المبدع الكبير ( أحمد خلف ) من ابرز كتاب القصة والرواية الحديثة العراقية . بأنه يمتلك اسلوبية بالغة الجودة في الابداع , في التنوع واقتحام كل الاشكال السردية بالتنوع في الحبكة الفنية وتقنياتها الحديثة . اضافة انه يملك رؤية ناضجة في الصياغة الفنية ومنصات التعبير في الرؤية الفكرية , التي يستخلصها من الواقع الحياتي والمعاشي , ويصوغها في خيال فني خصب في آفاقه الواسعة والمتمددة , ليجعل النص الروائي في سعة التناول الواسع . انه يغوص في صلب الاشياء وعمقها , ليخرج منها , الجوهر بالمعنى التعبيري في , في دلالاته العميقة . وتجربته الطويلة في تجربة الفن الروائي , أكسبته خبرة ومهارة وصنعة احترافية , في الاشكال السردية وتقنياتها , التي تعطي القوة التعبيرية في طرحها وتشخيصها , لذلك نجد في رواية ( محنة فينوس ) وظف عدة اساليب متنوعة , من اسلوب التداعي الحرالذي سكبه في انسيابية شفافة في الحبكة السردية , التي تملك العمق بلغتها المشوقة والمرهفة , وكذلك توظيف الرمز في التعبير , وفي استخدام التناص في الاسطورة , وجرها الى الواقع العراقي , قديماً وحديثاً , في بؤرة سماته البارزة والمكشوفة . لذلك استخدم في هذه الرواية ( محنة فينوس ) . الاساطير الرومانية والاغريقية . ومهما اختلف اسمائها ومسمياتها , وانما ان نأخذ الجانب الرمزي في المغزى والدلالة . ( فينوس الرومانية / يقابها افروديت الاغريقية ) او ( مارس الروماني / يقابله اريس الاغريقي ) وهكذا . ( اثينا / تمثل بغداد ) . لذلك نهتم في البعد الرمزي ومنطلقاته التعبيرية في هذه الرموز , بالقصد والمقصود . من اجل تسليط الضوء على ازمنة الاستبداد والطغيان الشمولي , مهما كانت مسمياتهم , سواء كانوا آلهة واباطرة والطغاة مأجورين في حكمهم المطلق , اومن صنف البشر من الطغاة المتوحشين . لان الجامع المشترك بين هؤلاء , هو اللهاث على الحصول على صولجان السلطة , مهما يكون حتى بطريقة التدمير والخراب للبلاد . فهكذا دمروا بالخراب بغداد والعراق , واهلكوا اهلها وحرثها . في صراعات دامية وحامية الوطيس , كلفت انهار من الدماء واطنان من الجماجم التي سقطت في ساحة الوغى والحرب , في سبيل الاستيلاء على صولجان السلطة . الذي يأتي دائما عبر الخرائب والنيران الحارقة . يتجرع الناس فيها مر العذاب وكأس الحنظل . وحين يستولون على صولجان السلطة , يطلقون العنان للوحش الرابض في عقولهم في التوحش . في هلاك البلاد والعباد , وممارسة اساليب البطش والتنكيل بكل صفاتها الوحشية , اضافة الى استخدام سلاح التجويع والفقر والارهاب , وامتلأ السجون وزنازين الموت بالضحايا , حتى دفن الابرياء في الحفر وهم احياء . هذه الصفة العامة لازمنة الاستبداد والطغيان القديمة والحديثة . ولكن من المهازل السخرية التراجيدية . يتم سرقة الصولجان عن طريق الخدعية والمكر الثعلبي والشيطاني بالاحتيال , وما حقيقة سرقة آله الحرب والشر والدمار ( مارس ) للصولجان , جاء نتيجة احتيال وخديعة عن طريق التوسل الى رب الارباب الالهة ( زيوس ) يطلب منه ان يعيره الصولجان , لليلة واحدة فقط ثم يعده اليه , ولكن حين مسك صولجان السلطة أشتعلت نيران الحرب المدمرة والطاحنة بينهما , ماهي إلا صورة طبق الاصل , لكل الانقلابات العسكرية التي مرت على تاريخ العراق . وكبدت العراق خسائر فادحة وباهظة لا تعوض , بالخراب والموت وسفك انهار من الدماء . التي عصفت في أثينا ( بغداد ) واطلقت العنان لعقلية الحواسم والعلس , وثقافة الحقد والكراهية والعداوة . وبالتالي كانت النتيجة المأساوية في اغتصاب الحب والجمال , وافراغهما من محتواهما الانساني والحياتي , وتحولهما الى محنة , مثل محنة ( فينوس ) آله الحب والجمال , حينما اغتصبها , آله الشر والموت والدمار ( مارس ) ليجرد الحب والجمال من اشراقاته , من خلال فض بكارة ( فينوس ) وحملها في احشائها الجنين , من حيامين الشر والحرب والخراب . هذه العدوانية الدنيئة والخسيسة . ليجرد اثينا ( بغداد ) من معالم الحب والجمال , وليخلق محنة حياتية عويصة , هي بالضبط مثلما اغتصبت الانظمة الطاغية في الاستبداد الشمولي , في كل مسمياتها العسكرية والدينية , مثلما هو الواقع العراقي عبر مراحله السياسية . الذين دفعوا العراق الى الخراب والدمار , في صراعهم المسعور على صولجان السلطة . ان يعبثوا بالخراب والفوضى في صراعهم الدامي . ان يشعلوا النيران وبشن الحروب العبثية والمجنونة بالفوضى , لكي تحترق اثينا ( بغداد ) . وما على المساكين الناس والفقراء , إلا تأدية فروض الطاعة . وتقديم القرابين تلو القرابين , من اجل بقاء صولجان السلطة بأيديهم الى الابد ( بعد ما ننطيه / او دار السيد مأمونة ) . وهم يتلاعبون في ارواح البشر . في البطش والتنكيل والاغتيال . على صرخات كرنفالات المجد والتعظيم الى ( زيوس ) العظيم رب الالهة الجبار , السيد المطلق . مثلما كان سابقاً ( قائد الضرورة العظيم ) او حالياً ( الاصنام المزيفة المقدسة ) . وما على اهالي اثينا ( بغداد ) سوى تقديم كرنفالات الفرح العظيم , على الدموع والنحيب والعويل بالحزن والخراب والتعاسة , على توابيت الاموات التي أمتلئت بهم المقابر , ولكن الويل من يحتج ويعترض على الامر الآلهي المقدس , على حكم الالهة والباطرة والطغاة والفاسدين , عليه ان يضع حياته على راحة عفريت مجنون , عليه ان يكتب على نفسه الموت والاغتيال المحتم والمحتوم . ان يجد الوحشية الدموية امامه بالصدمة المروعة ( حين بلغ الاباطرة الاسياد احتجاجات نفر من الشباب , أرسلوا لهم عشرة من رجال اشداء مدججين بالهرواة والقبضات الحديدية وعملوا بهم ضرباً مبرحاً وراحوا يسومونهم اصناف العذاب على مرآى ومسمع من اهاليهم , بعد ذلك الضرب المبرح , لم يعد الاهالي يعلمون ماذا حل باولادهم وفي اي المغارات دفنوا او حشروا حتى قيام الساعة ) ص16 . . ان كل الطغاة قديماً وحديثاً , متشابهون بنهج سلوك الوحشية الدموية في العنف المفرط , حين يكون بحوزتهم صولجان السلطة . من اجل خلق مناخ الرعب والخوف والفزع . حتى تتكامل المدينة الديستوبية الفاسدة في اثينا ( بغداد ) . في تجنيد العسس , و حتى تجنيد الذباب والصراصير , حتى الجدران تكون لها اذان , تسمع وتسجل . هذا ما حل الخراب في اثينا ( بغداد ) , وهذه محنة فينوس , التي اغتصبت وحملت من اللعين والشرير ,آله الشر والموت والدمار ( مارس ) حتى يختفي الجمال بالتشويه والتخريب بالعبث والفوضى , على دموع ونحيب ( فينوس ) بالحزن والنجوى , ان يترك اثاره