في 22 شباط/فبراير 2019 أطلقت إسرائيل مركبتها الأولى إلى القمر، وبعد نجاحها بالانفصال عن صاروخ الإطلاق الأميركي اتصلت مع مركز القيادة في إسرائيل وأرسلت أول البيانات، ثم بدأت العمل من تلقاء نفسها، وهي تسافر الآن في مدارات حول الأرض ثم ستدخل مدارات حول القمر. وفي 11 نيسان/إبريل حيث ستهبط على سطحه.
قامت ببناء هذه المركبة شركة صناعات الفضاء مع شركة “سبيس أي إل” الإسرائيليتين وإذا سارت الأمور حسب المخطط فستصبح إسرائيل رابع دولة تنجح في إرسال مركبة إلى القمر بعد الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق والصين. بلغت تكلفة هذه المركبة أقل من 100 مليون دولار تبرع بها الأثرياء اليهود، بينما تكلّف مكوكات ناسا الفضائية الأميركية 1.5 مليار دولار، مما يفتح المجال أمام إسرائيل للمشاركة والمنافسة في رحلات تجارية إلى الفضاء، خصوصا مع توقّع العلماء أن القمر سيصبح بمثابة القارة الثامنة للأرض.
وفي الأسبوع الماضي تمكنت شركة نانو ميديك الإسرائيلية من تطوير جهاز “سبين كير” الذي يقوم برش طبقة شفافة من البوليمير تشبه الجلد على الحروق والجروح مما يساعد على شفائها بعيدا عن العدوى والألم. ووصف البروفيسور جوزيف هايك رئيس قسم الجراحة الترميمية والتجميلية والاستشاري في الشركة المطورة للجهاز ما حدث بأنه ضرب من الخيال العلمي، ومن المتوقع أن يتوفر الجهاز في الأسواق منتصف العام الحالي.
وفي شهر شباط/فبراير الماضي نشرت مجلة لانسيت الطبية التصنيف السنوي الذي تجريه وكالة بلومبيرغ لأكثر الدول تطورا من ناحية الصحة، التي تتضمن نظافة المياه وجودة الخدمات الطبية والصرف الصحي ومتوسط الأعمار والعادات الغذائية. حلت إسرائيل بالمرتبة العاشرة عالميا بين 169 دولة وبفارق كبير عن بقية دول الشرق الأوسط.
وفي التاسع من نيسان/إبريل المقبل ستجري في إسرائيل انتخابات مبكرة نتيجة خلافات بين مكونات التحالف الحاكم، وربما أسهل على دول الشرق الأوسط إرسال مركبة إلى القمر من تقبّل فكرة إجراء انتخابات مبكرة، فعندما خرج ملايين المصريين للشوارع في حزيران/يونيو 2013 ضد حكم الرئيس محمد مرسي كان يكفي الدعوة لانتخابات مبكرة لحل المشكلة من بدايتها، لكن حزب الإخوان المسلمين، الذي كان يدرك خسارته لتلك الانتخابات في حال حصولها، تجاهل التظاهرات وتمسّك بالسلطة والجميع يعرف ما الذي حدث بعد ذلك.
هذه بعض الأمثلة من الأسابيع الماضية فقط عن الدرجة التي وصل إليها التطور العلمي والحيوية السياسية في إسرائيل ويكتسب ذلك أهمية خاصة عند مقارنته مع الوضع البائس في بقية دول الشرق الأوسط.
فالفلسطينيون اليوم في أسوأ أحوالهم. في قطاع غزة هناك مليوني إنسان، يعيش 65 في المئة منهم في حالة فقر مدقع مع نسبة بطالة تتجاوز 50 في المئة، لأن الحياة في القطاع تعتمد على المساعدات الخارجية نتيجة قلّة الموارد المحلية. هناك ثلاث طرق لدخول المساعدات للقطاع، عبر مصر أو إسرائيل والسلطة الفلسطينية وجميعها في علاقة سيئة مع حركة حماس، كما أن علاقة هذه الحركة بنفس درجة السوء مع الجهات التي تقدّم تلك المساعدات. ففي عام 2016 كانت الولايات المتحدة أكبر المانحين للفلسطينيين بمبلغ 368 مليون دولار بما يفوق مجموع الدول الأربع التي تليها: الاتحاد الأوروبي 160 مليون ثم السعودية 140 ثم الكويت 32 ثم الإمارات 25 مليون. في المقابل، تقف حماس في صف دول مثل إيران وروسيا وفنزويلا والصين التي لا تقدم للفلسطينيين شيئا يذكر.
تتمسك حركة حماس بالسلطة في غزة منذ مطلع عام 2006، وكانت محصلة حكمها زيادة في معاناة وبؤس سكانه. وكما تفعل الديكتاتوريات لجأت حماس للتهرب من مواجهة أزماتها الداخلية إلى ما أسمته مسيرات العودة وهي تظاهرات على حدود قطاع غزة تتخللها محاولات لاقتحام السياج الأمني، نجم عنها حتى الآن عشرات القتلى وآلاف الجرحى من الشباب الفلسطينيين، دون إمكانية الادعاء أن هناك أي مكسب سياسي مقابل هذه الخسائر.
والوضع في الضفة الغربية لا يختلف كثيرا، فعلاقة السلطة الفلسطينية مع محيطها العربي ليست بأحسن أحوالها نتيجة اختيارها الوقوف مع الديكتاتوريات ضد الشعوب العربية، لأن السلطة الفلسطينية نفسها غير ديمقراطية ولم تعرف منذ قيامها سوى رئيسين، ياسر عرفات من 1994 حتى 2004 ثم محمود عباس منذ 15 عاما حتى اليوم. ولم يتمكن الفلسطينيون من إنتاج قيادة عصرية منتخبة تستطيع مخاطبة العالم، لذلك نرى السلطة تخسر تدريجيا الدعم الإقليمي والدولي لقضيتها.
الأوضاع الكارثية في سوريا والعراق وليبيا واليمن غنيّة عن الشرح، واليوم تسير الأوضاع في السودان نحو المزيد من الديكتاتورية أو الفوضى، نتيجة تمسّك عمر البشير بالسلطة بعد ثلاثين عاما قضاها في الحكم لم يشهد خلالها السودان سوى الفقر والحروب والدمار والتقسيم، ورغم ذلك فقد تناست دول الخليج خلافاتها الداخلية وتسابقت في تقديم الدعم المالي والسياسي له… حتى عبدالفتاح السيسي ورجب طيب أردوغان، ورغم اختلافهما حول مختلف القضايا، اتفقا على دعم البشير؛ فالأول يمهد ليكون رئيسا إلى أجل غير مسمّى، ونجاح الاحتجاجات في السودان قد يؤثر سلبا على ذلك، والثاني قطع هذه المرحلة وضمن البقاء في السلطة حتى نهاية العقد المقبل على حساب الديمقراطية في تركيا، ولكنه يؤيد البشير لأنه حاكم ديكتاتوري من جهة وإسلامي من جهة ثانية.
وفي الجزائر تصرّ “صورة” عبد العزيز بوتفليقة على الاستمرار في حكم البلد، دون أن يتمكن الشعب من معرفة من هو الحاكم الحقيقي الذي يدير الأمور في أكبر دولة من حيث المساحة في إفريقيا والشرق الأوسط وأغناها بالثروات الطبيعية. وتتطور الأحداث بسرعة ومن المؤكد أن الجزائريين لن يصمتوا أكثر من ذلك على هذا الوضع الغريب المستمر منذ عدة سنوات.
أما لبنان فقد تحوّل إلى دويلات طوائف تديرها عائلات سياسية، وأغلب الذين ورثوا زعامة هذه العائلات لا يتمتعون بالمواصفات القيادية التي امتلكها آباؤهم، ولذلك غاب عن لبنان مناخه الديمقراطي وإعلامه الحر وثقافته الغربية، ليدور في فلك نظام ديكتاتوري في إيران، رغم معرفة اللبنانيين أن الشعب هناك وصل إلى درجة الجوع، مع وجود 40 مليون إيراني تحت خط الفقر، كما صرح مطلع العام الحالي النائب في البرلمان الإيراني رسول خضري، ورغم المظاهرات والاحتجاجات التي لم تتوقف.
لذلك، تبدو إسرائيل، مع تقدمها العلمي والاقتصادي والمعاشي، استثناء ضمن هذا المحيط البائس، كأنها من عالم آخر، وهذا بفضل نظامها الديمقراطي. وبينما تحاول الأنظمة العربية كالعادة إلقاء مسؤولية ما يحدث في المنطقة من أزمات وكوارث على المؤامرة العالمية المزعومة على العرب والمسلمين، وتبذل كل جهدها وتتواطئ فيما بينها للإبقاء على أنظمتها الديكتاتورية، في محاولة لإيقاف عجلة الزمن، كما يحاول إعلامها التقليل من درجة التطور الذي وصلت إليها إسرائيل، فقد علّقت مثلا إحدى وسائل الإعلام الخليجية على إرسال إسرائيل مركبة إلى القمر “إسرائيل تنفق مئة مليون دولار من أجل ثلاثة أيام على القمر”، في حين أن دول الخليج نفسها أنفقت أضعاف هذا المبلغ من أجل علاقات عامة في واشنطن في سياق خلافاتها الداخلية!