الثلاثاء, نوفمبر 26, 2024
Homeمقالاتدور حزب البعث في الإرهاب الداعشي..5 : صباح كنجي

دور حزب البعث في الإرهاب الداعشي..5 : صباح كنجي

البيئة الجغرافية الحاضنة للبعث والدواعش

 

سنتوقف قليلا عند اعترافات عبد الباقي عبد الكريم السعدون نائب أمين سر قيادة قطر العراق ـ عزة الدوري لأجل متابعة ما له علاقة بالبيئة الجغرافية الحاضنة للبعث والدواعش .. سنعود لمدينة لتكريت كنموذج للبيئة المولدة للعنف والحاضنة للبعث والدواعش والقتلة ..

سنختصر ما قاله.. بعد اعتقاله في 24/ 6/2015.. عبد الباقي السعدون عن مرحلة ما بعد صدام.. وتواصل لقاءاته بالأمين العام لحزب البعث عزة الدوري.. من نهاية عام 2003 ـ 13/11/ 2013 في تكريت ـ صلاح الدين وبقية المناطق على امتداد 10 سنوات كاملة في بيوت مهيأة للاجتماعات واللقاءات يحضرها آخرون..

هذه اللقاءات التي تجاوز عددها ( المئة ـ 100 ) جميعها في مناطق مختلفة من تكريت.. في بيوت من خلفية بعثية يجري اختيارها لاستقبال عزة ومن معه .. بيوت هي مراكز عمل لإصدار البيانات والتعليمات الخاصة بتنفيذ النشاطات الارهابية .. كان قد سبقه اليها صدام حيث التقاه السعدون هو الآخر بالقرب من الجامع الكبير في تكريت ايضا ..

تكريت بعد السقوط النظام.. وتواصلها كبيئة حاضنة لأسوء المجرمين في المجتمع العراقي.. عزة     و من معه من قتلة .. موزعين على اكثر من 62 فصيلا “جهاديا” .. منتشرين في مختلف المحافظات يديرهم ويضبط ايقاع تحركاتهم الدوري..

الذي وسع من رقعة علاقاته وتواصل مع القاعدة.. ومن بعدهم الدواعش واعطاهم عهداً لا يختلف عن بقية عهود البعثيين .. وكانت هذه العهود الاساس الذي انطلقت منه الاعتصامات في اكثر من بيئة بعثية سابقة.. بحكم تواصل عزة الدوري مع شخصيات عبر تنظيمات حزبه كـ العلواني والعيساوي وتشجيعه لتحويل هذه الاعتصامات الى بؤر عسكرية ورفع رايات الدواعش تعبيراً عن المشاركة فيها..

هذه العلاقة التي تحدث عنها السعدون في اعترافاته ليكشف المزيد من التفاصيل عن طبيعتها بين الطرفين وهو يؤكد : ان الدوري كان يتجول حراً في مناطق الدواعش.. الذين لا يعترضونه ووصفه له بانه داعشي بامتياز..

تكريت ايضا نفذت عشائرها ابشع جريمة بحق مجموعة كبيرة من المجندين والمتدربين في صفوف الجيش العراقي في واقعة سبايكر التي ذهب ضحيتها اكثر من 2700 ضحية .. تم استدراجهم من قبل الموالين لصدام بإشراف مباشر من ابناء عمومته وبقيادة ابراهيم سبعاوي وغيره من القتلة.. الذين باشروا بممارسة الذبح والقتل والدفن من يوم 11 حزيران2014 .. قبل دخول الدواعش لتكريت كما ثبتنا زمنه فيما سبق .. واعتراضهم على قتل الجميع وطلبهم استثناء الجنود السنة بينهم والطلب منهم اشهار التوبة.. وهو اجراء رغم بشاعته انقذ حياة اكثر من 450 فرداً من هؤلاء المحتجزين والأسرى ممن كان البعثيون قد قرروا قتلهم والتخلص منهم جميعاً ..

وهنا سنتوقف لنطرح اسئلتنا المؤجلة التي حان اوانها..

