرفوضة من جميع القوى …
يتبع…
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
هذا إذا مات أردوكان في أقل من 24 ساعة