Facebook: alakurdi2019 kurdaxi@live.com http://cankurd.wordpress.com
ثبت عبر تاريخ النضال التحرري الكوردي أن الكفاح المسلّح كان الأسلوب الوحيد للدفاع عن وجود وحقوق ومطالب هذا الشعب المحاصر والمضطهد ولإيصال صوته إلى شتى أنحاء العالم في المراحل السايقة، كما ثبت بأن للحروب جانبها السلبي الذي يتمثّل في تدمير البنى الاقتصادية وفي التهجير الجماعي من أرض الوطن وإراقة دماء المدنيين، وتعريض الشعب الآمن إلى حملات الإبادة الشرسة الدامية، ناهيك عن أن الحربكانت الأسلوب المفضّل لأعداء شعبنا للتعامل معنا كشعب، بهدف القضاء على طموحاتنا القومية العادلة، إلاّ أن عصر المواجهة العسكرية المباشرة والحصار الإعلامي التام على مجريات الأحداث في كوردستان، منذ سقوط المعسكر الاشتراكي و بدء عصر المعلوماتية المتسارع والمتعدد الوجوه على النطاق العالمي، بدأ يتخذ أشكالاً أخرى أهمها المواجهة غيرالمباشرة بين قوى التحررالكوردية والحكومات الغاصبة لبلادنا، وهذه المواجهة الجديدة تتضمن استعمال السياسة أكثر من القوة العسكرية، مع تعزيز الصراع الاقتصادي والحرب الإعلامية الواسعة النطاق، أي ممارسة الحرب بصيغٍ وأشكالٍ حديثة، أهمها التظاهر بالصراع الديموقراطي والانتخابات والحوارات الشكلية والدعوات المستمرة للسلام في ذات الوقت الذي لا تتخلى الأنظمة الغاصبة عن التهديد باستعمال القوة عندما تفشل في الحرب السياسية – الإعلامية – الاقتصادية. وهذا ما نراه الآن جلياً في وضع كلٍ من اقليمي جنوب وغرب كوردستان، إلاّ أن النمو السريع في مجال النواصل الاجتماعي قد حرم الأنظمة الغاصبة من أهم أسلحتها التقليدية، أي الحصار الإعلامي شبه التام على الكفاح الوطني الكوردستاني، إذ إضافةً لامتلاك الكورد العديد من الأٌقنية التلفزيونية ومحطات الراديو، فإن اتساع مساهماتهم في حقول التواصل الاجتماعي ، وبه يتواصلون مع العالم الخارجي كل لحظة، لا يربك الأعداء التقليددين لشعبنا فحسب، بل يرغمهم على زج كل ساستهم وقادتهم وأموالهم في مجال الدعاية المعادية لنا، عوضاً عن ارسال الجيوش إلى ساحات القتال، وما ارسالهم لعساكرهم ودباباتهم إلى كوردستان كما يجري الآن على الحدود السورية – التركية سوى للتهديد والوعيد، حيث يدركون أن العالم قد تغيّر بحيث صار كالقرية الصغيرة، والمصالح الاستراتيجية للدول الكبرى قد وصلت إلى درجة تدخل مندوبيها ومخابراتها وسفرائها في أصغر مشاكل بلداننا، بل حتى على مستوى اللقاءات والمشاورات مع الأحزاب والقوى غير ذات الشأن الكبير بين شعوبها. لذا، فإن ساحة المعارك قد انتقلت بشكلٍ حاسم من خنادق القتال إلى أقنية وسائل الإعلام وإلى قاعات الندوات والمؤتمرات التوافقية واللقاءات السياسية وإلى تقارير المنظمات الدولية، ولم تعد للكورد حاجة إلى كهوف “قنديل” مثلاً ، ومنطقة جبل الكورد (عفرين) في غرب كوردستان لم تسقط بسبب القتال وإنما بسبب توافقات سياسية، سرية وعلنية. فالحرب من على المنصات و في الساحات العامة وعلى أعمدة الصحف وفي حوارات التلفزيون وغرف البث المباشر للخبراء والعارفين بالشؤون الوطنية والاقتصادية والسياسية أصبحت الآن الحرب الأساسية، في حين تحول الصراع المسلّح إلى معارك جانبية ربما لم تعد ذات أهمية تذكر .
