عقد الثمانينات من القرن العشرين الميلادي تميز بالسلام الداخلي للمجتمع الايزيدي في شنكال ، رغم توقعات البعض في ان تتقاتل العشائر ال بينها بعد اسكانهم في مجمعات قسرية . الا أن المجتمع تجاوز خلافاته العشائرية ليبقى متماسكا و متسامحا داخليا . اثناء ذلك استمرت السلطة في الضغط عليه من جميع النواحي و التشكيك في ولائه و الدونية في التعامل .
رغم ذلك استطاع المجتمع الاستفادة من الخدمات التي وفرتها لهم كالهكرباء و الطرق و المدارس و الخدمات الصحية .
انخفضت نسب الامية ، توفرت اللقاحات و استحدثت فرص عمل جديدة، بدأ بعض الافراد الانخراط في التجارة البسيطة بعد ان كان الايزيدي قد امتنع لعقود طويلة عن ممارسة هذه المهنة لأسباب اجتماعية كانت سببها: ألاعتقاد بأن العمل فيها يحول المجتمع الى مجتمع يعتاش على التربح و استغلال اتعاب و خداع الاخر و تقديم المادة على قيم المجتمع السائدة ما يخلق خللا في الروابط الاجتماعية و الثقة المتبادلة .
الأ انه حافظ على الثوابت و القيم الاجتماعية التي ميزته رغم التغيرات المعيشية و الانفتاح على محيطه .
اذ كانت للمجالس العشائرية دورها الكبير في تقويم الافراد و ضبط ايقاع المجتمع و ترسيخ القيم للحفاظ على التقاليد و الاعراف الموروثة ، اضافة الى التوعية الدينية التي كانت ملقاة على عاتق رجال الدين .
بالرغم غياب القيادة الواضحة بشخوص مشخصة و ضعف دور المجلس الروحاني في الحضور المباشر في الحياة العامة و اقتصاره على الدور الديني فقط عبر ارسال قرارات شفهية ، بسبب النظام السياسي القائم وقتذاك .
فكان لرجال العشائر كلمة مسموعة و للمجلس الروحاني الايزيدي قرارات تمتلك قوة القانون في المجتمع الايزيدي فيما تخص الجوانب الاجتماعية و الدينية . بل كان ينظر باحترام و تقدير لدرجة الغلو في التقدير تجاه رجال الدين كافة و زعماء العشائر .
اما النشاط الثقافي فكان مقتصرا على القصص التاريخية التي كانت تتداول شفهيا في الامسيات ، او مطربي الفلكلور . تلك القصص و الاغاني الفلكلورية تنقل بغالبيته مأسي تاريخية للايزيدية و تتحدث عن الابادات الاي تعرض لها الايزيدية ، توارثها الاجيال كدروس للحفاظ على الايزيديايتي و تاريخهم فكان ذلك الموروث الثقافي للمجتمع الذي يعكس الحزن و الالم في الوجدان الايزيدي .
حرب الكويت
الايزيدية في شنكال حالهم كحال جميع الشعب العراقي تنفسوا الصعداء بعد انتهاء الحرب مع ايران ، رغم ما خلفته تلك الحرب من اثارنفسية و اجتماعية و سياسية .. الخ كأي حرب اخرى ، حيث مئات الارامل و الاف الايتام ، عوائل كثيرة وجدت نفسها دون معيلها الوحيد الذي ذهب بين اسير او مفقود او استشهاد اما في الجبهات او معدم من قبل النظام ، مجتمع منهك خارج من الحرب . الا ان العائدون من الايزيدية في شنكال كانوا قد اسسوا علاقات ممتازة مع جميع فئات المجتمع العراقي و شرائحه بحكم خدمتهم في الجيش ، و تعايشوا و تعرفوا على ثقافة و حياة اغلب اطيافه الامر الذي كان له دور في أن يكون الفرد الشنكالي اكثر ثقة بنفسه و اكثر انفتاحا على الاخر و اكثر تقبلا و اكثر واقعية .
لم يمضي وقت طويل الى ان دخل العراق في حرب الكويت ، تلك الحرب التي غيرت الطبيعية الاجتماعية للمجتمع العراقي ككل بأثارها المدمرة على مختلف الاصعدة التي كانت منهكة من الحرب الايرانية .
اذ فجأة وجد المجتمع المنهك نفسه لا يملك ثمن الخبز و ان امتلك لا يجد الخبر لشرائه ، البنية التحتية بجملتها منهارة .