ـ ما الذي يدفع بأبناء هذه المدينة ـ تكريت ـ وغيرها من حواضن البعث لممارسة هذا العنف المنفلت؟..

ـ ما هي المبررات والدوافع التي تجعل من ابناء هذه المناطق قتلة يستسيغون الذبح .. ويميلون  لزهق الارواح بهذه السهولة ؟..

ـ  ما الذي يجعلهم سفاحين منفلتين يستطعمون الدم ويتفاخرون بالقتل والاجرام في هذا العصر ؟

ـ ماهي المشتركات بين جرائم البعث والدواعش؟ وما هي الفروقات بينمها ان تواجدت؟ وما الذي يربط بينهما؟..

ـ الكثير من الاسئلة تطرح ونحن نتفحص نتائج مرحلة التداخل بين البعث والدواعش في المدن والقرى التي سيطروا عليها.. استباحوا بعضها و دمروها .. في الوقت الذي بقي البعض منها سالماً معافى ..  بالرغم من تواجد الدواعش فيها طيلة تلك السنوات.. التي انطلقت فيها دولة الخلافة الاسلامية ـ داعش لغاية اندحارها وطردها من العراق.. في معارك تحرير هي اقرب الى مسرحيات هزيلة من اية صفحة من صفحات المعارك والتاريخ الحربي .. كما قرأنا وسمعنا وعشنا وما اكثرها في تاريخنا الانساني ـ الوحشي .. تكريت نموذجاً صارخاً لهذا التحرير الهزلي .. فقد تبخر الدواعش المتواجدين فيها فجأة واختفوا كأننا في مشهد مسرحي ليس الاّ ..

 

سنتوقف لنختار ست نماذج من المدن والقرى التي سيطر عليها الدواعش.. لنرى الفرق في  التعامل والنتائج من خلال ما له علاقة بالورقة البعثية .. ودور البعثيين في الارهاب الداعشي ..

النموذج الاول ..

مجموعة مدن وقرى دخلها الدواعش بتنسيق عالي مع البعثيين.. وبقوا فيها لسنوات دون ان يمسوا احداً بأذى .. منها عانة و راوه على سبيل المثال .. أعلنت القوات العراقية المشتركة بتاريخ 17 تشرين الثاني 2017، تحرير قضاء راوه بالكامل بعد ساعات من انطلاق العملية التي قامت بشنها ضد أفراد تنظيم داعش في معقلهم الأخير في العراق.

وكان تنظيم داعش قد سيطر على قضاء راوه في شهر حزيران 2014. وصرح آنذاك مسؤول في المخابرات العسكرية العراقية.. أن قوات الجيش “انسحبت من راوه وعانة والرطبة هذا الصباح. وتحرك تنظيم داعش سريعاً للسيطرة على هذه البلدات”.

و الملفت للسخرية وجلب الانتباه.. ما رافق هذه التحولات من سرعة اعلان الدوائر الحكومية في الاعلام عن المباشرة بإعمار عانه بعد تحريرها في 21 أيلول 2017 بأيام محدودة كما ثبتت الصحف الورقية والالكترونية الصادرة في 12/10/2017 هذه الانباء وهذا الادعاء..

( ما إن صمتت البنادق وتحررت مدينة عانه من تنظيم “الدول الاسلامية” (داعش)، حتى باشرت الحكومة المحلية في المحافظة بحراك سريع لإعادة اعمار المدينة ) .

بالرغم من أن العديد من المسؤولين العراقيين قد اكدوا.. أن عملية التحرير الخاطفة والسريعة لم تتسبب بخراب كبير في البنى التحتية للمدينة، لكنهم حذروا من الأضرار التي لحقت بها بعد سنوات من سيطرة التنظيم..

 وفي التفاصيل نقرأ.. ( أن اعادة الاعمار تتم على مرحلتين ) ..

كما قال عضو لجنة الخدمات في مجلس محافظة الانبار طه عبد الغني لموقع ديارنا، إن الحكومة المحلية شرعت منذ الأيام الأولى من تحرير عناه بالخطوات الاولى لإعادة اعمار المدينة وذلك عبر مرحلتين.

