الأحد, نوفمبر 24, 2024
Homeمقالاتاحداث تافهة عاصرتها 3 : صلاح حسن رڤو

احداث تافهة عاصرتها 3 : صلاح حسن رڤو

الاستاذ جلال
الابتسامة الصادقة وتفاصيل الوجه المألوفة وحديثه الهادى والصلعة البارزة وبقايا شعره الابيض جعلت من الاستاذ عبد الحميد_ معلمي في المرحلة الابتدائية_ مثالاً للطيبة والخير في مخيلتي الطفولية، والاسباب ذاته كانت دافعاً لجعلي شخصاً مصغياً لكلام ابن اخته السيد فاضل وهو يتحدث لنا بشغف عن طريقة طبخ “الباجة”، فـالعائلة باتت خبيرة بحشو الامعاء الى قلي اللسان الى خلع اسنان الجمجمة قبل الغلي انتهاءاً بكمية الليمون الموضوع في ماء الطبخة…الخ من التفاصيل الكثيرة كان يتحدث عنها السيد (فاضل) في عمل عائلته لهذه الاكلة المشهورة في شتاءات بيوت العراقيين ،ولكون عائلة (فاضل) واخيه(جلال) يشترون بشكل شبه يومي و بمعدل خروفِ كامل ليبيعها الاخير في مطعمه الصغير في المرآب الوحيد للسيارات المغادرة من سنجار الى المدن والقرى المجاورة، لذا يبقى راس الخروف والارجل والامعاء الداخلية لا تصلح الا لصنع الباجة، فتقوم العائلة بالتفنن في طبخه واكله ،وكذلك تقديمه للضيوف والجيران، ولكوني كنت “صبي رسام” مع الرسام والخطاط (رفو) فقد عملنا لأسابيع في هذا البيت الواسع واكلنا بما لذا وطاب من انواع الاكلات واهمها الباجة اليومية.
كانت للصدفة دورها في ان يقوم (رفو) بالرسم على جدران بيت تلك العائلة، بعدما عمل احد الرقع في ذلك المرآب وتعرف على برود (جلال) صاحب المطعم الوحيد هناك. جلال كان مختلفاً عن الاشحاص الذين نتعامل معهم او في محيط عملنا كأصحاب مهنة الخط والرسم لا يصادفنا شخص بهذه الهيئة،اذ انه لا يضحك ولا يجامل وتقاطيع وجهه حادة ،اذ لا يمكن للمرء التهكن ما ان كان سعيداً او حزيناً في اللحظة التي يخاطبك ،اضافة انه يتحدث قليلاً وذلك ايضاً عند الجواب على سؤال معين وغالبا ما يكون الجواب فيه الكثير من التهكم_او هكذا بدا لنا_ ، لكن الحال تغير عندما دع (رفو) للرسم في منزله الذي يشاركه مع اخيه الاكبر (فاضل)، اذ رايناه شخصاً مرحاً مثقفاً في المنزل. اجده في ذاكرتي كأول الاشخاص الذين كانوا يكرهون ويعارضون (نظام صدام) عن وعي ومبدأ، والكلام في بداية التسعينات ،اذ كان يقول ان الدولة لم تقبله معلماً بعد التخرج لمعارضته لدخول اي شأنٍ حزبي في طريقة تعيينه، فما كان من الحزب الا يرفضوه في سلك التعليم، وقد كان سعيداً بموقفه وراحة ضميره ،في وقت لم يكن احداً من العائلة راضياً غن عمله في مطعم نقليات صغير رغم انه يجني مالاً اكثر من وظيفة المعلم!
كانت لي آلفه غريبة مع هذا المنزل وهذه العائلة، رغم انني لم امكث اكثر من اسبوعي عمل هناك، فالنساء يعاملونني كأبنٍ صغير، ويعاملون(رفو) كأخٍ عاد من سفرٍ بعيد.صبغنا معظم الجدران بالالوان الزاهية واللوحات الانيقة…يريد (جلال) شلالاً هنا ليستذكر مع زوجته ايام شهر العسل في سرسنك، (فاضل)يطالب بمزهرية مليئة بالورود على خطى رسامي النهضة الاوربية.عائلة الاخوين تشاركنا بفرح في تحويل المنزل لمهرجان الوان وخيوط قوس قزح وما على (رفو) سوى التنفيذ.الساعات مرت بسرعة مذهلة مع هذه العائلة الكريمة وعلقت في ذاكرتي ضحكاتهم ونكاتهم دون لقائي بأحدهم بعد ذلك،وكأنهم في قطبٍ اخر من العالم وليسوا في (حي الشهداء)في سنجار .
مؤخرا وبواسطة “الاصدقاء المشتركين” كما يكتبها عالم الفيس بوك علمتُ بعودة (جلال) الى سلك التعليم،اذ رايتُ صفحة نعيٍ بوفاة ذلك القلب المليء بالحياة والنشاط…وفاة المربي الفاضل (جلال حسن زكر).

صلاح حسن رفو

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular