عقب نهاية الحرب العالمية الأولى وهزيمة تحالف القوى الوسطى الذي ضمّ بالأساس كلا من الإمبراطورية الألمانية، وإمبراطورية النمسا المجر، والإمبراطورية العثمانية ومملكة بلغاريا، فرّ العديد من قادة حركة تركيا الفتاة نحو ألمانيا بعد حصولهم على ضمانات منها بعدم تتبعهم قضائيا بسبب قضية إبادة الأرمن، والتي راح ضحيتها نحو 1.5 مليون أرمني حسب أغلب الإحصائيات.
في الأثناء، كان محمد طلعت والمعروف بطلعت باشا واحدا من أبرز القادة الأتراك الذين غادروا القسطنطينية تجاه ألمانيا برفقة كل من وزير الحربية أنور باشا، ووزير البحرية جمال باشا.
كان طلعت باشا ضمن مجموعة الباشاوات الثلاثة الذين أداروا شؤون الدولة العثمانية خلال فترة الحرب العالمية الأولى، حيث شغل الأخير ما بين عامي 1913 و1917 منصب وزير الداخلية قبل أن ينال منصب الصدر الأعظم إلى حين تنحيه أثناء شهر تشرين الأول/أكتوبر سنة 1918.
وبفضل هذه المناصب الهامة بالدولة العثمانية، لعب طلعت باشا دورا مركزيا في إصدار القرارات التي أدت لإبادة الأرمن، حيث أشرف الأخير على اعتقال وإعدام كبار المفكرين والمثقفين الأرمنيين وتابع عملية تنفيذ أوامر ترحيل وتهجير الأرمن من قراهم والتي كان قد أصدرها في وقت سابق.
وعلى إثر نهاية الحرب العالمية الأولى، حمل حزب الطاشناق الأرمني، الذي ظهر منذ عام 1890 للدفاع عن حقوق الأرمن، المعروف أيضا بالاتحاد الثوري الأرمني، على عاتقه مهمة الانتقام من كبار المسؤولين الأتراك المتهمين بالوقوف وراء إبادة الأرمن، ووضع عدد من قادته من أمثال شاهان ناتالي (Shahan Natalie)، وأرمين غارو (Armen Garo) خطة عملية نمسيس (Nemesis) لملاحقة واغتيال القادة الأتراك الضالعين في الإبادة، حيث صنف طلعت باشا كواحد من أهم المطلوبين على قائمة عملية نمسيس.
في غضون ذلك، حوكم الباشاوات الثلاثة وعلى رأسهم طلعت باشا غيابيا، بسبب تواجدهم خارج حدود تركيا، أثناء المحاكمة العسكرية التركية ما بين 1919 و1920، حيث وجهت إليهم تهم بارتكاب مذابح ليحصل الثلاثة في النهاية على حكم غيابي بالإعدام.
بمساعدة البريطانيين، حدد المسؤولون الأرمن بالاتحاد الثوري الأرمني شكل وجه طلعت باشا ومكان إقامته بتشارلوتنبرغ (Charlottenburg) بالعاصمة الألمانية برلين، وأوكلت مهمة اغتياله لطالب أرمني مقيم بألمانيا يدعى سوغومون تهليريان (Soghomon Tehlirian)، غذّته مشاعر الانتقام بسبب مقتل والدته وعدد من أشقائه على يد العثمانيين خلال إبادة الأرمن.
راقب سوغومون تهليريان تحركات طلعت باشا مدة أيام، أثناء المراقبة، لاحظ أن للوزير السابق نمط حياة روتينيا.
وصباح يوم 15 آذار/مارس 1921، انتظر سوغومون تهليريان الوزير طلعت باشا عند منزله وعند خروج الأخير برفقة حارسيه مشى الطالب الأرمني خلفه قبل أن يناديه باسمه “طلعت”، وما إن التفت الوزير التركي خلفه حتى وجه إليه سوغومون تهليريان رصاصة من مسدس لوغر (Luger P08 ) أردته قتيلا.
إثر هذه الحادثة، اعتقلت الشرطة الألمانية سوغومون تهليريان ليمثل أمام المحاكمة بعد أن وجهت إليه تهمة القتل.
أثناء المحاكمة، ركزت هيئة الدفاع على الحالة النفسية التي كان عليها سوغومون تهليريان، حيث عانى الأخير من صدمة نفسية بسبب هول ما حصل خلال إبادة الأرمن وفقدانه للعديد من أفراد عائلته.
وأعلن الطالب الأرمني نفسه بريئا، وأكد أنه ليس مجرما بسبب قتله لشخص مثل طلعت باشا.
وبعد محاكمة قصيرة استمرت يومين، وافقت المحكمة بعد استشارة هيئة المحلفين على إخلاء سبيل سوغومون تهليريان، وأعلنته غير مذنب بسبب تأثير هول إبادة الأرمن على حالته النفسية ومداركه العقلية.
دفنت جثة طلعت باشا بالمقبرة التركية ببرلين، وبقيت هناك 22 سنة قبل أن تسلّم خلال مراسم رسمية من قبل المسؤولين النازيين سنة 1943 للسلطات التركية.