المرحلة الأولى “تتعلق بتطهير المدينة من المقذوفات والعبوات الناسفة”، بحسب ما أشار.

وأوضح أن الوحدات الهندسية العسكرية تعمل حالياً على تطهير المدينة من المخلفات الحربية، لافتاً إلى أن هزيمة التنظيم السريع لم تمهله كثيراً لتفخيخ المدينة باستثناء عدد من الدوائر الحكومية .. لاحظ التعبير المراوغ والمخادع بعد اكثر من ثلاث سنوات من سيطرة داعش على اربعة مدن عراقية مهمة هي ( عانة .. راوه .. القائم ..الرطبة ) في اقل من ثلاثة ايام مع بداية حزيران عام 2014..

 بعد انسحاب تكتيكي كما وصفه الناطق الرسمي باسم وزارة الدفاع .. هو ذات الانسحاب التكيكي الذي جرى ايضا يوم تحريرها ـ استعادتها من الدواعش بطريقة سلم واستلم دون ان يمسها أذى.. او تثبت  من خلال كامرات التصوير اية مرافق مهدمة او مدمرة.. ناهيك عن عدم ذكر أية حالة خسائر حقيقية بين البشر في كلا الطرفين المنسحب والمهاجم بالإضافة الى الكامخ بينهما من اهل المدينة المتواجدين فيها..

لهذا فان كان هناك شيئاً يمكن ان نثبته عن سرعة الاستعداد لإعادة اعمار المدينة.. بهذه المواصفات القياسية.. في المرحلتين الاولى والثانية.. كما زعم .. نقول:

انه الفساد لنؤشر على الوجه الآخر من المهزلة المكمل للإرهاب .. وما تبعه من سرقات تحت ستار اعادة الاعمار.. في المرحلة الثانية.. المخصصة لتأمين خدمات الماء والكهرباء والنقل والتجهيزات النفطية.. بعد استطلاع “الأضرار” التي لحقت بها .. كما أوضح رئيس اللجنة الأمنية في المجلس المحلي في قضاء عانه، مشتاق طالب:

( أن المحافظة شكلت لجنة خاصة برئاسة نائب المحافظ علي فرحان الذي زار المدينة بعد تحريرها بأيام قليلة مصحوباً بعدد من مدراء الدوائر الخدمية بما فيهم مدراء دائرة الماء والمرور والمجاري والبلديات للاطلاع ميدانيا على الواقع في المدينة لإعادة تشغيل شبكة الاتصالات والطرقات.. والتمس أن المدينة تريد العودة إلى حياتها الطبيعية..

وأوضح أن معظم الخراب كان في الدوائر الحكومية التي تعمد تنظيم داعش الاضرار بها طيلة الفترة الماضية وعند انسحابه ).

وفي ذات السياق أشار الشيخ قطري السمرمد .. الذي قاد فصيلاً في الحشد الشعبي .. أن المدينة مؤمنة بشكل كامل في الوقت الراهن.. وكان قد صرح عبر الفضائيات ان الدواعش يفرون بشكل جماعي من عانة الى راوه عبر النهر ـ البحيرة وتحريرها لمْ يستغرق الاّ ساعات..ولفت إلى أن تلك القوات تعمل بنفسها على تأمين مشاريع اعادة الاعمار في المدينة.

وأكد أن هذه القوات ساهمت في فرض الاستقرار كونها ألزمت الاهالي البقاء في منازلهم اثناء المعركة وعدم النزوح منها..

واعتبر أن ذلك ساهم في عودة الحياة إلى طبيعتها بسرعة أكبر، لا سيما وأن الموظفين الحكوميين الذين سيلعبون دوراً أساسياً في اعادة الخدمات إلى المدينة لم يغادروها..

 

النموذج الثاني ..  

مدن طوقت من الدواعش بالكامل لسنين ولم يدخلوها ومدينة حديثة مثالا.. وصفها الكثيرون بالمدينة المنتعشة بعد تخلصها من حصار داعش.. تنظم فيها المسابقات الرياضية لبطولة كرة القدم في ملعب سد حديثة.. وتعود الحياة تدريجياً إلى طبيعتها بعد أن تم رفع الحصار الذي فرضته عليها الدولة الإسلامية في العراق والشام ـ داعش لسنتين..

وتحدث آخرون عن أسواقها المزدهرة وشوارعها التي تنبض بالحياة والمدارس التي تغص بالطلاب.. هذه هي الصور التي تعكس واقع مدينة حديثة بعد عامين من حصار الدواعش..

وقد صدتْ المدينة محاولات متكررة للدواعش للسيطرة عليها خلال عامين بالرغم من سيطرة التنظيم على معظم المدن المجاورة لها.وقال قائم مقام قضاء حديثة مبروك حميد مهيدي أن.. ( الأسواق عامرة والوضع الاقتصادي يتحسن يوماً بعد يوم، والمواد الغذائية متوفرة بكثرة لا سيما بعد التزام وزارة التجارة بإيصال مفردات البطاقة التموينية إلى القضاء ).. مؤكداً ..

إن مدارس حديثة وخلافاً لمدارس أخرى في محافظة الأنبار، لم تغلق أبوابها خلال العامين الماضيين وبقيت تستقبل الطلاب رغم حصار وتهديدات وقصف داعش .. وأضاف .. لم تغلق أي مدرسة أبوابها لا في مركز حديثة ولا في النواحي التابعة لها في بروانة و الحقلانية .. ولفت هو الآخر .. الى استعادة القطاع الرياضي نشاطه مع إقامة بطولة كرة القدم على ملعب سد حديثة..

 

 

النموذج الثالث ..

 مدن طوقت وقصفت كل يوم ولم يتمكنوا من دخولها كما هو الحال في ناحية مدينة آمرلي (  مركز قضاء عراقي في محافظة صلاح الدين كانت تتبع إداريا قضاء طوز خورماتو.. بحلول كانون الثاني 2017 تمت ترقيتها من ناحية لقضاء.. و هي بلدة جميلة على وادي ( كور دره ) الذي يقسمها إلى نصفين.. اشتهرت خلال الحصار القاسي الذي فرضه الدواعش عليها في حزيران 2014 بعد سقوط الموصل .. حيث تم منع دخول الماء والغذاء للسكان.. وغالبيتهم من التركمان الشيعة..

وحاول الدواعش اقتحامها عدة مرات.. ومن أول هجوم لهم استخدموا ثلاثة دبابات مدعومة بست همرات مع ثلاث مدرعات تركت وسلمت لهم في الموصل .. وكان عدَدُ المهاجمين 300 مجرماً تم صدهم .. تبعه اكثر من ثلاثين هجوماً انتحارياً.. وبعد 84 يوماً من الصمود الاسطوري تم فك الحصار عن المتواجدين فيها.. وقتل أكثر من ( 700 ) داعشياً وقدمت المدينة اكثر من (100) ضحية من المدنيين والمقاومين للدواعش نتيجة لتلك الهجمات.. قبل أن يدخلها أيّ فصيل من الحشد الشعبي والقوات الأمنية في اليوم الـ 85 الذي تم فيه كسر الحصار ووضع نهاية لهذه المأساة الانسانية..

 

النموذج الرابع  ..

 مدن وقعت تحت تأثيرهم وسيطرتهم لأكثر من مرة كما هو الحال مع مدينة بيجي في محافظة صلاح الدين.. التي كانت تضم 180 ألف نسمة قبل عام 2014.. وفيها أكبر مصفاة للنفط سيطر عليها الدواعش لسبعة اشهر.. بعد انسحاب القوات العراقية منها.. وهروب الشرطة المحلية.. التي حدثت فيها معارك شملت المصفى الذي جرى تفخيخه.. وتحولت الى مدينة أشباح ومنازل فارغة.. بعد ان كانت الواجهة الصناعية للعراق..

حيث دخلها الدواعش في حزيران 2014.. واستولوا على المدينة.. وأشعلوا النار بالدوائر الحكومية  ابتداء من مركز الشرطة والمحكمة.. وأطلقوا سراح السجناء.. ثم استولوا على مصفاة النفط .

وفي تشرين الثاني من العام نفسه، استعادت القوات العراقية معظم المدينة.. غير أن القتال استمر في المصفاة إلى أن استولت عليها القوات العراقية في نهاية المطاف.. بدعم من قوات الحشد الشعبي في 16 تشرين الأول 2015.

وبقيت شوارعها مليئة بالركام وأعمدة الكهرباء المنحنية ومتاجرها عارية من واجهاتها بالرغم من استعادتها من الدواعش.. وانتظر نازحوها اعادتهم اليها لأكثر من سنتين ونصف.. ولم تخصص لها أية مبالغ لإعادة الإعمار.. بحجة أن موارد الدولة مسخرة لإدامة العمليات العسكرية ضد تنظيم داعش الإرهابي .. بالرغم من اعلانها منطقة منكوبة.. بلغت نسبة الدمار فيها 90 % كما اعلن في البرلمان..

وشمل الدمار والتخريب المتعمد والمبرمج البنى التحتية والدوائر الخدمية والمدارس والمنازل المهدمة التي تجاوز عددها 12 ألف منزل .. بالإضافة الى 10 الاف أخرى متضررة بنسب متفاوتة.. بسب عدم تأييد اهالي المدينة للدواعش ورفض وجودهم..

النموذج الخامس  ..

 مدن وقرى استبيحت بالكامل تعود للإيزيديين والمسيحيين والشبك الشيعة.. كما هو الحال في مناطق سنجار وسهل نينوى.. ومدينة كوجو نموذجاً صارخاً حيث تم تدميرها كاملاً .. وسبي اهاليها واستعبادهم وقتلهم.. في سياق خطة بربرية للقضاء على تواجدهم.. شملت الجغرافيا والتاريخ والميثولوجيا .. ولم تسلم اماكن العبادة والمراقد.. ولا قبور مواتهم من التخريب والتدمير.. التي ادرجها الدواعش في نطاق مخططهم الاجرامي..

للحديث عن هذه الاماكن وما حل بالسكان فيها سنخصص للتوثيق ما يناسبها من فصول في سياق  البحث.. في القادم من الزمن قدر المستطاع ..

النموذج السادس ..

مدينة تلعفر التي هي مركز قضاء في محافظة الموصل .. يسكنها التركمان ويربو عدد نفوسها 300 الف نسمة ثلثاهم من السنة وثلث آخر من الشيعة .. التي احتلها الدواعش فجر 15 حزيران 2014 بعد قتال جرى في وسط المدينة.. وانسحاب اغلب القوات العراقية المتمركزة فيها.. ونزوح الآلاف من السكان إلى المناطق التي يسيطر عليها البيشمركة في سنجار ودهوك.. لغاية تحريرها في العشرين من آب 2017..

حيث ارتكبت الموبقات بحق التركمان الشيعة فيها.. وتم قتل الكثير منهم وسبي نساؤهم من قبل التركمان السنة المتعاونين مع الدواعش.. الذين تميزوا بفجورهم وقسوتهم ونزوعهم العدواني الوحشي وشرهم المطلق قياساً لبقية الدواعش.. والشيء الملفت للنظر عند التدقيق فيما حل بالمدينة كثرة المتعاونين مع الدواعش من ابناء عوائل وعشائر معروفة وتسكن احياء محددة من المدينة وسيكون لنا شأن مع هؤلاء في فصل خاص عن تلعفر ..

 

ما الذي جعل نتائج هذا الدخول مختلفاً و متبايناً؟ .. لمَ وقفنا نرصد هذا التباين في عدة مدن محددة لم نختارها عبثاً؟..

ما الذي يجمع بينها؟ .. وفي اي منها كان التداخل البعثي ـ الداعشي الاقوى ومن استفاد من الآخر وسخره وفقاً لمخططاته واهدافه ؟.. هنا تكمن العلة في معادلة البعث و الدواعش.. التي انتجت ما اطلقنا عليه بـ البعث الداعشي .. في هيكلية مزدوجة شملت توجه ضباط بعثيون في الجيش والمخابرات.. ومن عرفوا بـ فدائي صدام.. و كوادر مدنية..  “للجهاد” مع الدواعش ..احتلوا مواقعهم في هيكلية التنظيم الداعشي من جهة ..

