مع الإعلان عن سقوط آخر معاقل تنظيم داعش في سوريا، برزت إلى السطح من جديد مظاهر صراع عميق داخل تيارات التنظيم الإرهابي.
“كفوا الأيادي عن بيعة البغدادي” عنوان كتاب جديد صدر مؤخرا يدعو فيه مؤلفه، وهو “الشرعي” البارز في التنظيم أبو محمد الهاشمي، إلى نقض بيعة زعيم داعش، و”القصاص منه”.
الهاشمي اتهم البغدادي بقتل من وصفهم بـ”الصالحين والمصلحين والعلماء”، ووصف حكمه بالفسوق والجور والظلم.
ووجه الهاشمي انتقادات لاذعة لزعيم داعش على امتداد أكثر من 230 صفحة: “تمتع هو وعصابته الحاكمة بالأموال والسبايا وقعدوا في مخابئهم”، يقول الهاشمي الذي طالب البغدادي بـ”عزل نفسه”.
وخاطبه صراحة: “ما أراك إلا عن قريب تموت”.
ودعا الهاشمي عناصر داعش إلى الإطاحة بنواب وقادة أبي بكر البغدادي واستبدالهم بآخرين، قائلا “اعلموا أنكم أنتم الدولة!.
“مشركو الطاعة”!
هاجم أبو محمد الهاشمي رجال أمن داعش بشدة، ووصفهم بـ”مشركي الطاعة”، لاتخاذهم أمرائهم “أربابا من دون الله” على حد تعبيره.
وفي لهجة انتقامية، خاطبهم “إني لأرجو من الله أن يكون قتلهم قُربة، ودفع صيالهم عبادة”.
وكان ملفتا أن مقدمة الكتاب كتبها خباب الجرزاوي، وهو “شرعي” معروف في داعش سبق أن دخل في خلافات حادة مع “اللجنة المفوضة” المسؤولة عن إدارة التنظيم والإشراف على مناطق سيطرته.
وكتب شخص آخر يدعى أبو عبد الرحمن المرداوي، يقيم في السعودية، مقدمة ثانية.
ووصف الهاشمي هذا الشخص بأنه “أجلة العلماء”. ورفض الكشف عن اسمه.
ولم يلغ كاتبا المقدمة شرعية داعش وإعلانه الخلافة، لكنهما اتفقا مع الهاشمي في المقابل على وجوب خلع البغدادي.
المرداوي والجرزاوي وصفا البغدادي بأنه “جاهل لا يصلح للخلافة”.
ووصفا معاوني البغدادي الأمنيين بالطواغيت، وأوردا لائحة بأسماء بعضهم.
انتقام للصديق
يأتي هذا الكتاب بعد أربع سنوات من كتاب “مدوا الأيادي لبيعة البغدادي” الذي ألفه “الشرعي” البحريني المعروف تركي البنعلي، الذي قتل بغارة لطيران التحالف في سوريا نهاية أيار/مايو 2017.
وكان البنعلي يدافع حينها عن أبي بكر البغدادي، إلا أن خلافات حادة نشبت لاحقا بين تياره (التيار البنعلي) والتيار الحازمي (نسبة إلى أحمد بن عمر الحازمي المعتقل في السجون السعودية) تسببت في التضييق عليه ومطادرة مؤيديه.
واندلعت الخلافات بين التيارين على قضايا فقهية تتعلق بـ”التكفير المتسلسل” و”العذر بالجهل”.
ويعتبر الحازميون البنعليين كفارا، بناء على قاعدة “من لم يكفر الكافر، فهو كافر”. وقسمت هذه الخلافات التنظيم وتبادل الطرفان حملات اعتقال وإعدامات.
ويلقي الهاشمي باللائمة على البغدادي في الضعف أمام مؤيدي التيار الحازمي الذين كانوا يسيطرون على مواقع هامة في التنظيم،وفي مقدمتها اللجنة المفوضة.
وكانت تربط الهاشمي وتركي البنعلي نفسه علاقة صداقه وثيقة، ما يفسر إصداره لهذا الكتاب الذي يبدو كانتقام لصديقه.
وذكر الهاشمي في كتابه بالخلاف بين تركي البنعلي والبغدادي، قائلا إن الأخير أراد “استتابته” على خلفية وشايات كاذبة.
وقال إن البنعلي حث أنصاره قبيل مقتله بالدعاء على البغدادي وقادته بأن “يهلكهم الله”، وإن البغدادي رأى أن البنعلي مات على ردة. ولم يزد على قوله: “أفضى إلى ما قدم!”.
وكان أبو محمد الهاشمي نفسُه كتب قبل فترة كتيبا صغيرا من 40 صفحة بعنوان “النصيحة الهاشمية لأمير الدولة الإسلامية”، انتقد فيه البغدادي بشدة وحمله مسؤولية ما أسماه “انحراف الراية وتغير المنهج وانقلاب المبادئ…”.
ولم يدع الهاشمي في كتابه حينها إلى خلع البغدادي، لكنه فعل في كتابه الأخير.
غمدان الدقيمي