تمر هذه الأيام الذكرى الستين على مؤامرة الشواف عام 1959، وتشير دلائل عدة الى اضطلاع منفذي المؤامرة بالتخطيط مع قوى خارجية ودولية وعربية وغيرهم للنيل من ثورة 14 تموز المجيدة ومنجزاتها، ونضالها ضد الاستعمار ومخططاته في المنطقة، وضد محاولات الاستحواذعلى منابع البترول في المنطقة، ومحاولات إثارة الدسائس والمؤامرات هنا وهناك، وبالتحالف مع قوى الثورة المضادة في الداخل من الذين تضررت مصالحهم وخسروا مواقعهم وسلطاتهم التي كانوا يتمتعون بها بالضد من مصلحة الشعب والوطن، وهناك من لازال مقتنعا بما كان يردده أقطاب المؤامرة ومن وقف معها ضد الثورة الفتية، بل ويرددون كالببغاوات ما كان يبث من سموم من إذاعات أجنبية سخرت نفسها للوقوف مع المتآمرين ومخططاتهم .
وقد تم توجيه الاتهامات الجاهزة للسلطات الرسمية المحلية وممثلي قوى الشعب، وإلصاق جرائم بهم، منها الكذب والادعاء بوجود محكمة سميت بالقصابية نسبة الى لقب أحد مقاومي المؤامرة وهو عبد الرحمن القصاب.
وفي هذه الذكرى التي راح ضحيتها أعداد من الأبرياء ووضعت شرخاً في الصف الوطني لمسيرة الثورة حيث بدأ بعدها التآمر والتخطيط لإسقاط الثورة بوسائل وأساليب جديدة.
هنا لا نريد تكرار وسرد الأحداث بقدر ما نشير الى حجم التضليل الذي مورس ولازال لتشويه رجالات الثورة ومنظمات الحزب الشيوعي العراقي رغم الوثائق التي تم تأكيدها لاحقا من طبيعة التآمر والتخطيط له وارتباطاته الخارجية.
في هذه المناسبة نلتقي مع شاهد عيان لازالت الأحداث شاخصة في ذهنه، كونه كان قريبا من موقع الحدث ليسلط الضوء حول تلك الأحداث ولتزيل بعضاً مما تراكم من حقدٍ على رجال 14 ثورة تموز المجيدة، هو الدكتور خليل عبد العزيز:
كان المتآمرون وأعوانهم يدعون أن ما قاموا به هو حركة تصحيحية للثورة لكنها في الحقيقة هي القضاء عليها وعلى مشروعها الوطني، فالوثائق أثبتت أن هذا الادعاء باطل لأن المشاركين فيها كانوا يتلقون دعم وتوجيهات قوى خارجية، هدفها بالأساس هو الإطاحة بالجمهورية الفتية، وقائد الانقلاب العقيد عبد الوهاب الشواف كان تحركه من منطلق ذاتي وشخصي، حيث كان يعتبر نفسه (مظلوماً)، لأنه تم تعيينه آمراً لموقع الموصل، وكان يريد أن يكون رئيس أركان الجيش والحاكم العسكري العام، وهذه العقدة هي الأساسية في سلوكه هذا وتزعمه لحركة التآمر وجمع الضباط المعادين للثورة والنظام الجمهوري حوله. وهذا دفعهم للتهاون مع قوى أجنبية عميلة ليس من مصلحتها بقاء ثورة 14 تموز.
العامل الأساسي في فشل المؤامرة هو المقاومة الجماهيرية الباسلة، فقد تصدت للمتآمرين قوى شعبية وقطاعات الجيش العراقي الموالين للثورة وخاصة كتيبة الهندسة في الموصل، والشيوعيين وأصدقائهم، وعندما وصل العقيد حسن عبود المعين من قبل الزعيم عبد الكريم قاسم آمراً لموقع الموصل، كان قمع المؤمرة قد أصبح واقعاً، وبقي جزء بسيط من المتآمرين ليس لهم تأثير.
وأن ما يقال اليوم من بعض الذين يطلقون على أنفسهم لقب الباحثين والمفكرين وهم في الواقع ليسوا كذلك، من أن المقاومين شكلوا محكمة للقصاص من المتآمرين هو من نسج الخيال، وللأسف لم يتصد الكتاب الوطنيون لهذا التشويه المتعمد والابتعاد عن تقديم تحليلات واقعية لما جرى أثناء المؤامرة، في الوقت الذي كان ولا زال المتآمرون وأعوانهم ومن يؤيدهم نشيطون في تغطية فعلهم المشين ويعتبرونها حركة أو حوادث وهم يعلمون جيداً بأنها مؤامرة حيث توفرت لها كل المتطلبات من سلاح واعلام قوي في حينه، فقد كانت (إذاعة صوت العرب) أثناء المؤامرة تدعمهم وكانت الناطق الرسمي عنهم بصوت (أحمد سعيد) الذي أذاع البيان الأول للمتآمرين، والأسلحة من مسدسات وبنادق ورشاشات بورسعيد من مصر التي وصلت عن طريق مدينة ( تل كوجك) السورية وكان المشرف عليها وزير الداخلية السوري عبد الحميد السراج وبالتعاون مع بعض العشائر المتضررين من قانون الإصلاح الزراعي، منهم عشيرة شمر.
لقد سقط العديد من الشهداء والقتلى نتيجة المعارك منهم (كامل قزانجي) العضو القيادي في الحزب الوطني. وهنالك تقصير من قبل القوى الوطنية في استذكار الشهداء.
لقد أدركت الجماهير الشعبية ان هذا التآمر ما هو إلا لضرب كل منجزات ثورة 14 تموز، ويقول خليل عبد العزيز (لقد فوجئت لهذا الاندفاع الجماهيري والحماس في التصدي للمتآمرين، وأعتقد ان هذا أكبر درس في فهم الجماهير واندفاعها للدفاع عن مصالحها الوطنية، وان كل ما يقال بعدم اهتمام الجماهير بما يجري حولها هو رأي خاطئ جداً، فالجماهير تنتظر اللحظة الحاسمة للانتفاض والتعبير عن رأيها الحقيقي، ولاشك ان هذه الجماهير بحاجة الى قيادات واعية تقودها).
ويؤكد انه لم يتم ملاحقة أي شخص بل تم اعتقال الذين كانوا يقاومون فقط، وعدد الذين قتلوا مبالغ به كثيراً، وقام الطيران العراقي بقصف دقيق لموقع الشواف الذي أصيب بجروح بليغة في معسكر الغزلاني ونقل على أثرها الى مستشفى المطار العسكري في الموصل، لكن بعض الجنود وبدون أية أوامر قاموا بقتله، كما هرب العديد من المتآمرين الى سوريا ولاحقت بعضهم الطائرات الحربية العراقية، والآخرون نقلوا الى بغداد لمحاكمتهم عسكرياً.
وهكذا أسدل الستار عن هذه المؤامرة، التي يتطلب من الجميع التأكد والتحقق قبل الحكم عليها وان لا يندفع لما تم ترويجه من قبل أعوان المتآمرين. المجد للشهداء والضحايا، والخزي والعار لكل من تآمر على ثورة 14 تموز المجيدة.