وتحول في بنية حزب البعث نفسه وتوجهه لتشكيل الاذرع المسلحة بغطاء ديني كما هو الحال مع النقشبندية والمجاميع التي ذكرناها سابقاً. دون ان نغفل ايضا امكانية حدوث تغييرات عقائدية لدى البعض من المنتسبين لحزب البعث.. بحكم احتكاك المفاهيم العقائدية بالدينية وتشخيص نقاط تقاطعها وفقاً لتجارب ونزعة كل بعثي الشخصية في مرحلتي السلطة وما بعد السقوط من حيث القبول والانسجام او التصادم والرفض..

هنا سنتوقف عند حدود جريمة مجزرة سبايكر من زاويتين مهمتين لهما علاقة بالبيئة المولدة للعنف تتمثلان بالدين الاسلامي وحزب البعث تحديدا.. بحكم امتدادهما وانتشارهما في كل محافظات العراق .. فالإسلام ممتد ومنتشر من البصرة حتى زاخو .. والبعث ايضا له فروعه وتنظيماته و ركائزه في ذات الجغرافية بين زاخو والبصرة ..

ونتساءل لنقول.. لماذا لم ينتشر التطرف الديني الاسلامي بين اهالي البصرة؟ ولم تتشكل منهم فرق للدواعش؟ او غيرها من مدن الجنوب كالسماوة والنجف و المشخاب.. او بين المسلمين في كويسنجق والعمادية..

وفي ذات المنحى وبنفس الاماكن التي تواجد فيها البعثيون.. لماذا لم يتم تشكيل فرق للقتلة فيها او خلايا بعثية لتمارس العنف والارهاب؟ .. بينما تحقق ذلك في تكريت التي اتخذناها نموذجاً يجمع بين البداوة والدين والتحزب المنتج للعنف والقسوة؟!!

اجل لماذا حدثت جريمة سبايكر في تكريت تحديداً؟.. تكريت البيئة المولدة للعنف والقتلة والموت البشع.. جريمة كبرى جرت بعد أسر طلاب القوة الجوية في قاعدة سبايكر الجوية في 11 حزيران 2014م، قبل دخول الدواعش لها بيوم واحد فقط .. حينما جرى أسر (2000-2700) بينهم 1700 متدرب و 175 طالب قوة جوية من قبل المجرمين في تكريت وقادوهم نحو القصور الرئاسية ، وقاموا بقتلهم هناك وسط احتفالات صاخبة رمياً بالرصاص او ذبحاً أو دفنا للبعض منهم أحياء كما تسربت المعلومات..

بعد أن تم تصوير مجريات الجريمة.. التي أشترك فيها عناصر منتمية إلى حزب البعث و الدواعش في تكريت بقيادة ابراهيم سبعاوي وفارس ابن شقيق عبد حمود ..

وتمكن البعض منهم الهروب لناحية العلم التي لم تكن ساقطة بيد الدواعش حينها.. حيث استقبلهم الجبور فيها وأمنوا لهم عجلات ووثائق للتسلل والخلاص من الرقعة الجغرافية التي يتحكم بها القتلة وقد روى بعض الطلاب مجريات الاحداث وخداع بعض القادة العسكريين لهم وايهامهم بأن الاوضاع آمنة في المعسكر والمدينة..

وكشف مدير الإعلام الحربي ـ كاظم الركابي ـ أن المعتقلين اعترفوا بأنهم تلقوا أوامر امرأة لتنفيذ عمليات الإعدام الجماعي بضحايا سبايكر، تلقب بـ الست.. من المحتمل أنها رغد صدام حسين .

 كما ذكر بيان للهيئة وفقاً لوكالة أنباء الإعلام العراقي .. أن “الهيئة الوطنية العليا للمساءلة والعدالة” قامت مؤخراً بتدقيق أسماء 57 مجرماً ممن ثبت تورطهم في ارتكاب مجزرة سبايكر..

