بعد أكثر من سنتين على تحرير بلدة باطنايا المسيحية القديمة في سهل نينوى من مسلحي داعش، لم يعد إليها إلا شخص واحد فقط. يعيش هذا الرجل داخل حطام بيت فيه ما يكفي من سقف يقيه من أمطار الشتاء مع أربعة أو خمسة كلاب سائبة يكونون برفقته طوال الوقت،محتمياً بكنيسة ملئت جدرانها بثقوب وحفر إطلاقات الرصاص، يقتات الرجل على ما يجود به أفراد قوات الامن المحلية في البلدة من طعام مقابل ما يقوم به من واجب مهم؛ حيث يقوم بحماية ثلاث مدارس تم تجديدها حديثا من اللصوص مع مركز طبي جديد. عند كل بناية توجد لوحة مكتوب عليها بأن البناية أعيد إعمارها بالتعاون بين برنامج الامم المتحدة للتنمية والوكالة الاميركية للتنمية الدولية USAID.
قرية بطنايا، التي كانت سابقا تؤوي ما يقارب 6 آلاف مسيحي كاثوليكي كلداني، تعد مثالا صغيرا صارخا على التحدي الكبير الذي تواجهه الحكومة العراقية والامم المتحدة في إعادة إعمار المناطق التي دمرها احتلال داعش وإعادة الاهالي إليها من جديد .
ووفقاً للمعدل الحالي فإن إعادة إعمار ما تم تدميره خلال الحرب قد يستغرق جيلا كاملا أو اكثر. مسؤولون عراقيون يقولون إن إعادة إعمار المدن المحررة سيتطلب ميزانية قدرها 88 مليار دولار. من جانب آخر ليس هناك ما يضمن من أن الاهالي سوف لايرجعون حتى لو تمت إعادة إعمار مناطقهم ما لم يتم ترسيخ الجانب الامني وعودة الخدمات الاساسية من ماء وكهرباء من جديد .
العيادة الطبية الجديدة تقع مباشرة قبالة شارع ضيق حيث توجد مقبرة وقد دمرت شواهد قبورها مع الصلبان من قبل مسلحي داعش عند احتلالهم للقرية . ويقول الرجل المسن الذي رفض الكشف عن اسمه خشية محاسبته لقيامه بمهام حراسة بشكل غير رسمي: “أنا الشخص الوحيد الذي رجع الى بطنايا. ليس لدي عائلة، والعيش هنا افضل من العيش في مخيم .”
ويقول أهالي من سهل نينوى ان ما يقارب نصف السكان الذين كانوا يعيشون في باطنايا قد هاجروا الى الولايات المتحدة وبلدان أوروبا، في حين انتقل الآخرون للعيش بشكل مؤقت في مساكن بمناطق اخرى من العراق في وقت يسعون فيه ايضا لمغادرة البلاد معاً .
رعد ناصر 40 عاما، وهو من سكان باطنايا الذي يقيم حاليا في بلدة تلكيف المجاورة، يقول انه هو وآخرين اختاروا البقاء بعيدا عن البلدة في سعيهم للحصول على فرص للهجرة الى أوروبا. وفي حديثه لصحيفة واشنطن بوست عبر الهاتف قال ناصر انه يعتقد بقاء 200 عائلة فقط من أهالي باطنايا في العراق وليس هناك من يفكر بالعودة للبلدة .
ومضى ناصر بقوله “القرية كلها دمرت، وليس لدينا إمكانات مالية لإعادة إعمار بيوتنا. أما الذين ليس لديهم خطط لمغادرة العراق فإنهم قد استقروا في مناطق اخرى مثل تلكيف او مدينة دهوك في إقليم كردستان .”
تمت إعادة إعمار وتأهيل مدارس في بلدة باطنايا وكذلك في سنجار ملاذ عيش الإيزيديين، ولكن ليس هناك أحد يشغلها أو يستخدمها .
ولكن في مناطق اخرى من سهل نينوى مثل بعشيقة وبرطلة فإن منشآت خدمية عامة مثل مراكز صحية قد تمت إعادة إعمارها بتمويل من الوكالة الاميركية للتنمية الدولية وهي الآن تقدم خدماتها للسكان عبر المنطقة .
وفي بعض المناطق الاخرى مثل مدينة الحمدانية الكبيرة التي يقطنها المسيحيون، فإن برنامج الامم المتحدة للتنمية بالتعاون مع وكالة التنمية الاميركية، قد شجع الكثير من الاهالي للعودة الى مناطقهم من خلال إعمار المستشفى الكبير وتوفير عجلات رفع النفايات وتنظيف الشوارع .
عصام بهنام، مدير بلدية الحمدانية، قال ان برامج الامم المتحدة والتنمية الاميركية بالاضافة الى التبرعات من الجمعيات الخيرية المسيحية الاخرى قد ساعد في تشجيع عودة نصف أهالي مدينة الحمدانية الأصليين البالغ عددهم 60 ألف شخص .
فيما يقول سالم عثمان، مدير صندوق إعادة إعمار محافظة نينوى أن نقص التمويل هو العائق الرئيس أمام إعادة إعمار مناطق الموصل، مشيرا الى ان المساعدات الاميركية تركز على إعادة إعمار المناطق المسيحية والايزيدية متجاهلة مدناً كبيرة اخرى مثل الموصل.
وقال عثمان “كثير من الدول ساهمت في إزالة داعش، نحن ممتنون لذلك ولكن خلال تلك العمليات تم تدمير أحياء نينوى، عليهم ان يساهموا في إعادة إعمار محافظة الموصل .”
وأضاف عثمان إن إعادة إعمار البنى التحتية للمحافظة سيكلف ما بين 20 الى 30 مليار دولار. وقال ان المبالغ المخصصة للصندوق من الحكومة المركزية لهذا العام هو 50 مليون دولار، فضلا عن قروض اضافية من البنك الدولي والبلدان الاوروبية بقيمة 1.2 مليار دولار .
ويقدر عثمان انه منذ تأسيس صندوق إعمار نينوى تمت إعادة إعمار 2% فقط من المحافظة مع تركيز غالبية جهد العمل لاسترجاع جامعة الموصل .
واضاف بقوله “حتى لو استطعنا الحصول على مليار دولار سنوياً، فإن عملية إعادة إعمار نينوى قد تستغرق ما بين 20 الى 30 سنة. إنها مشكلة كبيرة، واذا كشفنا هذا الشيء لمواطنينا فإنهم سيثورون .”
واشنطن بوست: مسيحيّو باطنايا يرفضون العودة لمنازلهم رغم إعادة الخدمات الأساسيّة
RELATED ARTICLES