الأحزاب بشكل عام تمثل مصالح طبقات وشرائح اجتماعية مهما كان اسمها بما فيها الأسماء القومية أو الدينية …الخ وهذه قضية متعارف عليها وان حاول البعض طمس هذه الحقيقة بجملة فرضيات أو ادعاءات بهدف إخفاء الطابع الطبقي للمجتمع لأنهم يعرفون جيداً عند تبيان هذه الحقيقة الاعتراف بطبقية المجتمعات البشرية وبالتالي التسلم بوجود الصراع الطبقي الذي ينكروه منظروا البرجوازية، أو يفلسفوه وفق مفاهيم نفي وجود صراع طبقي في المجتمعات الاستغلالية وآخرها الرأسمالية، بل يُنظّرون بان الحزب تنظيم سياسي ينضوي في عضويته فئات مختلفة تعبر عن مصالح وأهداف معينة، هؤلاء المنظرون ينفون الارتباط بين الأحزاب والطبقات وهم كما أسلفنا ينفون طبقية الحزب وبهذا ينفون أيضاً الصراع الطبقي وينقلون الصراع إلى مفاهيم قومية أو دينية وطائفية أو غيبية قدرية، وهذا التقسيم لا يتناقض مع ادعاءاتهم رفض الطبقات واعتبار الصراع على أساس قومي أو على أساس المفهوم الديني والطائفي، هذه الآراء تتناقض مع ممثلي شغيلة اليد والفكر الذين يقرون بطبقية وحزبية الأفكار والأيدلوجيات والفلسفة ، ويحددون أهداف ومصالح الحزب الطبقية، لم يكن إنكار طبقية الحزب مختصر على ممثلي البرجوازية فحسب بل امتد إلى قوى طبقية اعتبرت تجميع قوى اليسار بمثابة البديل عن أحزاب الطبقة العاملة التي اتهمت بالدكتاتورية والشمولية واللاديمقراطية واستندت على فشل التجارب في الاتحاد السوفيتي السابق والبعض من دول أوربا الشرقية، لكن للضرورة التاريخية فقد اجتازت الأحزاب الشيوعية في العالم هذه النكسة وأقرت بضرورة التجديد والتغيير وهي مازالت تناضل بشكل عنيد ضد الرأسمالية واستغلال رأس المال والعولمة الرأسمالية ومن اجل الحريات والديمقراطية.
الاسترسال في قضية الطبقات والصراع الطبقي وطبقية الحزب مطروقة في مجلدات وكتب نظرية وتجارب عملية لا تحصى ولهذا نجد من المفيد تناول تأسيس الحزب الشيوعي العراقي، حزب شغيلة اليد والفكر الذي تأسس في 31/ آذار/ 1934 بنظام داخلي يعلن طبقيته والانتماء الإيديولوجي بشكل لا مراوغة وبوضوح تام دون لبس أو إشكال، فهو حزب تأسس نتيجة طبيعية ليس كما تأسست جميع الأحزاب الطبقية وان كانت تحت أسماء وهمية كالقومية أو الدين أو الطائفية، وجاء التأسيس لحاجة ماسة من اجل قيادة النضال المطلبي والوطني والأممي وهذه الضرورة نابعة من نضال الشعب العراقي والحركة الوطنية ، لكنه في الجانب النظري والعملي حزب لشغيلة اليد والفكر والفلاحين والكادحين ، وأعلن عن نفسه كونه منذ البداية انه “اتحاد طوعي لمواطنات ومواطنين يجمعهم الدفاع عن مصالح الطبقة العاملة والفلاحين والجماهير الكادحة” ولقد كانت نقلة نوعية في نضال الشعب عموماً والطبقة العاملة والفلاحين والمثقفين من اجل المصالح الطبقية والوطنية وضد الاضطهاد والاستغلال الطبقي ، وخلال مسيرته النضالية وكفاحه المديد لم يتوانى من تقديم التضحيات الجسام في سبيل تحقيق المطالب على المستوى الوطني والقومي والمستوى الاممي ، وكان سباقاً في الوقوف ضد الاستعمار البريطاني ومدافعاً عن استقلال البلاد وقف بشكل مبدئي مع حقوق الشعب الفلسطيني وله الفضل في تأسيس ” عصبة مكافحة الصهيونية ” ودعم نضال الشعوب العربية من اجل التحرر الوطني والاستقلال، إضافة إلى مواقفه الأممية ومساندته للنضال العام ضد الرأسمالية والإمبريالية ومن اجل السلم العالمي ، وعلى المستوى المطلبي فقد كان سباقاً في الدفاع عن مصالح الطبقة العاملة شغيلة اليد والفكر والفلاحين والفئات الكادحة والشعبية وبالضد من الاستغلال، وضحى آلاف الشيوعيون بحياتهم من اجل الدفاع عن الحقوق القومية للشعب الكردي والقوميات الأخرى والحريات العامة والخاصة ومن اجل الديمقراطية، وحمل الحزب الشيوعي العراقي طوال الحقب السابقة خلال العهد الملكي والعهد الجمهوري منذ ثورة 14 تموز 1958 وحتى سقوط الدكتاتورية واحتلال العراق لواء الكفاح السياسي السلمي على الرغم من إعدام قادته في 1948 و 1963 وعندما احتدت الهجمة الرجعية أبان الحكم الدكتاتوري الثاني لحزب البعث وقيادة الدكتاتور صدام حسين حمل السلاح إلى جانب القوى الكردية وسائر القوى الوطنية.