على جسدها البض , وهي في حالة ذهول مأساوية ( وقد تركت الاثار في جسدها البض ميسماً واصابها الذهول مما جرى لها من مارس اللعين , سكبت فينوس دموعاً ومداراة وبكت ساعات طوالاً ولم يرأف بحالها احد ) ص28 . هذه معالم الدولة الفاسدة التي يخلقها الاباطرة الطغاة , ان يحولوا الحب الى عهر وفساد ورذيلة , وان يحولوا الجمال الى خراب وخرائب تجتاح الحياة ( اذ ليس مثل مدينتنا مدينة اخرى تحملت عبث الالهة وجنون الاباطرة ولهو سدنة المعابد , كانت اثينا مضطرة الى فتح ابوابها لكل عابر يروم من رحلته حفنة من ثرائها المتبقي .. انني ارى ما حل باثينا من خراب حتى احد المارة صاح في اطراف الغابة منادياً زيوس الجبار ومتحدياً اياه ؛ ( اذا كانت فينوس التي اصبحت عاهرة ينالها كل مفلس هي سبب الخراب فماذا ستفعل بالجنين المسخ في احشائها ؟ واين ستلقي به يا زيوس ) ص46 . ولكن هذه حقيقة الخراب الذي حل في اثينا ( بغداد ) , ان حول الازمة الحياتية , الى حالة الاذلال والمهانة , والالهة والاباطرة الطغاة المأجورين , يتنعمون بنعيم الحياة في الرفاه والرخاء , ويطلقون وحوشهم وكلابهم السائبة والضارية , تفتك بعامة الناس , حتى اصبحت الناس تخاف من خيالها , فكان الرعب والخوف يلاحقهم اينما كانوا . وفتحوا ابواب الحروب العبثية , التي احرقت واهلكت الحرث والنسل . تحت شعارات مزيفة ( النصر لنا والهزيمة لاعدائنا / او كل شيء من اجل المعركة , او الدفاع عن الوطن الذي ينتهك الشرف والاعراض ) , هذه السخرية التراجيدية , التي ابتلت بها اثينا ( بغداد ) , وهم يقدمون القرابين تلو القرابين . حتى فقدت القيم والاخلاق قيمتها في الحياة , حتى تزعزع الايمان وتبعثر الحق هارباً خوفاً من عنف ودموية الباطل , في حديث لسجين نجى من الموت في اعجوبة , بعد طمره في حفرة مع الاخرين احياء واهالوا عليهم التراب لايمسحوا مكان الجريمة , هذه افعالهم الوحشية والمخزية ( – أتحقد عليهم الآن ؟
( – أحقد ؟ أتريد الحق لقد زعزعوا ايماني بكل شيء) ص128 . هذه الانظمة الباطشة , اطلقوا العناق لاخلاق الحواسم والعلس , بعقلية قطاع الطرق , من السراق والمجرمين , والذين جاءوا من مواخير الفساد والرذيلة , جعلوهم يتحكمون في مصير الناس المساكين ( – نعم بكيت عندما هددوني ذات يوم بالفعل المشين , لانهم قايضوني بين تقبيل احذيتهم وبين ان يطؤوني الواحد بعد الاخر , لم اتوان ولم اتردد في الانكفاء على احذيتهم لأقبلها الواحدة اثر الاخرى وانا اجهش بالبكاء , والدموع كانت تنهمر من عيوني على الاحذية ) ص126 . ولكن اللعنة والخراب حلت في اثينا ( بغداد ) . حلت فيها العقاب الالهي , دون رحمة ولا شفقة ( اثينا , اثينا , اية لعنة حلت عليكِ , ان غضبي لن يهدأ ما لم اجعلكِ مجرد حجارة على حجارة اخرى , ايتها الجاحدة , الناكرة لسطوتي ورعايتي لكِ , لن يمر بك الصحو ما لم اوجه اليكِ العقاب المناسب على افعالك ايتها الشمطاء يا اثينا ) ص166 . وكان العقاب الالهي يترجم بحذافيره على الواقع العراقي .
× الرواية : محنة فينوس
× المؤلف : احمد خلف
× الطبعة الثالثة : عام 2018
× عدد الصفحات : 171 صفحة
الطبع : في مطبعة جعفر العصامي . للطباعة والتجليد الفني / مؤسسة ثائر العصامي
جمعة بدالله