ما دفع بالفرد للبحث عن سبل عيش و فرص عمل كيفما كانت و اينما كانت ، لتوفير رغيف الخبز .
الايزيدي وجد امامه خيار واحد فقط ، كفلاح يفلح في مزارع العرب في ربيعة حيث مشروع ري الجزيرة يقتسم ما يجنيه من بيع المحصول كلل نهاية الموسم مع مالك الارض . بعد سنة من التعب و الجهاد الشاق لجميع افراد العائلة طفلا كان ام كهلا .
يرحلون في الربيع لزراعة بساتين الطماطة، مسكنهم خيمة من اكياس الخيش يصنعونها بأيديهم او يبنون غرفة بسيطة من الطين تقيهم من
قيظ الصيف .
لأول مرة اضطرت المرأة للعمل الى جانب الرجل ، لأن العمل في الزراعة تطلب جهد كل افراد العائلة . و لأول مرة اضطرت العوائل النوم في العراء و الأكل في العراء و العيش في تجمعات غريبة عنه .
لاول مرة كانت تفرغ المجمعات بكاملها في الربيع و يعود سكانها في اواخر الصيف ، اكثر من 400 الف فرد كان يرحل في السنة مرتين ، قضاء كامل يفرغ للعمل في ناحية صغيرة .
المجتمع الشنكالي عانى البؤس و الشقاء الذي لم يعانيه أي فئة من المجتمع العراقي في تاريخه في ذلك الوقت ، حيث العمل الشاق تحت حرارة صيف شديدة طوال اليوم ، المعاناة من نقص في الغذاء و الدواء و الكهرباء و المياه النظيفة ؛ الأمية وصلت الى معدلات قاربت المئة بالمئة ، انتشرت الامراض نتيجة الشرب من السواقي المفتوحة الملوثة ، كالملاريا و الكوليرا ، كما ان سؤ التغذية كان له الدور في امراض فقر الدم و التعرض للشمس الحارقة طوال اليوم و المبيدات الحشرية ادى الى انتشار الحساسية المزمنة و امراض تنفسية خطيرة. نتيجة العمل الشاق عانى الكثير من امراض الظهر و المفاصل التي قلصت العمر الانتاجي للفرد الايزيدي فيما بعد . الا أن عزاء الايزيدي في السنوات الاولى و خاصة للمقاتلين الخارجين من حرب ايران و الكويت ، انه افضل من الجبهة ما دام ينعم بالامان و هو بين اطفاله و لا ينفذ اوامر ضباط قساة.
في تلك الفترة بدأت اطماع عشائر العرب الجوار نحو اراضي شنكال ، عملوا للحصول على الاراضي السكنية في شنكال بعد ان كانت السلطة قد وزعت اراضي سكنية لا بأس بها في داخل المدينة على الضباط و العسكر الغرباء عن المدينة ، محاولة بذلك العمل على احداث تغيير ديموغرافية المدينة ، بنيت احياء جديدة لذلك .
في المجمعات السكنية كان ذلك غير ممكنا بسبب طبيعة المجتمع المحافظ ، فكانت تظهر بين فينة و اخرى اشاعات عن ترحيل الايزيدية الى منطقة الحضر او الى مناطق اخرى و حتى الى نكرة سلمان .
كانت جهود شيوخ العشائر العربية مستمرة بهذا الاتجاه بعد أن كانوا قد نجحوا في الاستيلاء على الاف الدونمات من اراضي الايزيدية في جنوب الجبل بدعم السلطة ، اخر الأمر حصلوا على موافقات من الدولة على استملاك الاراضي الواقعة بين المجمعات و الجبل الا ان تلك المحاولة بأءت بالفشل بسبب اصرار الايزيدية على الرفض و الثبات على موقفهم.
عقد التسعينات و ما بعد الى ان سقط النظام كان عقدا يتمحور جله حول مزارع ربيعة ، نمط لحياة جديد للايزيدية شنكال و العمل تحت ظروف عمل مهينة و مذلة و قاسية و بائسة جدا ، قضت على كل امالهم في النهوض و اعادهم الى الوراء لسنوات .
ناهيك عن تنازل الايزيدي و تحمله الكثير ، فالعمل في تلك البيئة القاسية كانت مسألة حياة او موت . الا ان اثاره في المجتمع كانت عميقة جدا .اذ تحمل الايزيدي الاهانة و الذل لأول مرة في تاريخه ، تنازل عن بعض صفاته التي اتصف بها ، حيث وجد نفسه و اطفاله يعاملون بدونية قذرة ، و يسكن في خيمة بائسة بجوار قرى مترفة في حين لا يملك رغيف الخبز لأطعام اطفاله ، . رغم ذلك بقي المجتمع متماسكا موحدا لكن ليس بتلك القوة التي عرف عنه ، متنازلا عن بعض الصفات ميزته و القيم التي قاتل لاجلها لقرون .
خلت هذه الفترة من قيادة واضحة معلنة للايزيدية . نتيجة الترحال المستمر . ضعف دور رجال الدين و المجالس ، اما نتيجة الفقر المدقع ضعف التوجيه و النصح .
فقد رؤوساء العشائر هيبتهم و تقديرهم الذي طالما كان مغالي به في الشارع الشنكالي الايزيدي، بعد أن فرضوا مبالغ مالية كانت تعتبر ثروة وقتها على افراد متطوعين في سراياهم التي اسسها الدولة لهم لكنها تحولت الى مصدر لنهب المجتمع ، الذي كان مضطرا هربا من الخدمة العسكرية الاجبارية ، ليتمكنوا من اعالة عائلاتهم . شاهد المجتمع استغلالهم البشع للايزيدية و بدون رحمه ، حينها فقدوا هالتهم و قاعدتهم الجماهيرية و كلمتهم المسموعة .
اما المجلس الروحاني فكان التواصل شبه معدوم بينهم و بين عامة المجتمع .
في هذا العقد طرأت الكثير من التغيرات على المجتمع الايزيدي ، فدخلت مفاهيم و قيم غريبة عنه ، و تنازل عن مفاهيم و قيم طالما كانت من صلبه . تأثرت شخصية المجتمع من القيم و المفاهيم و الاخلاقيات و ازدادت الفجوة بين المجتمع و رؤوساء العشائر الذين كان ينظر اليهم على انهم عون لهم على الظروف القاسية ، الا انهم اصبحوا ينظرون اليهم على انهم عون قاسي للظروف البائسة على المجتمع .
كما ان ذلك التعصب الديني المتشدد قد خف حدته.
انتشر الفساد و الاستغلال و فقدت الثقة و الصدق و الامانة مراكزها المتقدمة في سلم اولويات المجتمع لتتقدم المادة على حسابها و الكسب للمال اولوية .
اصبح المجتمع في اواخر هذا العقد على وشك الاستسلام ، بدأ القليل جدا منهم ، عرض بيع اراضيهم الصخرية للعرب و التركمان في شنكال حيث كانوا يتربصون الفرصة و يتهيئون للاستيلاء على الاراضي عبر ايجاد موطئ قدم قرب الجبل لتنفيذ الخطوة التالية لطرد الايزيدية من شنكال نهائيا او ابقائهم للعمل و الاستغلال البشع الى اقصى درجات الدونية و القسوة .
اما ثقافيا في تلك الفترة فقد اقتصر على تأسيس اولى فرق الغناء الشعبي في شنكال و اول فرقة تمثيل حاولت نقل الواقع المزري في شنكال كما وصلت اولى الكتب و المجلات و الجرأئد الايزيدية من كوردستان سرا .
حلم الخروج من العراق كان حلما ، حتى لا يمكن الحلم به و لو تحقق للمجتمع ذلك لخرج وقتها اكثر ممن خرج من العراق بعد الفرمان
تحية طيبة ،
السلام والرخاء المعاشي في الثمانينات أيضاً من أفضال حرب الخميني رحمه الله رحمةً واسعة , فصدام المجرم الذكي لم يكن غافلاً بشروط النصر في الحروب , أولها تماسك الجبهة الداخلية وتوفير الأمن والأمان ومنع الحزازيات من أي نوع , صدام حسين لم يكن يحب الشيطان , لكن لو تفوه به أحد أمام جندي يزيدي , صبّ على نفسه غضب الله من أعلى قائد آمر إلى نائب عريف , ولا تظن أن شيئاً قد تبدّل البعثيون هم الآن كما في عهد صدام بل أكثر عدداً فالحكم الشيعي قد جعل السنة كلهم بعثيين بلا إستثناء , اللغز المحير هو دعم الأقليم لهم ؟ هذا سؤال ليس له جواب وسرطان ليس له دواء , داعش جيءَ به لكي يُعيد الأراضي المحررة منهم بعد 2003 ويطرد الكورد وليس الئيزديين فقط من المناطق المتنازع عليها وبضمنها غرب دجلة وسنجار بالذات , والمحاولات لتصفية غرب دجلة من الكورد لن تتوقف أبداً وسنجار أول الاهداف