إن التغيرات الكبيرة على الساحة السياسية التي حدثت بعد احتلال البلاد وإسقاط النظام العراقي بفعل العمل الخارجي خلق نوع من الاستقطاب تجاه استلام السلطة ولا نجني على احد فقد سلمت السلطة السياسية تسليم اليد ولا “يزايد البعض بالقول أنهم اسقطوا النظام السابق دون الأمريكان وحلفائهم واستلموا السلطة في العراق ” بعد مجلس الحكم الذي كان بقيادة الحاكم الأمريكي” بريمر” سُلمت السلطة كما ذكرنا إلى البعض من أحزاب الإسلام الشيعي وبالذات الأحزاب الطائفية الشيعية والحزب الإسلامي السني ومشاركة البعض باتجاه ترسيخ الطائفية السياسية وحصر السلطة بيد البعض ممن أراد استئثارها لمكون واحد تقريباً لكن هذا التوجه ” المشروع الإسلامي ” فشل كمشروع بناء الدولة الإسلامية أمام صراع عنيف تواجد بفعل رفض وإصرار القوى الوطنية والديمقراطية والشعبية، ولعب الحزب الشيوعي العراقي دوراً في غاية الأهمية بعدما طرح ” مشروعه الوطني ” لبناء الدولة المدنية الديمقراطية الاتحادية، كما قامت مؤتمراته بعد المؤتمر الخامس بصياغة مشاريعه الوطنية ومعالجاته بطرح حلول واقعية لحل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية بما فيها تثبيت التوجه لانتقال السلطة سلمياً وسد الطريق أمام التوجه الطائفي وحصره في بقعة سياسة ضيقة بعد التفاف الجماهير الشعبية الكبير حول مشروعه والمشروع الوطني العام رفض المحاصصة الطائفية البغيضة، كما تضمن مشروعه الوطني، ومعالجاته في مؤتمراته لقضية الاستقلال الوطني والعلاقات القطرية والدولية ايجابيات التفاعل في الأوضاع الدولية الراهنة وسبل الخروج بالقرارات الوطنية المستقلة بدلاً من التأثيرات الأجنبية الخارجية ، وفي الوقت نفسه قام الحزب الشيوعي بمعالجة الكثير من القضايا الداخلية بما فيها العلاقة التاريخية بين القوميات والمكونات في المجتمع العراقي وكذلك الانتخابات وتخليص العملية السياسية من الأدران الطائفية والتبعية والقضايا المهمة في تطور البلاد اقتصاديا واجتماعياً وثقافيا وامنياً وخدمياً بما فيها القيام بالإصلاح الحقيقي للقضاء على الفساد ودعم القطاع الخاص والقضاء على البطالة والانتقال من الاقتصاد الريعي إلى فسحة بناء الصناعة والزراعة وفق أسس حديثة تتلاءم مع التطورات التي عمت العالم والمنطقة، ومعالجة قضايا مهمة بما فيها إيجاد المؤسسات الدستورية التي تقوم على أسس قانونية وإنسانية مثل قانون العمل والضمان وحقوق المراة المتساوي وبحل القضية القومية وفق الحقوق المشروعة للقوميات الأخرى ووضع برنامج حقيقي لفض المشاكل داخل الإقليم والعلاقة مع الدولة المركزية والعمل الجاد من اجل محاربة الإرهاب بنوعيه السلفي والأصولي، وأشار بلاغ لجنته المركزية في 1 شباط 2019 بالتأكيد على تبني الحزب ” في مؤتمره الوطني العاشر مشروعا للتغيير والإصلاح، يهدف إلى عبور الطائفية السياسية، ونبذ المحاصصة الطائفية والاثنية، ومحاربة الفساد، وحصر السلاح بيد الدولة، وصيانة القرار الوطني العراقي المستقل، والتوازن والتكافؤ في العلاقات الخارجية، وضمان التمتع بالحريات الدستورية، وعدم التمييز بين المواطنين، والسير نحو تحقيق دولة المواطنة والديمقراطية والقانون والمؤسسات والعدالة الاجتماعية” وكان موقفه من احتلال داعش للمناطق الغربية وبعض الأجزاء في الوسط دليل على مدى حرصه على إنقاذ البلاد من الإرهاب ومن مسبباته التي تتحمل الحكومات المركزية الجزء الكبير من الإخفاقات وانتشاره، وأعلن بدون أي تلكؤ على محاربته بكل الوسائل لإنقاذ العراق والحفاظ على وحدته الوطنية ضمن الدولة الفيدرالية، ووضع حد لتقاسم السلطة بحل الميليشيات المسلحة وحصر السلاح بيد الدولة ولم يتغاضى الحزب الشيوعي عن أية معضلة تواجه المجتمع العراقي القائم على العددية القومية والاثنية وهذا جهد وطني مميز أقرته سياسة الحزب العلنية ومؤتمراته واجتماعاته المركزية.
إن ذكرى تأسيس الحزب الشيوعي العراقي أل ( 85 ) تؤكد مرة أخرى على الضرورة الطبقية وإمكانيات القوى الوطنية والديمقراطية من قيادة الدولة بدون المحاصصة الطائفية والقومية أو الحزبية، ومن شروطها نزاهة الانتخابات التشريعية وانتخابات مجالس المحافظات ومحاربة الفساد، وأكدت وتؤكد الأحداث والتاريخ على المكانة المميزة التي يشغلها حزب شغيلة اليد والفكر في الحياة السياسية وأهميته البالغة في مستقبل بناء صرح الدولة المدنية الديمقراطية التعددية والاتحادية، ومن اجل تحقيق العدالة الاجتماعية في المستقبل