كتب: هاكوب دنيايان – رئيس تحرير مجلّة “دزاغيك” الأسبوعية في بيروت
نشر المقال بثلاث لغات – الأرمنية ، الأنكيزية والعربية
في مثل هذا اليوم وقبل 4 سنوات، اي في 3 اّب 2014، بكى ضمير الشعوب في العالم بعد شيوع اخبار مأساوية رهيبة من مناطق شمال العراق، تحديدا في مدينة شنكال في محافظة نينوى، عندما بدا الغزو الداعشي البربري على الشعب الأيزيدي المسالم، من الشيوخ والنساء والاطفال العزل، وبعد انسحاب قوات البيشمركة اضطراريا من المنطقة التي كانت حمايتها من صلب واجباتها وتوجهت الى اقليم كردستان دون ان تدفاع عن الأرض والاهل الايزيديين ضد الغزاة الدواعش والعرب السنة الذين انظموا اليها من القرى المجاورة للايزيديين . وهكذا في ظل غياب وغيبوبة الحكومة العراقية وصلوا ارهابيو ما يسمى بالدولة الاسلامية في العراق والشام الى حافات جبل شنكال حيث يعيشون الايزيديون –
وهم من احدى الاقليات الدينية في العراق -اغلب افرادها تعيش بالقرب من الموصل (شمال) ومنطقة جبال سنجار العراقية. وسالت دموع الأيزيديين كانهارعلى جبل سنجار الذي بكى ايضا من حزنه الشديد اثر اهمال زعماء الدول “المتمدّنة” من مساعدة ااشعب الايزيدي وتقاعص الأمم المتحدة من اتخاذ اي اجراء ضد الارهابيين…
وبذلك استولوا الدواعش على اغلب القرى الايزيدية وسكانها ثم قاموا بفصل الرجال الايزيديين ممن زاد عمرهم عن 12 سنة عن بقية افراد عائلتهم وقتلت اولئك الذين رفضوا تغيير دينهم. لقد شهدت النساء والأطفال وفي كثير من الأحيان عمليات القتل تلك قبل ان يتم ترحيلهم لمواقع في العراق ومن ثم في سوريا حيث مكث اغلب المختطفين الايزيديين.
لقد تم بيع الاّلاف من النساء والفتيات، وبعضهن لم يتجاوز التاسعة من العمر، في اسواق للعبيد او سوق السبايا كما اطلق عليه في محافظات الرقة وحلب وحمص والحسكة ودير زور السورية. وحسب التقدير فقد احتفظ ارهابيو داعش بهؤلاء النساء والفتيات في ظروف استعباد وعبودية جنسية وتم بيعهن مرارا او اهدائهن او تبادلهن بين المقاتلين.
يقولون ارهابيو داعش – وهم زناديق القرن الحادي عشر من الوراثة الوهابية الظلامية – انهم يعتبرون الايزيديين “كفّار” ، “فالديانة الايزيدية هي سبب الهجوم عليهم، ويصفنهم “اقلية وثنية” وان بقائهم أمر يجب ان يكون موضع تساؤل من قبل المسلمين”.
والحقيقة، ان الايزيدية او اليزدانية واحدة من اقدم الديانات الشرقية القديمة ويعتقد أتباعها أنهم أول من عبدوا الله ويتجلى ذلك من اسم ديانتهم حيث كلمة الايزيدي تعني الذي يتبع الخالق ، وأن ديانتهم انبثقت عن الديانة الميثرائبة (البابلية القديمة في بلاد ما بين النهرين) ، في حين يرى بعض الباحثين الاسلاميين ان الديانة الايزيدية منشقة ومحرفة عن الاسلام، وهذا عير صحيح بتاتا.
وتشير بعض المخطوطات الى ان تاريخ الديانة الايزيدية يرجع الى الألف الثالث قبل الميلاد وأنها بقايا أقدم ديانة كردية في منطقة الحضارات العظمى في الشرق. ( والطاووسيون) (لا توجد هذه التسمية في الايزيدية بل طاؤوس ملك رئيس الملائكة ) – اتباع الديانة الايزيدية – موحدون يواجهون الشمس في صلواتهم، ويؤمنون بالأنبياء، لكنهم يؤمنون في تناسخ الأرواح وأن الروح أزلية لا يموت ولا يتلاشى وانما ينتقل بين الأجيال المتعاقبة، وتعتبر عين زمزم وعين البيضاء من الأماكن المقدسة لديهم وتقع هذه العيون في معبدهم الوحيد في گلي وادي لالش النوراني ويصوم بعض رجالات دينهم 40 يوما في أربعينية الصيف (٢٥ حزيران – ٢ من شهر أب ) وأربعينية الشتاء ( ٢٥ كانون الاول – ٢ من شباط ) في كل السنة اما موسم صومهم الرئيسي فتبدا في بداية شهر تشرين الثاني و كانون الاول .
يتكلم الايزيديون اللغة الكردية القديمة “الكرمانجية” وهي اللغة الأم. صلواتهم وأدعيتهم والطقوس والكتب الدينية كلها بهذه اللغة الكردية القديمة، ولكن هناك قسم منهم يتحدثون العربية ايضا من سكنة اهل قصبتي بعشيقة وبحزاني ويذكر انهم اي اهالي تلك القصبتين قد جاءوا من الشام مع مجيء الشيخ الجليل شيخ عادي عليه السلام من الشام واستوطن في لالش .
بدءا من الابادة الأرمنية عام 1915 وابان الحرب العالمية الاولى حيث قتل اكثر من مليون ونصف مليون ارمني بيد جلادين عثمانيين – وهم اسياد الدواعش – ومرورا بابادة الأكراد في العراق عام 1988 وفي التسعينيات ايضا بيد النظام العراقي في ذلك العهد، وصولا الى حملة ابادة ضد الأقلية من قبيلة توتسي في رواندا عام 1994، ومن ثم الأبادة الأيزيدية المنظمة من قبل الداعش قبل 4 سنوات (بدون ان ننسى المجازر بحق الدروز في مدينة السويداء السورية قبل اسبوعين، وايضا بحق الفلسطينيين من قبل اسرائيل)، لم تستطيع ان تأخد الأمم المتحدة اي قرار انساني ملموس او تحرك ساكنا ضد مسببي تلك الجرائم.
ومن الجدير بالذكر ان في 13 كانون الثاني هذا العام، تبنى البرلمان في جمهورية أرمينيا قرارا يعترف بتعرّض الأقلية الايزيدية ل”ابادة” بايدي متطرفين ارهابيين في شمال العراق، داعيا المجتمع الدولي الى التحقيق في هذه المجازر.
وكان قد قال حينذاك رئيس لجنة حقوق الانسان البرلمانية رستم محموديان ، وهو من الاقلية الايزيدية، عند عرضه النص للصحافيين ان “هذا القرار للبرلمان الأرمني، يعترف بابادة الايزيديين في الأراضي التي سيطرت عليها الجماعات الأرهابية في العراق العام 2014 ويدينها بشدة” ، فيما نشهد حتى اليوم ان كلا من البرلمان العراقي والبرلمان الكوردستاني أحجما اي اعتراف بالأبادة الأيزيدية ولم يدينا تلك الاعمال الاجرامية وكان الايزيديين ليسوا عراقيين او كوردستانيبن .
من ناحية ثانية كانت قد اشادت التائبة الأيزيدية في مجلس النواب العراقي، فيان دخيل، ب”الموقف الشجاع والمنصف للبرلمان الأرميني الذي اعتبر ان ما اصاب الآيزيديين عقب اجتياح عصابات داعش الأرهابية الى مناطقهم في العراق وخصوصا قضاء سنجار، بمثابة ابادة جماعية”. وشددت دخيل على ان الموقف الأرمني لم يقتصر على اعتبار ان ما اصاب الأيزيديين جريمة ابادة جماعية (جينوسايد) فحسب، بل ناشد المجتمع الدولي لدعم قيام منظمات دولية مناسبة بتحقيق دقيق بتلك الفظائع التي أدت الى استشهاد اكثر من 7 الاّف ايزيدي ، ومحاسبة مرتكبيها، وهذه تعد خطوة هامة كي لا يفلت الارهابيون من قبضة العدالة، خصوصا وانه لايزال اكثر من 4 الاّف ايزيدي من الاطفال والنساء والرجال في عداد المفقودين.ومن جدير بالذكر ايضاً ان عدد سكان أرمينيا هو نحو 3 ملايين وتصف مليون، اغلبهم من القومية الأرمنية، ويسكنها ايضا اقلية من الكورد الأيزيديين بنسبة 3و1 % اي نحو 35 الف ايزيدي من اجمالي السكان.
وبعد 4 سنوات من الابادة الايزيدية لا نرى في الافق اي حل للقضية الايزيدية من قبل ما يسمى الدول العظمى ، وتبقى الابادة الايزيدية وصمة عار على جبين حكام امريكا وروسيا والدول ال”5″ الدائمة في الامم المتحدة، وعلى جبين المجلس الأمن بالذات.
وستبقى القضية الايزيدية العادلة تلاحق الارهابيين اينما وجدوا وستعاقبهم القانون عاجلا ام اّجلا.
الف تحية لشهداء الأيزيديين الأبرار على ارواحهم الطاهرة وعودة سريعة للمفقودين الأحياء الى ذويهم واهلهم سالمين.
عاش الشعب الايزيدي المقاوم من اجل عيش كريم واسترجاع جميع حقوقه المغتصبة.
عاش الشعب الكردي البطل المناضل من اجل استرجاع وطنه وحريته واستقلاله.
عاشت الصداقة الايزيدية – الكردية – الأرمنية الى الأبد.
هاكوب دنيايان – مجلة “دزاغيك” ، رئيس التحرير – بيروت
dzaghig2004@yahoo.com