والآن، ها هو السيد رجب طيب أردوغان يعلن الحرب الكلامية على الشعب الكوردي بأكمله من على منصات الخطاب أمام جماهير حزبه في شتى أنحاء البلاد، رغم أنه يقع في أخطاء فادحة ستكون وبالاً عليه وعلى حزبه مستقبلاً، حيث يطلب من ثلث أو أكثر من ثلث مواطني تركيا الكورد أن يرحلوا لاعتقادهم بأن ثمة “كوردستان” في تركيا، ويحدد لهم المكان الذي عليهم الرحيل إليه، ألا وهو (كوردستان) في شمال العراق، وهذا اعتراف صريح منه بوجود كوردستان، فإذا كان ثمة أرض تدعى كوردستان في خمس محافظات عراقية (أربيل، السليمانية، حلبجة، دهوك وكركوك) فكيف لا تكون هناك أيضاً كوردستان في أكثر من 20 مدينة ومحافظة في تركيا؟ ومن أين أتى اسم تركيا أصلاً؟ فهل كان في هذه المنطقة من الشرق الأوسط أتراك قبل مجيء جحافل السلاجقة والطورانيين العثمانيين غزاةً متخلفين من آسيا الوسطى، من تركستان وتركمانستان، في حين أن الكورد يعيشون في المنطقة منذ زمن الميتانيين والميديين والكاردوخ الذين اتفق معظم المؤرخين والمستشرقين على أنهم أجداد الشعب الكوردي. وجاء الرد قوياً على لسان امرأةٍ كوردية هتفت في مواجهة إعلامية بأن هذه البلاد (تركيا) هي وطننا، وأن الوحيد الذي عليه الرحيل هو السيد أردوغان وحزبه، وذكرَت هذه الجملة الحادة كشفرة الحلاقة: “سنرسلك مع حزبك إلى مزبلة التاريخ“.
نعم، إنها الحرب، ولكن بأساليب حديثة وعصرية وسلمية، تسخن جداً في الأسابيع التي تسبق الانتخابات في البلاد، وفي 31 ستكون انتخابات البلديات التي تلعب دوراً هاماً في الصراع السياسي الدائر في تركيا، وإن حزب العدالة والتنمية الذي يتعرّض لهزاتٍ داخلية ويطالب منشقون عنه بوضع حدٍ لسياسات السيد أردوغان الفاشلة، لم يصل إلى الحكم إلاّ بعد نجاحه الكبير في انتخابات البلديات وبخاصة قبيل وصول السيد أردوغان إلى رئاسة الوزراء.
وما تأثير هذه الانتخابات في “مستقبل الكورد وكوردستان”؟
بالتأكيد، إن مساهمة الأحزاب والشخصيات الكوردية في هذه الانتخابات تسقط ورقة التوت الأخيرة التي تتستّر يها الطورانية، فتعلن على الدوام أن الكورد ليسوا ديموقراطيين وإنما إرهابيون وجهلة ولا يفهمون السياسة… و… و… ولكن لا يمكن الخلاص من هذه التهم الباطلة والبندقية لا زالت تلعلع في الجبال والوديان وتحدث التفجيرات في المدن والأسواق، ولا بد من انتهاج سياسة سلمية، حتى ولو تم التضحية من أجلها بقيادات معينة وقياديين لهم باع طويل في بقاء الكفاح المسلح مستمراً، رغم أكثر من 30 عاماً تحت القصف والدمار.
إن مستقبل الكورد وكوردستان مرهون بتحقيق مزيدٍ من الانتصارات الكبرى على ساحة الصراع السياسي، الديموقراطي والسلمي، رغم كل الحملات المستمرة للنظام القائم في أنقره، فالعالم يرى ويقيّم المساهمة الكوردية، ولن يتمكن أي حزبٍ تركي طوراني من تشويه النضال الكوردستاني الديموقراطي السلمي، وسيفشل الكورد الذين يخدمون هذا النظام الطوراني بسياساتهم الخاطئة التي تظهر حراكنا القومي وكأنه إرهاب وتطرّف وعنجهية… وبقدر ما يقتحم الكورد برلمان الأتراك بقوة بستطيعون إرغام الطورانيين ومن على شاكلتهم على تقديم تنازلات وعلى الاعتراف بالوجود القومي الكوردي وبحقوق شعبنا… وهذا الاقتحام الضروري يتطلّب تلاحماً بين قوى الشعب الديموقراطية السلمية وتخلّصاً، ولو في هذه المرحلة، من أساليب الخطاب الفاحش الذي لا طائل تحته، مثل “سنحرق أنقرة” أو “سنحرق بغداد”، فلماذا لا يخطىء هذا الدون كيشوت ويقول لمرةٍ واحدة: “سنحرق طهران ودمشق؟”.