رواندا بلد كما العراق عاش أهوال حرب أهلية مدمرّة، الا أن فضاعات تلك الحرب لم تكن كما فضاعات القتال الشيعي السنّي من حيث أعداد الضحايا وطريقة قتلهم، ولا حتى طول الفترة الزمنية التي قتل من خلالها الضحايا كانت متقاربة بين البلدين. فضحايا الحرب الأهلية وضحايا الإرهاب وغيرهم بالعراق قاربت النصف مليون ضحية وقتيل وفق آخر الإحصائيات، التي قالت أن الضحايا والقتلى قد سقطوا منذ الفترة الممتدة من بداية الإحتلال ولهذا اليوم، أمّا ضحايا الحرب الأهلية في رواندا، فقد بلغوا ما يقارب الثمانمائة ألف ضحية خلال ما يقارب المئة يوم فقط!
لم تستطع رواندا تجاوز آثار الحرب الأهليّة والبدء ببناء ما خلّفته تلك الحرب، الا من خلال حزمة من الإصلاحات الجذرية التي طالت كل مرافق الحياة فيها. وكبوابة للإصلاح بدأت الحكومة هناك بمكافحة الفساد بشكل صارم، ما فتح آفاق واسعة لتحسين الأوضاع الإقتصادية بالبلد. وقد سنّت الحكومة هناك القوانين التي تساعد على النمو الإقتصادي ومكافحة الفقر والبطالة، وخطت خطوات كبيرة في تطوير مجالي الزراعة والسياحة. ووفق تقرير منظمة دول تجمّع السوق الإفريقية المشتركة ” الكوميسا”، فأنّ الناتج المحلّي الإجمالي للبلاد إرتفع من 1.92 مليار دولار سنة 1995 ، الى 8.48 مليار دولارعام 2019 على سبيل المثال، وهذا الرقم يعتبر تافها جدا أمام الناتج المحلي الإجمالي للعراق، الذي تجاوز وقت ما الـ ” 140 ” مليار دولار. فهل حقّق العراق بميزانياته الفلكية مقارنة برواندا جزء صغير من نجاحاتها؟
هنا لا نريد أن نتناول الواقع الزراعي والسياحي والخدمي والصحي بين البلدين ومقارنتها بالعراق المتخلف عن رواندا كثيرا ، بل نريد تناول الواقع التعليمي بين البلدين من خلال دور التكنولوجيا في التعليم، وترك النظم التعليمية التقليدية والمتعارف عليها بالعالم الثالث كما العراق، هذا إن لم يكن العراق بالحقيقة خارج تصنيف البلدان.
ففي الوقت الذي يهان فيه التعليم بالعراق، من حيث بؤس أبنية المدارس وتفاهة المناهج الدراسية التي تم صبغها بطابع ديني متخلف، ودور الدولة من خلال المؤسسة العشائرية في إهانة وتهديد المعلميّن، ودور الحكومة في مصادرة حقوقهم، والتسرب من المدارس في المراحل الدراسية المختلفة نتيجة الفقر والبطالة واليأس من المستقبل وغيرها الكثير من المشاكل، فأن التعليم في رواندا خطا خطوات عملاقة مقارنة به “بالعراق”. فبعد أن إتّجهت رواندا للإستفادة من التكنولوجيا في التعليم، من خلال شراكة مع شركة ” مايكروسوفت”. وإقدامها على تبني نظام ” تكنولوجيا المعلومات والإتصال من أجل التعليم”، بإستبدالها الكثير من الكتب التقليدية ووسائل التعليم، بأجهزة ” اللابتوب” والآيباد” وغيرهما. خطت رواندا اليوم خطوة هائلة ستضعها خلال سنوات في مقدمة الكثير من الدول في مجال التعليم وعلى الأخص العراق المتخلف بكل شيء، وذلك عن طريق إطلاقها قمرا صناعيا لتزويد مواطنيها بالإنترنت المجاني وكذلك ربط مدارسها به خصوصا في المناطق النائية!!
في الوقت الذي تحلق فيه رواندا المثخنة بجراح الحرب الأهلية نحو الفضاء، لتثبت للعالم أجمع من أنّ روح التسامح ومحاربة الفساد هما المفتاحان اللذان فتحت بهما مستقبلا مشرقا لشعبها، فأن حكّام العراق أثبتوا لنا وللعالم أجمع من أنهم ومن خلال العراق الخرب الذي نعيش فيه، من أنهم أضاعوا مفاتيح الوطن الذي يقودونه للمجهول.
زكي رضا
الدنمارك
6/3/2019