بلا شك، هناك مواضيع كثيرة لدى الشارع الإيزيدي يحتاج إلى فك طلاسم الإستفهامات عنها، بسبب عدم تطرق الكتاب والباحثين إليهِ، أو بسبب الغموض الذي يكتنفه، فقسم منها ممن تعمد البعض على عدم ذكرها، وغيرها من التي يحتاج إلى من يريد الغور في تفاصيلها.
وما يخص موضوعنا، أي المجلس الروحاني الإيزيدي الأعلى في العراق والعالم! والذي هو بالأصل، يدعى “المجلس الروحاني الإيزيدي” حين تأسيسه سنة 1932، بدعوة من الإنتداب البريطاني في العراق، وبغية السيطرة على جميع شرائح المجتمع العراقي أنذاك عن طريق الدين، حيث تم تشكيل تلك المجالس لجميع الأديان، وما جلبهم لمماليك أغلب الدول العربية من العائلة المالكة في مكة (سعودية)، إلا دليل صارخ على ذلك.
أما إتباع البريطانيين لسياسة استغلال الدين فقد كان ذكاءاً مفرطاً، حيث إن أكثر الناس إستغلالاً لشعوبهم هم رجال الدين (ربما يستثني منهم البعض القليل)، ولاسيما أن مجتمعاتنا الشرقية متأثرين بالدين كثيراً، وبالإمكان تسيرهم حسبما يشتهون من خلال رجال الدين!!
وعن تغير أسم المجلس الروحاني الإيزيدي، على ما هو عليه (المجلس الروحاني الإيزيدي الأعلى في العراق والعالم)، فهو ليس سوى لإضافة هالة قدسية أكبر على المجلس! والذي جل صلاحياته تكمن في تسير الأمور الدينية فقط، ولأسباب كثيرة، منها:
أ. جميع أعضاء المجلس الخمسة هم رجال دين، وكلاً مؤكل إليهِ مهام ديني حصري.
ب. جميعهم من ولات شيخ، وإيزيدية ولات شيخ لا يمثلون سوى ما يقارب الـ (20%) من إيزيدية العالم (إيزيدية شنكال، إيزيدية سوريا ، إيزيدية تركيا، إيزيدية جورجيا، إيزيدية أرمينيا، إيزيدية روسيا .. وغيرهم)، وبذلك لا يجوز حصر جميع أمور أتباع ديانة كاملة بيد إيزيديي منطقة صغيرة.
والمهام المؤكلة لأعضاء المجلس الروحاني الإيزيدي، هي مهام دينية حصرية (كما أسلفنا) فقط لأنهم قريبين من معبد لالش، وبالإمكان توسيع المجلس طالما هم مهتمين لأن يمثلوا إيزيدية العراق والعالم!
وأما أعضاء هذا المجلس، الذي يثار الجدل حولهم وكيفية تنصيبهم، فهم:
1- الأمير (يتم إختياره من عائلة الإمارة في باعذرة)، وحسب العرف الإيزيدي يجب أن يكون من طرفي الوالدين ينسل من العائلة الأميرية، وأن يكون حصراً من أبناء الأمير (إذا كان له من يشمله هذهِ الشروط).
2- بابا شيخ (يتم إختياره من أحدى العائلتين: عائلة بابا شيخ الإيسياني، وعائلة بابا شيخ الشيخكي)، وهم من شيوخ شيخ ملك فخر الدين.
ويقال بأنه كان هناك ثلاثة فروع من شيوخ ملك فخر الدين، أحدهم نال المريدين، والأخر أستلم باب شيسوار، والأخر أستلم منصب البابا شيخ، أي هاتين العائلتين.
وهناك شيوخ أخرين من نفس شيوخ شيخ ملك فخر الدين، ولكن لا يحق لهم الترشح إلى منصب البابا شيخ، ذلك لأن لديهم مريدين، أو هم مشرفين على باب شيسوار، وفقط هاتين العائلتين ممن يحق لهم الترشح لهذا المنصب الديني، ناهيك عن بعض الاستثناءات التي حصلت على مر التاريخ بحكم كرامات الصالحين، أمثال كوجك بريم، والذي كان من طبقة المريدين.
3- كبير القوالين (يتم إختياره من عوائل القوالين في بحزاني، وفقاً لما يملكه من علم ديني).
4- شيخي وزير (شيخي شيشمس، من بوزان)، ويجوز لأي شيخ من شيوخ شيشمس نيل هذا المنصب الديني، ممن يستلم باب شيشمس في لالش، أي إنه المنصب الوحيد الذي يتغير بتغير سادن مزار شيشمس.
5- بيشئيمام (شيخي شيخ حسن)، ويحق لشيوخ شيخ حسن جميعاً الترشح لهذا المنصب، إن توفرت لديهم الشروط اللازمة، سواء كانوا من بعشيقة أو بحزاني او شنكال أو أي مكان أخر.
ورغم أن مسألة تنصيب أي عضو من أعضاء هذا المجلس، له ألية وعدة شروط، ربما استغنى عنها المعنيين بها في الفترة الأخيرة، ولأسباب غير معروفة، قد تكون متعمدة أو بجهل عن تفاصيلها أو خوفاً! لكن ملء مكان أغلب هؤلاء الأعضاء كان على شكل مساومات (حسب ما يتم تداوله)، حيث أغلبهم قد أخذ مكانهم أولادهم، مستثنين عن الشروط المعمولة في العرف الإيزيدي!!
وفي الحقيقة، كان إقرار إشغال أي موقع في المجلس، فيما عدا منصب الأمير، يكون من صلاحيات الأمير نفسه، باعتباره رئيساً للمجلس، وهو أكبر منصب ديني ودنيوي في المجتمع الإيزيدي، وذلك بعد توافر الشروط المطلوبة طبعاً، وبموافقة بقية أعضاء المجلس وشيوخ عشائر الإيزيديين، على اعتبارهم كانوا يمثلون الشارع الإيزيدي أنذاك.
وأما الأن، فالذي لا يخفى أبداً، الدور الذي يلعبه المثقفين الإيزيديين، إذ يفوق طبعاً دور هؤلاء شيوخ العشائر ورجال الدين معاً، ولذلك وجب الاعتماد عليهم أيضاً ومع جل المؤثرين في الساحة (شيوخ عشائر، رجال دين، مثقفين بشتى صنوفهم، إعلاميين، نشطاء، أكاديميين)، ومن جميع مناطق تواجد الإيزيديين في العالم.
وعن الطروحات الداعية لصلاحيات المجلس الروحاني في إقرار تعين الأمير الجديد، فلا صحة لها إطلاقاً، وإنما منصب الأمير يجب أن يتم إقراره بموافقة جميع الإيزيديين، ومن الخطأ الترويج له على إنه من صلاحيات المجلس الروحاني الإيزيدي، ولأسباب كثيرة، نذكر منها هنا:
أولاً: المجلس الروحاني الإيزيدي، وكما ذكرنا سابقاً، مجلس حديث العهد نسبياً، ومنصب الأمير قديم جداً، فكيف لمجلس حديث صلاحيات إقرار مواقع أقدم منهم بمئات السنين؟!
ثانياً: قانوناً لا يجوز لمجموعة معينة ترشيح شخص أخر لتشغيل عضوية ضمن المجموعة نفسها!
ثالثاً: تاريخياً لم يسبق وأن حصل أمراً مشابهاً حتى نعتمد عليهِ.
رابعاً: بحكم تداخل عمل أعضاء المجلس، ومصالحهم، لا يجوز منحهم تلك الصلاحية، وبخاصة هناك كلام كثير عن مساومات حصلت ضمن المجلس نفسه، يقال بأنهم قد نصبوا أبن البيشئيمام محل والده دون الشروط، لأجل موافقته أيضاً مع بقية الأعضاء في تنصيب أولادهم!! وكذلك تنصيب أبن رئيس القوالين، دون الشروط لأجل المساومات، وقد تعهدوا أيضاً بتنصيب شيخ فرهاد ليخلف والده البابا شيخ (بعد عمر طويل)، وكذلك هناك كلام كثير حول التزام أعضاء المجلس بتعيين أحد أولاد الأمير تحسين بك (رحمه الله) من الذين لا يشملهم الشروط أيضاً!!
خامساً: أعضاء المجلس الروحاني، بما إنهم يستلمون رواتب شهرية من جهة سياسية، فلابد أن يتم إستغلالهم من قبل تلك الجهة، وهذا بحد ذاته يفقدهم استقلاليتهم ليكونوا ممثلين عن جميع الإيزيديين.
سادساً: جميع الإيزيديين يدركون بأن المجلس الروحاني يخشى مواجهة أي مرشح للإمارة، وبخاصة من يملك نفوذاً، فلا داعي لحشرهم في الموضوع وإحراجهم، لأنه بكل الأحوال لن يستطيعوا مواجهة الموقف لوحدهم.
هذهِ الأسباب وغيرها من التي ذكرناها، يدفعنا لأن نفكر ملياً برص الصفوف، وليس خداع الشارع الإيزيدي بشرعنة أفكار خاطئة! وإشاعتها بين الإيزيديين لأجل اجتهادات شخصية، والترويج لرؤى يراد منها أهداف أخرى! بعيدة كل البعد عن مصلحة الشارع الإيزيدي.
وبدلاً من ذلك، علينا طرح أفكار تخلق الثقة لدى الإيزيديين بمشاركته للقرارات المصيرية المتعلقة بحياته، فإذا كنا نحن من نتجاهل صوت بني جلدتنا، فكيف بنا أن نلوم الأخرين على ذلك؟! ومن هذا المنطلق، وحرصاً على توحيد الخطاب الإيزيدي، أقترح ما يلي:
– إختيار لجنة تحضيرية لمؤتمر إيزيدي عام، يضم جميع إيزيدية العالم، ويكون بقية أعضاء المجلس الروحاني أعضاء فيهِ، وهذهِ اللجنة تمثل جميع مناطق تواجد الإيزيديين، شريط أن يختارهم الإيزيديين في مناطقهم، وليست جهة معينة!!
– تقوم هذهِ اللجنة بإختيار أعضاء المؤتمر الإيزيدي العام من جميع مناطق تواجدهم، ووفقاً لكثافتهم السكانية، ويراعي في إختيار أعضاء المؤتمر العنصر النسوي، والمثقفين، ورجال الدين وشيوخ العشائر.
– يقوم المؤتمرون بعمل منهاج ونظام داخلي للمجلس الروحاني الإيزيدي، ومع إضافة عدد من الأعضاء الأخرين من بقية مناطق تواجد الإيزيديين، ومن ثم القيام بإختيار أمير من ضمن المرشحين الذين يشملهم الشروط المعمولة بها أو المنصوص عليها ضمن برنامج المؤتمرين.
– تشكيل مجلس إيزيدي على غرار المجلس الروحاني، من الأكاديميين والمثقفين، وشيوخ العشائر، كهيئة تحضيرية لانتخاب مجلس إيزيدي أعلى، ويشمل جميع إيزيدية العالم، ومهمته تكون دنيوية، مع حصر الأمور الدينية بيد المجلس الروحاني.
حسب قناعتنا، من يريد احترام رأي الشارع الإيزيدي، فسوف يدعم إشراكهم في القرارات المصيرية المتعلقة بحياته، وأما من يدعوا إلى تجاهل هذهِ الخطوة، فلا يتوقع أن يتقبله الإيزيديين، وأينما كانوا، حتى وإن طبل لهم ألف طبال هنا وهناك!