بعد أن بات الانتحار حالةً متفشية في عراق ما بعد 2003، بخاصة في السنوات الأربع المنقضية، أسست مجموعةٌ من الناشطين العراقيين مركزاً لمكافحة الانتحار في العراق (HCPS) باسم «حياة».
المركز الذي تأسس في /25/ آذار الجاري، رصد في غضون يومين فقط على إطلاقه، /6/ حالات انتحار، توزعت بين بغداد العاصمة، بابل، واسط، وديالى، وجلّها كانت من مبانٍ شاهقة الارتفاع ومن أعلى الجسور.
يقول الصحفي حيدر الميثم، أحد مؤسسي المركز لـ «الحل العراق»، إن “بذرة إنشاء المركز مُتكوّنة منذ أكثر من 6 شهور، لكن بعد ازدياد الحالات بشكل ملفت مؤخراً، بخاصة أن أغلبها تعود إلى فئة الشباب التي تنحسر أعمارها من 18 إلى 28 عاماً، صار إنشاء المركز أمر ملحّاً للحد منها”.
ويعتمد المركز، على فريقٍ يضم مجموعة من الناشطين والصحفيين في جميع محافظات العراق يختص في رصد وإعداد تقارير مفصلة تتضمن إحصائيات دقيقة عن حالات الانتحار، بحسب الميثم.
لافتاً إلى أن المركز بصدد إعداد تقرير فصلي حول حالات الانتحار التي حدثت مؤخراً، إضافة الى أنه يعمل حالياً على تنظيم ندوات حوارية مع جهات حكومية هدفها التوعية والحد من حوادث الانتحار.
“هدفنا الرئيس هو مكافحة الانتحار والوقوف على دوافع إقبال الأشخاص على فعل كهذا، والسعي لتصحيح مسار حياة الأشخاص الذين فشلوا في الانتحار بعد الإقدام عليه” يقول الميثم.
ويشير إلى أن المركز ينظر في المستقبل القريب إلى عقد سلسة من (الورش) التي تهدف إلى توعية الخطاب الإعلامي في مكافحة قضايا الانتحار والحد منها، فضلاً عن إعطاء محاضرات عديدة للناشطين من أجل تثقيفهم ليكون لهم دور أبرز في الحد من حالات الانتحار.
تعود بداية الانتحار في العراق إلى التسعينيات من القرن الماضي، فقد بدأت تلك الحالات وقتئذٍ بالانتشار نتيجة الحصار الاقتصادي الذي كان مفروضاً على البلاد، لكنها لم تكن بتلك الدرجة التي هي عليها اليوم، فـ في إحصائية لمجلس القضاء الأعلى صدرت عام 2014 بينت أن عدد حالات الانتحار في المدة من (2013 – 2003) بلغت (1532) حالة انتحار، أعلاها كانت في 2013 إذ بلغت 439 حالة انتحار.
ذلك المعدل ارتفع في المدة بين( 2015 و 2017) إلى الضعف تقريباً حسب إحصائية للمفوضية العليا لحقوق الإنسان، إذ رصدت نحو (3000) حالة انتحار في عموم العراق ولدوافع مختلفة حسب وصفها.
مبينةً أن محافظة ذي قار تتصدر قائمة المحافظات العراقية في نسب المقدمين على الانتحار، تليها ديالى ثم نينوى وبغداد فالبصرة.
أستاذة علم النفس في جامعة بغداد نهلة التميمي تقول لـ «الحل العراق»، إن أسباب الانتحار تعود إلى عدة عوامل تتداخل فيما بينها، منها اقتصادية تتمثل في كثرة الديون وعدم القدرة على سدادها وعدم القدرة على التكيف وارتفاع معدلات البطالة، ومنها اجتماعية تتمثل في كثرة المشكلات الأسرية التي صار المجتمع يعانيها والتي ترتب عليها نتائج مؤسفة مثل التفكك الأسري والطلاق وتأخر سن الزواج والفشل في الدراسة والعلاقات العاطفية، فضلاً عن عوامل أخرى نفسية وثقافية وسياسية، كلها عوامل تدفع بالإنسان إلى إنهاء حياته بتلك الطريقة المؤسفة.
للانتحار طرق عدّة يسلكها الشخص المنتحر، ففي بحث أجرته دائرة البحوث التابعة لمجلس النواب العراقي وضحت فيه، أن طرق الانتحار تختلف على أساس مدى خطورة استعمالها ونتيجتها.
فالبعض يلجأ إلى استخدام سلاح ناري وإشعال النار بالبنزين أو الكيروسين (النفط الأبيض) والقفز من أعلى المباني والجسور والموت غرقاً وتعاطي السموم الفتاكة والمبيدات السريعة المفعول والشنق بأسلاك أو حبال قوية أو استخدام اكثر من وسيلة مما ذكرت سلفاً، مبينةً أن القفز من أعلى الجسور هي الطريقة الأكثر اتباعاً في الأعوام القليلة المنصرمة.
وبشأن تأسيس مركز «حياة» لمكافحة الانتحار عدّت الناشطة والصحفية حنين الخليلي الخطوة بـ «الضرورية والمهمة»، قائلةً في حديثها لـ «الحل العراق»، إن المجتمع بحاجةٍ ماسة إلى مثل هذا المركز، خصوصاً بعد الانتهاء من «داعش» في العراق، إذ أن هكذا مركز وفق وصفها، من شأنه أن يلفت أنظار المنظمات الدولية والجهات المعنية بحقوق الإنسان بـمدى حجم الكارثة عن طريق رصده وتقديمه التقارير لتلك المنظمات المعنية.