لم يكتب إرهابي نيوزيلندا الذي قتل أكثر من 50 مسلماً اليوم على رشاشه اسم معركة «فيينا 1683» فقط على رشاشه، وإنما كتب عدة أسماء وعدة قادة «مسيحيين» كان لهم تاريخياً دور في انتصارات عسكرية على مسلمين أو مذابح قاموا بها تجاه المسلمين.
«معركة فيينا 1683» لم تكن وحدها التي هُزم فيها المسلمون، فهناك قائد آخر كتب اسمه على الرشاش «نيكيتاراس – Nikitaras»، أو «ملتهم الأتراك» كما يلقب في اليونان، ورغم أنّه ليس أشهر قائد يوناني في وقته، إلا أنّ له شهرة كبيرة، فكيف اكتسب هذا القائد اليوناني لقب «ملتهم الأتراك – العثمانيين»؟
البداية.. ثورة اليونان ضد العثمانيين
وقعت اليونان ضمن أملاك الإمبراطورية العثمانية حتّى قبل فتح العثمانيين للقسطنطينية عام 1453 م، وتمكّنت سلطتهم عليها أكثر مع سقوط القسطنطينية بيد السلطان محمد الفاتح.
استطاع العثمانيون السيطرة على اليونان لفتراتٍ طويلة، وقد كانت بعض الثورات تقوم بين وقتٍ وآخر، حتى قامت ما يمكن تسميته «ثورة اليونان الكبرى»، أو «حرب الاستقلال اليونانية» كما يسميها اليونانيون، والتي بدأت عام 1821 وانتهت عام 1832م.
مَن هو «ملتهم الأتراك» إذاً؟
نيكيتاراس، هو قائد يوناني، ابن شقيق أحد أشهر قادة اليونانيين في تلك الفترة «ثيودوروس كولوكوترونيس»، انضم نيكيتاراس هو وأخوه لعمّه في حروبه ضد العثمانيين، لكنّ شهرته الأكبر التي منحته هذا اللقب جاءت في معركة «ديرفيناكيا – Dervenakia».
عندما قامت الثورة اليونانية كان محمود باشا الدراملي، وهو وزير عثماني وباشا، والياً على لاريسا ودراما والمورة. وقد كلفه السلطان بقيادة حملة لإخماد الثورة. بدأ دورملي باشا حملته العسكرية التي أطلق عليها تاريخياً «حملة دورملي» بنجاحٍ كبير، فاستطاع هزيمة اليونانيين في أكثر من معركة، وسيطر على أكثر من مدينةٍ وحصن.
لكنّ حملته التي بدأت بنجاحٍ كبير انتهت بطريقةٍ مأساوية للقوات السلطانية العثمانية، وعلى يد نيكيتاراس الذي كان تحت قيادة عمّه، كما ذكرنا.
عندما وصل دورملي إلى منطقة أرغوليذا اليونانية، عندما وصل هناك كانت هناك مفاجأة، فالجيش العثماني الذي كان يخطط أن يلتقي به في «نافبليون» كان في منطقةٍ أخرى «باتراس»، وكانت قلعة أرغوليذا مأهولة باليونانيين الذين استطاعوا أن يصمدوا في وجه دورملي.
كانت الحملة في الصيف، في شهر يوليو/تموز، وبينما كانت درجة الحرارة من ناحية تعيق الجنود العثمانيين، كانت المنطقة التي نزلوا فيها غير مناسبة جغرافياً لقيادة أي معركة، خصوصاً أنها أرض اليونانيين التي يعرفونها جيداً، واستطاع الرماة اليونانيون أن يحصدوا الكثير من الفرسان العثمانيين.
أدرك دروملي أنّ وضعه حرج للغاية، وأنه يجب أن ينسحب من هذه الأرض التي انحصر فيها، وفي هذه الأثناء كان القائد العام «ثيودوروس كولوكوترونيس» قد وجّه بالنفير العام وأنه بحاجة لمتطوعين يونانيين لمواجهة حملة دروملي، وقد كان له ما أراد، فقد توافد عليه المتطوعون من أماكن عديدة، وأصبح تحت قيادة «نيكيتاراس» وحدة ما يفوق ألفي مقاتل يوناني. وهنا بدأت خطّته.
أباد الجنود العثمانيين!
استخدم اليونانييون أسلوب «الأرض المحروقة» وهو أسلوب متّبع في الحروب، وهي عمليات يتم فيها «إحراق» أي شيء قد يستفيد منه العدو عند التقدم أو التراجع في منطقة ما، وهنا تفاقمت أزمة العثمانيين.
وجّه دروملي باشا حوالي ألف من جنوده الألبانيين لاستكشاف ممرات آمِنة يستطيع أن يهرب منها، لكنّ اليونانيين استطاعوا أن يوقعوا دروملي باشا في كمينٍ هائل، فقد تركوا الفرسان الألف يعبرون دون مشاكل، فلم يفقدوا سوى 3 فرسان فقط، في مناوشات عابرة. كان هذا كميناً خطيراً.
فقد بدأ نيكيتاراس بتقطيع الأشجار وتكديس الأحجار في وديان ديرفيناكيا، وبدأ «حرب عصابات» على الفرسان العثمانيين، كانت المعركة مذبحة هائلة، الرماة اليونانيون حصدوا أرواح الفرسان العثمانيين، ثمّ نزل نيكيتاراس وجنوده بالخناجر والبلاطي والسيوف في معركة صفرية تماماً، استطاع خلالها القضاء على قوة كبيرة من الفرسان العثمانيين.
نعود إلى دروملي باشا الذي استطاع أن يجد طريقاً آخر للهرب من هذا المأزق الذي أصبح فيه، إلا أنا نيكاتاراس استطاع أيضاً مفاجأته هو وقواته بنفس التكتيك الذي اتخذه منذ يومين في إبادة كتيبة كاملة من الفرسان العثمانيين.
استطاع نيكيتاراس – وفقاً لبعض المصادر الإنجليزية- هذه المرة أن يبيد الجيش العثماني بأكمله، وقد غنم اليونانيون من هذه المعركة فقط الكثير من الغنائم الثمينة، والأمتعة العثمانية إضافةً إلى 1300 بغل و400 حصان و700 جمل. ووفقاً لبعض المصادر فإنّ حملة دروملي التي بدأت بـ 23 ألف جندي انتهت بنجاة 6 آلاف منهم فقط.
من هنا جاء لقب «ملتهم الأتراك» الذي كتبه الإرهابي في نيوزيلندا على رشاشه.
كيف انتهت حياة نيكيتاراس بعد ذلك؟
بعد انتهاء حملة دروملي بوفاته هو شخصياً، كانت هزيمة هائلة للقوة العثمانية، ما دفع السلطان للاستعانة بمحمد علي والي مصر، للقضاء على ثورة المورة في اليونان، على الناحية الأخرى أصبح عمّ نيكيتاراس القائد الأشهر في اليونان، ما ألّب عليه أعداؤه السياسيين لاحقاً.
بعد انتهاء الحرب عام 1832 سُجن نيكيتاراس مع عمّه القائد الأشهر في تلك الحروب «كولوكوترونيس»، لأنهما أصبحا معارضين قويين للملك «أوتو» الذي تمّ تنصيبه ملكاً على اليونان بدعم فرنسا وبريطانيا وروسيا، وبموافقة السلطان العثماني في اتفاقية لندن، بعدما فشل فشلاً هائلاً في إخماد ثورة اليونان.
أطلق سراحه نيكيتاراس من السجن عام 1841 ولكنّ فترة السجن أنهكته وقد كان عمره 57 عاماً، وتوفي بعدها بـ 8 سنوات فقط. لكنّ لقبه «ملتهم الأتراك» لا زال محفوظاً في ذاكرة اليونانين، وغيرهم على ما يبدو، فالإرهابيّ منفذ الهجوم أسترالي الجنسية.