و أكدت في بيانها ” تبين بالدليل القاطع أن هؤلاء المجرمين جميعاً من أعضاء حزب البعث.. على الرغم من أن الصور أظهرت أن كل رجل مسلح كان من أعضاء تنظيم الدولة الإسلامية.. 

 اما الجندي الذي كان ضمن مجموعة قاعدة سبايكر، و نجا من الموت ثلاث مرات، فقد قال:

أنه كان في مركز تدريب ذي قار مع ثلاثة آلاف جندي آخرين من المتطوعين في المحافظات وبقوا فيه نحو شهراً لغاية السابع من حزيران حيث تم تحريكهم كوحدة عسكرية بجميع جنودها الى قيادة الاستطلاع ضمن قاطع عمليات صلاح الدين..

وفي حدود الساعة العاشرة من ليلة الحادي عشر من حزيران، تحركت وحدته المؤلفة من ثلاثة آلاف جندي إلى سبايكر، بأمر من قائدها، من دون أن يعلموا أن محافظات الموصل وصلاح الدين والمناطق المحيطة بهما قد أصبحت تحت سلطة الدواعش.. 

و العقيد الركن آمر الوحدة لم يجهزهم بأيّ قطعة سلاح، حيث دخلوا بسيارات وملابس عسكرية وطمئنهم إن القاعدة محصنة، وأنهم مجازون لمدة خمسة عشر يوماً، ويجب أن يلتحقوا بعدها بمقرهم السابق القريب من جبال حمرين، لكن عليهم النزول بملابس مدنية، وترك هوياتهم.. فاستقلوا سيارات، كان سواقها متفقين مع الدواعش على تسليمهم اليهم، وعصبوا أعينهم وأركبوهم وأنزلوهم في أحد القصور الرئاسية وأدخلوهم في غرفة كانت ضيقة لكثرة الأسرة.. وبعد نحو ساعة أزاحوا العصابة وأخذوا يحققوا معهم فقتلوا الذين كانوا من الشيعة وأبقوا على نحو 150 اسيراً  منهم  وقادوهم الى  ما يسمى بالمحكمة الشرعية  التي يترأسها قاضٍ شرعي ومدّعي ومحام.. يقف خلفهم سياف.. فسألوا عن عشيرته ومذهبه.. و في اليوم الخامس جاء أحدهم لينقل نبأ عفو أبو بكر البغدادي ، عن الأسرى من السنّة واخذهم لوسط المدينة ويؤكد ان :.

– العدد الكُلي للضحايا أكثر من ٢٥٠٠ فرداً، منهم (١٧٠٠) من جنود الجُدد (١٥٧) طالب قوة جوية

– من اسر الجنود و نقلهم الى القصور الرئاسية هم ابناء العشائر من التكارتة حصراً.. قبل  دخول الدواعش الى تكريت .. ووعدوا الجنود بأنهم سينقلونهم الى ذويهم، لذلك لم يفكروا بالمقاومة وذكر عددا من الاشخاص المشتركين في الجريمة :

ـ ابراهيم سبعاوي ابراهيم الحسن.. ابن شقيق  صدام

ـ فارس حمود  ابن شقيق عبد حمود حارس صدام الشخصي . وقريبه.

ـ ابن مزاحم عبد الله الحمود .. 

ـ عدد من رجال وابناء البو عجيل .

ـ عدد  من جبور تكريت .

ـ افراد متفرقون من سكنة تكريت و العوجة.

بعد اجتماع عشائري للتكارته في مجمع القصور برئاسة شخصية من عائلة صدام حسين للتباحث في مصير الجنود عصر  يوم 11/6/2014 حيث اختلفت الآراء وتباينت المواقف بخصوص ما يفعلونه ازاء هذا العدد الكبير من الجنود الأسرى .. وقدم اقتراح للمساومة بهم مع الحكومة مقابل اطلاق سراح عدد من رموز البعث وابناء تكريت المعتقلين لدى الحكومة العراقية .. والآخر اقترح اطلق سراحهم مقابل  فدية وأموال ..

