ما قبل ألحرب ألعالمية ألثانية، ما كانت تتواجد عملة نقدية معينّة تسيطر على ألإقتصاد ألعالمي كألدولار أو الباون ألإسترليني أو ألفرنك ألفرنسي أو ألفرنك ألسويسري أو المارك ألألماني وغيرها، بَل كانت تجري ألتحويلات ألنقدية سواءٌ كإلتزامات مالية فيما بين مختلف الدول أو على صعيد تبديل العملات للأفراد، ولذلك كانت ولا تزال تسود ما تُسمى[ بسلة ألعملات] ألتي تشكّل ألإحتياطي ألنقدي ألستراتيجي إضافةً إلى ألذهب لدى ألبنوك ألمركزية لمختلف ألبلدان. وأول من إنتبه لظاهرة تعدد ألعملات هي ألولايات ألمتحدة ألأمريكية وبدفع من طغمة ألأوليغارشية ألأمريكية. ولذلك بادرَت ألحكومة ألأمريكية لعقد مؤتمر { بريتون وودز} لغرض معالجة تلك ألظاهرة.
فعندما عُقِدَ ألمؤتمر في – بريتون وودز في عام 1944، كانت تدور في أذهان ألمجتمعين مجرّد تصورات متراكمة عن العالم المعاصر عموماً وألإقتصاد ألعالمي خصوصاً، وأصبح معلوم لاحقاً لماذا ألأولوية كانت لدى ألولايات ألمتحدة ألأمريكية. إن ألدول ألمجتمعة في ذلك ألمؤتمر، كانت إقتصاداتها تشكّل أكثر من 50% من ألإقتصاد ألعالمي… لكن منذ ذلك ألحين، تغيّر ألوضع بقوة، بحيث أن: حصة أمريكا في ألإنتاج ألعالمي قد إنخفضَت إلى مستوى 20%، وهنالك منطقتان على ألأقل لم تتراجعا وهما: ألإتحاد ألأوربي بإجمالي ألإنتاج في الوقت الحاضر، وكذلك ألصين ألتي لا تتراجع بإنتاجها ألكبير، ويعود ألفضل في ذلك إلى أساليب تقديرات البناء المالي الفوقي للإقتصاد، وتتفوّق ألصين في بعض ألمنهجيات، بحيث أصبحت وقبل عدة سنوات تتفوّق على ألولايات ألمتحدة ألأمريكية.
لكن لحد ألآن تسيطر أمريكا بصورة مطلقة على ألقطاع ألمالي وفي بعض المجالات العلمية. أما على صعيد ألصناعات ألحربية وتكنولوجيا ألأسلحة، كانت متفوقة لحد ألأمس ألقريب، أما أليوم فتتقدم روسيا بتقنيات مختلف ألأسلحة بأشواط.
نتساءل – لماذا لا تختار كل من دول ألإتحاد ألأوربي وألصين ألرد ألمناسب ضد هيمنة ألدولار وأين تكمن ألمشكلة!؟… ألمشكلة تكمن في أنّ ألإقتصاد ألعالمي مبني بصورة مرضية من وجهة نظر نظام قسمة ألعمل ألدولية، ويفترض ذلك البناء ألهيمنة أللامشروطة للولايات المتحدة ألأمريكية. يمكن فهم ذلك ألبناء إذا ما جرى ألتعمّق في تاريخ ألعالم« ما بعد بريتون وودز». لنتذكر[ خطة مارشال]. تتكون تلك الخطة بخصائصها العامة بمنح القروض للدول ألأوربية لغرض إعادة ألصناعة ما بعد ألحرب ألعالمية الثانية. ومع ذلك، من الواضح أنّ إعادة ألبناء لم تكن كافية وخاصةً لألمانيا[ المعجزة ألإقتصادية]. وكحقيقة، فإنّ بناء مصنع لإنتاج المنتوجات يكون ممكن، لكن مَن يستطيع شراء ذلك ألمنتوج في أوربا ألمفلسة وألفقيرة؟ … لا أحد، إذ ما كان موجود حينذاك سوق من وجهة نظر التسويق.
وهنا من ألضروري ملاحظة ألنقطة ألأساسية لـ [ خطة مارشال] ألتي وضِعَتْ في حقيقة أنّ ألولايات ألمتحدة ألأمريكية فتحتْ أسواق أوربا ألغربية لترويج منتجاتها. وهذه ألجزئية وبألخصوص تمثل ألنقطة ألرئيسية ألتي ضمنَت« ألمعجزة ألإقتصادية»: أصبحَت ألشركات ألأوربية تحصل على ألأرباح، وأعادَت توزيع ألأسواق في داخل ألبلدان ألمشاركة في ألخطة.
وبمجمل ألخطة، تحققَ ألعديد من ألنتائج. ألنتيجة ألأولى – تمّت إعادة ألبناء ألسريعة لإقتصاد أوربا ألغربية. ألنتيجة ألثانية – هي أن ألدولار ألأمريكي” كحقيقة واقعة” أصبح ألعملة ألثانية أو حتى ألأولى في تلك البلدان، حيث أنها حققتْ أرباحاً لدول أوربا ألغربية، وأصبحت ألأساس لإزدهارها. ألنتيجة الثالثة – إتضحَ أنّ أوربا ألغربية مرتبطة بقوة بألولايات ألمتحدة، ليس فقط عن طريق تسعير ألسِلع وألأرباح ألتي تحصل عليها بألدولار ألأمريكي، إنما تبلورت ألسوق ألأوربية في إطار ألإقتصاد ألأمريكي/ هنا تكمن ألتبعية ألإقتصادية/. ألنتيجة ألرابعة – في الولايات المتحدة، ونتيجة لظاهرة غزو ألسوق ألأوربية، حصلتْ عملية تقسيم للطلب وألإنتاج: ألثاني – ألإنتاج، أصبح أقل من ألأول – ألطلب، إذا ما تمّ إحتسابها بألحصص في ألإقتصاد ألعالمي. لكن تمّ تعويض ذلك عن طريق تدفقات رؤوس ألأموال وصافي ألصادرات إلى مناطق أخرى غير أوربا ألغربية وبشكل محدَد ألإتجاه.
ألمرحلة أللاحقة لـ [ خطة مارشال] بدأت تتحقق في عام 1950، وبألدقة في 1 أكتوبر/ تشرين ألأول عام 1949، يوم إعلان جمهورية ألصين ألشعبية. وبدأت ألولايات ألمتحدة بنشاطها المعادي ضد تلك ألجمهورية ألإشتراكية، من خلال إقتراح مخطط مماثل مع وصول ألمنتجين ألوطنيين إلى أسواقهم ألمحلية في أليابان وتايوان وسنغافورة. وفي تلك ألبلدان أيضاً بدأت« ألمعجزة ألإقتصادية». وتبعاً لذلك، نما ألدولار مرةً أخرى، وزادت ألفجوة بين ألإنتاج وألإستهلاك في ألولايات ألمتحدة.
بعد ذلك، تكرر ذلك ألمخطط مرتين: مع كوريا ألجنوبية، بعد نهاية ألحرب ألكورية، ومع ألصين إثرَ زيارة ألرئيس ألأمريكي – ريتشارد نيكسون إلى ذلك ألبلد في بداية عام 1970، ( بعد ألعجز ألذي وقعتْ به الولايات ألمتحدة في عام 1971 وإشتداد « أزمة ألسبعينات»). ونتيجة لذلك، أصبحت حصة ألإستهلاك ألأمريكي في ألإقتصاد ألعالمي” نسبياً” أعلى بكثير من ألإنتاج، وبعد أوائل ألثمانينات، تمّ إطلاق تحفيز ألإئتمان للطلب ألخاص، وزادت ألفجوة بشكل أكبر. وأصبحتْ حصة ألولايات ألمتحدة في ألإقتصاد ألعالمي من حيث تكافؤ ألقوة ألشرائية حوالي 20% للإنتاج وحوالي 40% للإستهلاك. هنالك تقييمات أخرى، لكن في الواقع، لا يُنكِر ألخبراء ألجادون بوجود فجوة كبيرة. وفي هذه ألحالة، يتضح دور ألولايات ألمتحدة وألدولار. تعود هيمنة ألدولار في ألعالم إلى حقيقة أنّ في تلك ألهيمنة يَتمثَل ألطلب.
إنّ هيمنة ألولايات ألمتحدة مفهومة: ألطلب عندها هو ألذي يؤدي إلى ألتنمية ألإقتصادية في ألعالم. وعليه، فمن ألمستحيل بسرعة إستبدال تلك ألهيمنة بشيء آخر: لأنّ دور ألدولار فريد من نوعه، ولأنّ ألمستهلكين ألذين يمتلكون ذلك الحجم من ألأموال، لا يمكن ملاحظتهم عن كثب. وكحقيقة فإنّ ألإنتاج ألخاص بها منخفض، وتعوّض الولايات ألأمتحدة بنجاح، أولاً – من خلال تدفق رأس ألمال ألخارجي( حيث يتركز ألطلب، ويتشكل ألربح)، وثانياً – عن طريق ألإصدارات ألنقدية ألتي تعوّض عن رأس ألمال ألمفقود( حيث لا يتم إرجاع جميع ألأرباح ألمصدّرة إلى ألولايات ألمتحدة).
عند ذلك، ينبغي ألأخذ بنظر ألإعتبار، أنه حتى وقت قريب، لم تكن تلك ألإصدارات نقدية بقدر ما هي إئتمانية. وقد أدى هذا إلى إضعاف ألتأثير ألسلبي بشكل كبير لزيادة المعروض ألنقدي في ألإقتصاد، أي ألتضخم ألمرتفع ألمحتمل.
بطبيعة ألحال، لا يمكن أن يكون مثل هذا ألمخطط أبدياً، إذ كان يجب إستنفاذ عملية ألطلب عاجلاً أم آجلاً، وهو ما حدثَ بألفعل في نهاية عام 2000. بيدَ أنه، من أجل وصف أكثر أو أقل مشابهةً لتطور ألأزمة، من ألضروري ألأخذ بألإعتبار بنية تقسيم ألعمل وخصائص تكوين ألأرباح في ألإقتصاد ألعالمي، وألذي كان نتيجة للمخطط أعلاه.
اجتماع بريتون – وودز