الطفرة اللاأخلاقية بحق الشعوب السورية والوطن، تجلت بشكل سافر في بيان الإخوان المسلمين قبل شهرين، وفي خطاب رئيس الإتلاف البارحة بمناسبة ثورة الشعب السوري، ودعاية الإعلام الداعشي، كأورينت المحسوبة على المعارضة جدلا، والتي هي من المعارضة التكفيرية، خلافة الإرهاب، والجزيرة وبعض القنوات التركية، وإصدار القوات التكفيرية المحتلة لعفرين، وبسند من حركة القوميين الترك، بيان منع الاحتفال بعيد نوروز، ونحن لن نعود إلى فتح الصفحات الماضية، ومنها خلقهم شرخا بين الكرد والعرب.
وبالمقابل الدونية التي وضع بشار الأسد الوطن فيها، يوم تم دعوته للمثول بين يدي أئمة ولاية الفقيه في طهران، وتصريحات مسؤولي إدارته بتهميش القضية الكردية وإعادتهم إلى السلطة الدكتاتورية المركزية. إلى جانب غيرها من المواقف في الجانبين، وقد برع فيها الطرفان المتنافسان، على من سيسرع في بيع سوريا لتركيا أم لإيران، وكل ذلك بدعم أو صمت روسي أمريكي.
ولا شك هللت شريحة تجار الحروب لهذا الوضع، وتغلغلت في ثناياها شبكات المافيا الدولية، والمختفية بعضها تحت أسم شركات السماسرة المختصة بعمليات النهب والبيع، ونحن هنا لا نتحدث عن الجريمة المنظمة والتي سخرت الطرفين في بيع ثروات الأمة ومخزونها النفطي بكل رخص في الأسواق السوداء، وكذلك تدميرهم الأثار السورية وبيعها في جميع بقاع العالم.
استطاعت الدول المحيطة بسوريا، وبسند عالمي، اختزال الوطنيون والمخلصون لقضية المجتمع السوري، وأحلت محلهم قوى فاسدة. منظمات وسلطات أرهبتها نهوض الشعوب السورية، وارتعبت من فكرة انتقال الشرارة إلى جغرافيتها، فكان لا بد من توسيع مساحة التدمير وتطويله قدر الإمكان، ولبلوغ الغاية كان لا بد من أن تقود المسيرة هاتين الشريحتين من السوريين، المعارضة الفاسدة والسلطة الإجرامية، وتم اختيار أشخاصها وبدقة قبيل المؤتمرات التي جرت في تركيا والسعودية ومصر وأستانه وجنيف، وجلها للحفاظ على السلطة الحالية، وفي الواجهة دمية سمي ببشار الأسد.
القوى التي لم تكتفي بسرقة مليارات الدولارات من أموال المخيمات، والمهاجرين، القادمة كمساعدات دولية، انحرفت نحو الداخل، وتم توجيهها لتدمير المناطق التي لم تصلها يد العبث، كعفرين، وأطلقت يدها فيها لتنهب وتسرق وتدمر كل ما تتمكن منه، والأغرب أن هذا الإجرام المنظم يغطى من قبل القوى المعارضة كالإتلاف، والحكومة الانتقالية، وبها تعتم على ما نهبته حتى اليوم، أو لنقل ما قدمته لهم تركيا وقطر كخدمات على عبثيتهم، ومحاربتهم للكرد، فكما نلاحظ، أن معظم المعارضة اليوم تخلت تقريبا عن محاربة النظام وتحولت إلى محاربة الكرد.
والأغرب من كل هذا هو سكوت الدول الكبرى، أمريكا وروسيا والدول الأوروبية عن الجريمة المنظمة بحق الشعوب السورية، والتي كانت بإمكانها إيقاف الحرب في السنوات الأولى، تحت شعارات ظهرت مؤخرا، كالتي ذكرتها السناتورة الأمريكية (تولسي غابارد) التي زارت بشار الأسد ودافعت عنه، والمندرجة ضمن إستراتيجية الدفاع الروسي، وقالت إنه ليس بعدوا لأمريكا، وما نهدره من الأموال والجهد لتغيير الطغاة خسارة لإستراتيجيتنا الخارجية، وهي الأن مرشحة لرئاسة أمريكا لعام 2020م.
هذه هي الذهنية أو لنقل السياسة التي ظلت تضخ الأموال للمعارضة والسلطة معا، من قبل الدول الكبرى والتي تقود الدول الإقليمية، وتتغاضى عن جرائمها لمصالحها، أو الأموال المدفوعة من قبل المنظمات الإنسانية، أو المقدمة من طريق هيئة الأمم المتحدة بعد المؤتمرات العديدة، مع غياب المراقبة والمحاسبة الدقيقة، رغم علمهم أن أغلبية الأموال لم تصل إلى أهدافها. نهبتها الشريحتين والدول المساندة لهم، وتجار الحروب في السلطة والمعارضة، وبأساليب منظمة، وبلا مبالات روسية أمريكية.
ومن المؤلم، ورغم ضخامة حجم المساعدات، ظلت مستمرة معاناة المهاجرين ومجتمع المخيمات، وهي لا تزال تعاني المآسي، من العوز إلى أبسط متطلبات الحياة، إلى الجريمة الممنهجة، إلى بيع الأعضاء البشرية، ومثال المخيمات المتواجدة في تركيا، والتي كثيرا ما يتحايلون على الإعلام بفتح مدرسة، أو مستوصف، أو خدمات غذائية، لتعمية بصيرة الإعلام العربي وبمشاركة الشريحة المعارضة الانتهازية والمنافقة، كما وحياة المقيمين في مخيمات لبنان والأردن بلغت مآسيها درجة لم تتمكن كل إعلام المعارضة التغطية عليها، ونحن هنا لا نتحدث عن تهريب القاصرات وبيعهن، ففي المخيمات اللبنانية والتركية والأردنية وفي مصر سجلت حالات الإتجار بالبشر، وبيع النساء وغيرها، كما وأن تركيا فتحت كل طرقها للمافيا العالمية لتهريب الناس، والإتجار بالأعضاء البشرية، ومأسي سواحل بحر إيجة التركية، وصورة الطفل الكردي ألان الكردي، والسوريين الذين غرقوا على السواحل اليونانية والضياع ضمن غابات بلغاريا، وغيرها من الشواهد المرعبة، والتي كانت ورائها مافيات حزب العدالة والتنمية خير شاهد على ما نحن بصدده وأن تلك الأموال كانت تنهب من قبل المنظمات الدولية وعلى رأسها التركية مع تطعيم للمعارضة لإسكات الصوت. وقضية الشباب الكرد الذين حصرتهم المافيا التركية الدولية وقتلتهم اختناقا في إحدى الشاحنات، وتوجرت بأعضائهم مسبقاً، والتي عرفت بشاحنة الموت، والتي راحت فيها 70 شهيدا، الجريمة التي ظلت لغزا، ولم يبحث فيها كما يحدث عادة في مثل هذه الجرائم، هل قتلوا أم كما يدعى أنهم اختنقوا، ومن كان ورائها؟ وقد كان من بين الشهداء، حسين ورامان، ولدا الفنان التشكيلي والكاتب الكردي خليل مصطفى.
وفي الواقع كل هذه الجرائم كانت تجرى أولا للضغط على الدول الأوروبية، بتقديم المزيد من السيولة لتركيا، والثاني، للتغطية على عمليات النهب الممنهج. وهي لا تختلف ما كانت تفعله السلطة والمليشيات الإيرانية وروسيا، فصفقة تقديم مدينة تدمر بأثارها مرتين لداعش ولمدة شهرين وبيع الأثار من خلال مافيات السلطة وحزب الله خير شاهد.
ولا شك معظم الدول العربية الأخرى وخاصة دول الخليج تهربت من احتضان المهاجرين، وعملت دعاية إعلامية على أنها تحوي الألاف من السوريين، علما أن معظمهم كانوا من العمالة المهاجرة قبل الحرب.
سوريا ستظل محكومة من قبل المجرمين والانتهازيين والمنافقين، ما دامت الدول الكبرى غير مقتنعة على إنهاء الحرب، والتي بعضها لن تنتهي بدون معارك دامية مع المنظمات التكفيرية المحتلة منطقة عفرين بمساعدة تركيا، والمنظمات المسيطرة على إدلب كهيئة تحرير الشام والمسماة تركيا الجبهة الوطنية للتحرير. والوصول إلى حل سياسي مع الكرد، في شرق الفرات ومعها عفرين، ونقل سوريا إلى نظام فيدرالي لامركزي.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
16/3/2019م