والثالث من البو عجيل و البو ناصر من ( البيجات ـ البو خطاب ـ البو مسلط ) .. ومن لهم قوة القرار باعتبارهم من اقرباء صدام حسين .. واشقائه برزان وسبعاوي ووطبان اولاد ابراهيم الحسن .. مع ذوي ابن عمهم عبد حمود فقد أجمعوا .. على اعتبار الاسرى ثأراً لـ صدام و لن نقبل الا بقتلهم جميعاً في القصور .. واستقر لهم الرأي..

وتتابعت بقية فصول الجريمة ليلا في الاعدامات الفورية لوجبات الأسرى.. تتالت دون تفرقة.. لكل عشيرة حصة من الجنود..

لحين وصول الدواعش القادمين من الموصل ودخولهم تكريت صبيحة يوم 12/6/2014 محملين بعفو الخليفة عن المتبقين من الجنود السُنة و أطلاق سراحهم بشرط التوبة.. وبدأت عمليات فصل بين السنة والشيعة لإطلاق السراح عن طريق المحكمة الشرعية التي نصبها الدواعش وكانت فرصة للبعض من الجنود الشيعة للادعاء بأنهم سنة.. فتجاوزا الاختبار ونجوا بالصدفة من براثن الموت ..

أما البقية من الشيعة.. فقد تم توزيعهم على العشائر و  بيوت العوجة  والمارين في الشوارع ليقوموا بإعدامهم و اثبات ولائهم للدولة الاسلامية ـ داعش ..

تفيد المعلومات المؤكدة.. إن بعض العشائر التي لم يحضر ممثلوها اجتماع القصور الرئاسية.. لمّا سمعوا بوجود الأسرى..  توجهوا فوراً ليشاركوا في حفلة الاعدام.. و الثأر لصدام.. وفقاً لاعترافات المتهمين.. لا بل ان البعض منهم قد اشرك حتى اطفاله واليافعين منهم في هذه الجرائم المروعة ..

وتؤكد اعترافات بعض المنفذين للجريمة.. ان هذه العوائل كانت تأتي الى القصور.. فيأخذ كل فرد منها جندي او اثنين لقتلهم.. و لم يجري استثناء الاطفال و النساء حيث انهم اشتركوا بالقتل والنساء كن يشجعن ابناءهن و اخوتهن على القتل.. وبعدها كان ابناء هذه العائلات يتفاخرون بالعدد الاكبر من قتلاهم ويتباهون بالرقم الاعلى ..

اما الذين تمكنوا من الهرب وهم بحدود 400 جندي استطاعوا الفرار من القصور الرئاسية ودخلوا الاحياء السكنية للاحتماء بالمتواجدين فيها.. فقد خرج لهم ابناء تلك الأحياء من اسطح البيوت ليردوهم قتلى في الشوارع الطرقات.. ولم يثبت نجدتهم من اي شخص من اهالي تكريت و العوجة ..

وان كان ثمة شيء يمكن تثبيته حول هذه الجريمة الشنيعة.. وما سبقها من جرائم لها صلة بالبعث الداعشي.. في هذه السطور المؤلمة من التوثيق للأحداث .. اقول اننا مطالبون كمجتمع يمر بكل هذه الدورات من العنف.. التوقف عند اسبابه ودوافعه.. وتشخيص البيئة الحاضنة له بجرأة وصراحة..  فمع هذا الكم من تسلسل الاجرام في بلدنا.. ينبغي ان لا نلجأ للتبرير والهروب.. ولن ينفع مع تواصل العنف ان نخفي رؤوسنا كالنعامة..

 والمطلوب من السياسيين والباحثين الاجتماعيين والمختصين بعلم النفس.. تفسير هذا السلوك المعقد بأبعاده الاجتماعية والفكرية والدينية.. وعلى الجامعات ومراكز البحث والبرامج الفضائية.. ان توليه اهتماماً اكبر.. وتفرد له المزيد من الوقت و التفكير والجهد الجماعي.. باعتباره مشكلة ومعضلة قائمة تتطلب المواجهة و الحل ..

ــــــــــــــــــــــــــــ

صباح كنجي

13 نيسان 2019

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular