بعد ثلاثة عقود من التسلط والتجويع والإرهاب الدموي لحزب المؤتمر الوطني الإسلامي السياسي بقيادة عمر البشير وحفنة من القياديين في هذا الحزب انتفض ثم ثار الشعب السوداني بوعي ومسؤولية وبطريقة سلمية وتسنى له تحقيق الخطوة الأولى على النصر حين فرض على النخبة السودانية العسكرية الحاكمة إزاحة عمر البشير وتنصيب عوض بن عوف نفسه على رئاسة مجلس عسكري وعضوية الوحش رئيس جهاز الأمن السوداني صلاح قوش. كانت هذه المناورة غير ذكية ووقحة من القوى التي ساندت البشير طوال وجوده في السلطة وعلى رأس الحزب الحاكم، وهي محاولة انقلابية على الثورة وليس على النظام السياسي القائم. وقد أدرك الشعب هذه اللعبة القذرة. ولكنها مع ذلك تعتبر خطوة ذات أهمية فائقة باتجاهين مهمين أولهما: إشعار الشعب السوداني الثائر سلمياً بأنه قادر على تحقيق ما يسعى إليه، وعليه مواصلة النضال بنفس الهمة وأكثر، وثانيهما: أن النظام السوداني الإسلامي المتخلف والقوى العسكرية المساندة له قد اهتزت من الأعماق وإنها غير قادرة على الصمود إمام زحف الجماهير وسهرها الليالي أمام مقر القيادة العسكرية ووزارة الدفاع. وقد ارتفع صوت الجماهير مطالباً برفض الانقلاب وتغيير النظام وليس شخص عمر البشير وحده وإبقاء عصابته في السلطة. لم يصمد المطلوب أمام المحكمة الجنائية الدولية الثاني بن عوف أمام حركة الجماهير، فحصلت الخطوة الثانية على طريق النصر، استقالة عوض بن عوف، الشخصية الضعيفة والهزيلة والموغلة يديه، كما هو حال أيدي رئيسه البشير وصلاح قوش، بدماء الشعب لسوداني، وتنصيب الفريق أول عبد الفتاح البرهان رئيساً للمجلس العسكري والفريق محمد حمدان دقلو، رئيس قوات الدعم السريع، نائباً له. أقدم الرئيس الجديد على خمس خطوات مهمة، وهي:
ولكن هل قامت الثورة السودانية السلمية وأعطت التضحيات الغالية من أجل هذه الأهداف، أم أن هناك أهدافاً أخرى لم يتطرق لها البرهان بشكل ملموس وواضح بحيث لم ترض الثوار في شوارع السودان؟
علينا هنا أن نشير قبل مواصلة ذكر أهداف المنتفضين إلى عدة سمات ميزّت هذه الانتفاضة الشعبية العارمة، وهي:
والآن ما هي مطالب المعارضة السودانية المتمثلة بتجمع (قوى إعلان الحرية والتغيير)؟ نشر تجمع المهنيين السودانيين بياناً تضمن مطالب المتظاهرين حال انتهاء خطاب عبد الفتاح البرهان والذي جاء فيه:
النقل الفوري للسلطة إلى حكومة مدنية انتقالية عبر المجلس القيادي لقوى إعلان الحرية والتغيير، وإلغاء أي قرارات تعسفية من قيادات لا تمثل الشعب، والتحفظ على كافة رموز السلطة الماضية من المتورطين في جرائم ضد الشعب“. وأضاف البيان: “حتى تنفيذ هذه المطالب كاملة علينا أن نتمسك باعتصامنا (..) وبالإضراب الشامل حتى تنقل السلطة بالكامل لحكومة مدنية انتقالية تعبر عنكم وعن مطالب ثورتكم العظيمة“. (أنظر: الخلج أونلاين، ثلاثة مطالب للمعارضة السودانية، 14/04/2019).
ويوم أمس 13/04/2019 تلقت قوى المعارضة اتصالاً من قيادة الجيش السوداني تدعوها لحضور اجتماع مشترك. وافق تجمع قوى الحرية والتغيير على حضور الاجتماع وشُكل وفد من عشرة اشخاص هم: عمر الدقير ومريم المهدي وصديق يوسف وعلي الريح السنهوري ومحمد ناجي الأصم وأحمد ربيع وأيمن خالد والطيب العباسي وحسن عبد العاطي ومدني عباس مدني، وفقاً لبيان التجمع. وأكد البيان إن الحضور والمشاركة في طاولة التفاوض يهدف إلى الوصول إلى “سلطة مدنية انتقالية تنفذ مطالب الثورة”، بعد الإطاحة بعمر البشير الذي كان يحكم منذ عام 1989. ويبدو إن الاجتماع سيتواصل هذا اليوم الأحد في الخرطوم لوضع تفاصيل السلطة المدنية الديمقراطية الانتقالية وبرنامج والمهمات التي يفترض أن تنجز خلال هذه الفترة ومدتها… الخ. إن المشاهد الخارجي، وأنا أحدهم، يراقب المشهد السوداني بإعجاب كبير وفرح عارم وسعادة غامرةوتمنيات بالانتصار الفعلي على أعداء الشعب السوداني وحريته وحياته الديمقراطية، سواء من هم في داخل السودان أم من هم خارجه، والذين يتربصون به ويسعون إلى إجهاض الثورة بمختلف السبل، كما أجهضوا الثورة الشعبية الطليعية في مصر على سبيل المثال لا الحصر وسلموها بيد الإخوان المسلمين، ومن ثم بيد العسكر الذي أعاد حياة المصريين إلى فترة هي أسوأ مما كانت عليه في زمن السادات أو محمد حسني مبارك، بحيث أصبح البعض يترحم على هؤلاء الذين أجرموا بحق الشعب، لأنهم يعيشون أوضاعاً أسوأ بما لا يقاس مع تلك الفترة. لن تكف قوى التآمر المحلي والإقليمي والدولي على العمل ضد مسيرة الثورة في السودان، ولكن لنا الثقة بقدرة الشعب السوداني ووعيه أن يقطع الطريق على هؤلاء ويحقق ما يسعى إليه بدأب وصبر وهمة عالية. في 14/04/2019