عندما كنا اطفالا ونحن ننصت باهتمام الى قصص وحكايات الابطال التي كان يرويها لنا اجدادنا وجداتنا خاصة في ليالي الشتاء الطويلة، كم كنا ننبهر بهؤلاء الابطال وهم يدافعون عن الاخرين او ينقذونهم من محن ومصائب او يساعدون الفقراء والمساكين او يصارعون وحشا ما كي ينقذوا قرية او مدينة ما من الهلاك. في معظم تلك الحكايات تقريبا كان البطل ذو اخلاق حميدة، متواضع، محبوب، متفاني، مضحي، ومثالا للشخص الشريف النزيه. اليوم ونحن نرى ونسمع ونقرأ عن بعض ابطالنا ونقارنهم بأبطال قصصنا وحكايتنا نتعجب ونندهش! نعم صحيح بعضهم قاتل او قاوم او دافع وحتى البعض منهم بذل روحه في سبيل قضية شعبه، صحيح البعض منهم تعب وسهر واطعم الجياع من بني جلدته في ايامنا العصيبة هذه، صحيح البعض استخدم علاقاته الواسعة وانفق ماله ووقته وفعل كل ما بوسعه لنجدة اهله، صحيح البعض منهم بذل جهودا كبيرة واستثنائية كشاعر او كاتب او ناشط على صفحات التواصل الاجتماعي وتعرضوا الى ما تعرضوا اليه من متاعب ومشاكل نتيجة عملهم هذا. كل هؤلاء جهودهم لا تنسى ونحن نعترف بذلك ولا ننسى جهودهم وتضحياتهم ونقر انهم ابطال نعم (ابطال) بكل معنى الكلمة، ولكن للأسف (ونقولها باسف) ان “بعض” هؤلاء الابطال فاسدون نعم فاسدون (طبعا حسب اقوال هؤلاء الابطال بعضهم عن البعض، واتهامات هؤلاء الابطال بعضهم ضد البعض، وشهادات هؤلاء الابطال بعضهم على لبعض).
طبعا هذا التناقض العجيب ( بطل وفاسد في نفس الوقت) ليس حصرا بنا نحن فقط، فالعالم اليوم مليء بالتناقضات الغريبة، فاذا ما القينا نضرة على سمات وطبيعة الابطال على مستوى العالم فنرى هناك ابطال فاسدون وابطال مجرمون وابطال مستبدون وابطال نرجسيون حتى انه على مستوى العراق هناك ابطال فضائيون أي انه لم يقم باي عمل بطولي لكن اسمه ادرج في قائمة الابطال وكثيرا ما نسمع اسمه هنا وهناك كبطل فعل كذا وكذا.
قد يقول البعض او يعتقد ان هذا مجرد كلام انشائي وبعيد كل البعد عن الصحة، ولكن لو بحثنا الامر بشكل جدي سنرى بان هذا هو واقع الحال. فمثلا على مستوى الابطال الذين قاتلوا وواجهوا ارهابيي داعش في احلك الظروف وهم كثيرون، فلا تمر فترى طويلة حتى نسمع اتهامات بين هؤلاء الابطال انفسهم يتهمون بعظهم البعض بالفساد وبالتالي لابد ان يكون عدد منهم ابطال فاسدين او ربما ابطال فضائيين. وعلى مستوى انقاذ الناجيات وعلاج الناجيات وارسال الناجيات الى الخارج طبعا كان هناك ابطال عديدون قاموا ومازالوا يقومون بهذا الامر ولكن العديد من هؤلاء الابطال اتهموا بالفساد حتى ان الكثير من المشاكل حدث نتيجة هذه الاتهامات، اذا لابد ان يكون عدد من هؤلاء الابطال فاسدين فلا دخان من غير نار. على المستوى السياسي والثقافي والادبي وحتى العشائرى والديني ايضا كان ومازال هناك البعض ممن يوصفون بالأبطال في مجال عملهم لكن لا احد يستطيع ان ينكر ان شبهات الفساد تلاحق العديد من هؤلاء الابطال أي انهم ابطال فاسدون.
لذلك لا تتعجب عندما يتحدث احدهم عن بطل ما من ابطالنا الكثيرين فيقاطعه شخص ما ويقول عنه انه فاسد، انه امر طبيعي في دولة توصف بانها من اكثر الدول فسادا في العالم.